طمأنة لكردستان العراق وإنذار لإيران وميليشياتها في زيارة كيفن ليهي لأربيل

مخاوف من تحول الإقليم إلى موضع انتقام إيراني لما حدث في سوريا.
الأربعاء 2024/12/18
تحالف متين يصعب كسره

الرسالة التي تضمنتها زيارة قائد قوات التحالف الدولي إلى إقليم كردستان العراق تحمل طمأنة لقيادة الإقليم بشأن الاهتمام الأميركي والدولي باستقراره وتماسك تجربة الحكم الذاتي فيه، كما تتضمّن تحذيرا لإيران وحلفائها المحليين في العراق من أي تصعيد ضدّ كردستان العراق انتقاما لما حدث للمحور الإيراني في سوريا ولبنان.

أربيل (كردستان العراق)- تضمنت زيارة قام بها الجنرال كيفن ليهي قائد قوات التحالف الدولي ضدّ داعش إلى أربيل مركز إقليم كردستان العراق ولقاؤه الرئيس نيجيرفان بارزاني ورئيس الحكومة مسرور بارزاني رسالة طمأنة دولية، وأميركية بالأساس، لقيادة الإقليم بشأن بقاء استقرار الأخير وأمنه ضمن دائرة اهتمام واشنطن وشركائها في التحالف في ظل المتغيّرات العاصفة في المنطقة والأوضاع القائمة في العراق.

وأثار السقوط المفاجئ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد المخاوف في العراق ومن ضمنه إقليم كردستان بشأن التداعيات الأمنية المحتملة لاسيما إمكانية استغلال تنظيم داعش للوضع وعودته إلى النشاط انطلاقا من الشرق السوري صوب الأراضي العراقية على غرار ما فعله سنة 2014 عندما عبر مقاتلوه الحدود السورية وزحفوا على مناطق شاسعة في شمال العراق وغربه وقاموا باحتلالها.

علي تركي الجمالي: البيشمركة حرس حدود وتسليحها بأسلحة ثقيلة يمثل خطرا على الجيش العراقي
علي تركي الجمالي: البيشمركة حرس حدود وتسليحها بأسلحة ثقيلة يمثل خطرا على الجيش العراقي

لكن المخاوف على استقرار إقليم كردستان هي داخلية أيضا ومأتاها إمكانية تسليط قوى عراقية موالية لإيران من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة المزيد من الضغوط الأمنية والسياسية والاقتصادية عليه في إطار معركة النفوذ التي يتوقّع أن تلجأ إيران إلى تركيزها بشكل أكبر في العراق حفاظا على مواقعها هناك بعد انحسار نفوذها في سوريا ولبنان.

وأوكلت إيران على مدى السنوات الأخيرة للأحزاب والفصائل العراقية التابعة لها مهمّة خلخلة الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية ومحاولة دفع الولايات المتّحدة إلى سحب ما بقي من قواتها هناك والتي تقول واشنطن إنّ مهمتها غير قتالية وإن دورها يقتصر على تقديم المشورة والمعلومات الاستخباراتية للقوات العراقية في مجال محاربة الإرهاب الذي تمثله بشكل رئيسي فلول تنظيم داعش.

وعلى قدر ما يحظى رحيل تلك القوات بدعم الأحزاب والفصائل الشيعية النافذة في الحكومة الاتّحادية العراقية، يواجه رفضا واعتراضا من قوى عراقية أخرى سنيّة وكردية بالأساس تخشى استفراد المعسكر الإيراني بها في غياب الدعم الأميركي والدولي.

وكثيرا ما دار الحديث خلال السنوات الأخيرة حول إمكانية اتّخاذ الولايات المتّحدة من أراضي كردستان العراق موضعا رئيسيا لتمركز قواتها في حال اضطرت إلى سحبها من باقي المناطق العراقية، وهو أمر لا يبدو واردا إلى حدّ الآن إذ يتوّقع أغلب الخبراء الأمنيين والعسكريين أن تتشبّث الولايات المتحدة بإبقاء قوات لها في العراق لمراقبة الوضع هناك والحدّ من تحركّات إيران وميليشياتها وخصوصا على المحور الرابط بين طهران وبيروت والذي انكسرت مؤخّرا حلقته الرئيسية المتمثّلة بالأراضي السورية التي لم تعد لدى إيران وميليشياتها إمكانية التحرّك داخلها بعد سقوط نظام الأسد وانتقال السلطة إلى حلفاء تركيا المنافسة بدورها للإيرانيين على النفوذ في المنطقة بما في ذلك داخل العراق.

واستقبل رئيس أقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، الثلاثاء، الجنرال كيفن ليهي، قائد قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا.

وذكرت رئاسة الإقليم في بيان أنه جرى خلال اللقاء الذي حضره وزير شؤون البيشمركة شورش إسماعيل، بحث آخر تطورات الوضع الأمني ​​في العراق وسوريا والتشديد على ضرورة تعزيز التعاون بين قوات البيشمركة والجيش العراقي مع قوات التحالف الدولي.

وأكّد بارزاني خلال اللقاء على أهمية استمرار دعم التحالف الدولي للعراق مثنيا على التنسيق المشترك مع الحلفاء في مواجهة التهديد الإرهابي، ومعتبرا استمرار التعاون بين الأطراف كافة مفتاحا لتعزيز الأمن في العراق.

وعلى الطرف المقابل أشار قائد قوات التحالف إلى أهمية دور إقليم كردستان وقوات البيشمركة في مكافحة الإرهاب، وأكد التزام قوات التحالف بمواصلة دعم العراق والإقليم في الحفاظ على السلام والاستقرار والقضاء على خطر تنظيم داعش.

وأسفر الاجتماع عن توافق بين الجانبين على “استمرار التنسيق والتشاور المشترك لضمان الاستقرار ومعالجة التحديات الأمنية الراهنة في المنطقة”.

خالدة خليل: البيشمركة قوة منظمة، وليست قوة طائفية لتتم معاداتها والمطالبة بنزع سلاحها
خالدة خليل: البيشمركة قوة منظمة، وليست قوة طائفية لتتم معاداتها والمطالبة بنزع سلاحها

كما كان للجنرال الأميركي لقاء برئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني جرى خلاله “بحث الأوضاع العامة في إقليم كردستان والعراق وسوريا، بالإضافة إلى سبل تعزيز التعاون والتنسيق بين الجانبين لمواجهة التهديدات والمخاطر التي يشكلها تنظيم داعش والإرهاب بشكل عام”.

وتبادل الجانبان بحسب وسائل إعلام محلية وجهات النظر بشأن التطورات الأخيرة في سوريا، حيث اتفقا على ضرورة الحفاظ على أمنها واستقرارها، وضمان احترام حقوق الشعب الكردي وبقية المكونات فيها.

وتطرق الاجتماع إلى التقدم المحرز في توحيد قوات البيشمركة والإصلاحات المُنفذة في وزارة شؤون البيشمركة.

وتحظى تلك القوات باهتمام الولايات المتحدة ودعمها المادي، وتدعو واشنطن باستمرار إلى توحيدها وإنهاء انقسامها من خلال تبعية قسم منها للحزب الديمقراطي الكردستاني وقسم للاتحاد الوطني الكردستاني.

وفي مقابل ذلك كثيرا ما كانت القوات ذاتها عرضة لضغوط الأحزاب والفصائل العراقية الموالية لإيران، وقد برزت تلك الضغوط قبل بضعة أشهر عندما ثارت في العراق موجة اعتراضات شديدة على تسليحها بمدافع هاوتزر جاءت كهِبة من وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون ومرّت عبر موافقة السلطات الاتّحادية العراقية ما جعل الاعتراضات عليها تتحوّل إلى حملة انتقادات لحكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني.

وكان وزير شؤون البيشمركة قد أعلن في أغسطس الماضي عن تزويد وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون لقوات البيشمركة بأربعة وعشرين مدفع هاوتزر ثقيلا، متوقّعا أن ترفع تلك المدافع “من القدرات العسكرية للبيشمركة إلى مستوى أعلى.”

وقال علي تركي الجمالي، النائب عن كتلة صادقون النيابية الممثلة لميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، إنّ البيشمركة حرس حدود وتسليحها بأسلحة ثقيلة يمثل خطرا على الجيش العراقي.

ووجه الجمالي نقده لحكومة السوداني قائلا في تصريحات لوسائل إعلام محلية إن “تسليح البيشمركة بأسلحة تفوق قدرات الجيش العراقي تتحمل تبعاته الحكومة العراقية.”

وإمعانا في إدانة حكومة السوداني أشار النائب إلى أنّ “هذه المدافع تم إرسالها منذ فترة طويلة وامتنعت كل الحكومات السابقة عن تمريرها ابتداء من حكومة حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي وحتى مصطفى الكاظمي.”

وردّا على تلك الحملة، كتبت المتحدثة باسم مقر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني خالدة خليل على حسابها في منصة إكس أن “البيشمركة قوة منظمة، وليست قوة طائفية لتتم معاداتها والمطالبة بنزع سلاحها”، مضيفة أنّ “معاداة الأكراد أصبحت شعارا سياسيا للباحثين عن المناصب والمكتسبات حيث يلجؤون إلى ذلك في محاولة للوصول إلى غاياتهم”.

ضغوط إضافية متوقعة من الميليشيات على الإقليم في إطار تركيز إيران على العراق بعد تراجعها في جواره

ولا يزال ملف توحيد وإصلاح قوات البيشمركة الكردية أحد أهداف التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش بقيادة الولايات المتّحدة التي ترغب في جعل جيش إقليم كردستان العراق مؤهّلا لسدّ أي فراغ أمني يتيح عودة التنظيم المتشدّد، ويفسح المجال لتمدّد الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني نحو الإقليم.

وتعثّرت في وقت سابق جهود توحيد البيشمركة بسبب الخلافات السياسية العميقة بين الحزبين الكبيرين في الإقليم واللذين يديران بشكل مستقل فرقتي 70 و80 اللتين تضم كل منهما نحو خمسين ألف فرد.

ويقول خبراء الشؤون الأمنية والعسكرية إنّ الانقسام يحول دون تطوير أداء الجهاز الأمني ليرتقي إلى مستوى مواجهة التحديات في البيئة المعقّدة وكثيرة التهديدات التي يعمل فيها، حيث تتواجد فلول تنظيم داعش وتنشط الفصائل الكردية المسلّحة المعارضة للنظامين الإيراني والتركي وتتدخل تركيا عسكريا في الإقليم لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني.

ويعكس انخراط الولايات المتّحدة في محاولة تنشيط جهود توحيد القوات الكردية، الأهمية المتعاظمة التي توليها واشنطن لإقليم كردستان العراق، خصوصا في ظل احتدام صراعها ضد طهران على النفوذ في العراق والمنطقة.

ولا تنفصل الضربات التي توجهها الفصائل الشيعية العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من حين إلى آخر نحو مواقع في أربيل عن جهود إيران لخلخلة التواجد العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.

وبحسب خبراء الشؤون الأمنية، فإنّ البيشمركة الكردية رغم ما تشكوه من اختلالات تظل تمثّل قوة توازن ولو نسبي مع الميليشيات التابعة لإيران والتي أظهرت خلال السنوات الأخيرة رغبة في التمدّد إلى مناطق شمال وغرب العراق على غرار سنجار وتلعفر وكركوك.

 

اقرأ أيضا:

         • تخوف كردي من عملية عسكرية تركية وشيكة شمال سوريا

3