طلب حكم مشدد على مؤرخ جزائري يحيي النقاش حول الهوية الأمازيغية

الجزائر - طلبت النيابة العامة في محكمة بالجزائر العاصمة الخميس، حكما بالسجن سبع سنوات على المؤرخ المثير للجدل محمد أمين بلغيث بتهمة "الاعتداء على رموز الأمة" و"ثوابتها"، بعدما صرح في مقابلة تلفزيونية بأن الهوية الأمازيغية في الجزائر "مشروع صهيوني فرنسي".
وهذه القضية ليست مجرد حادثة فردية، بل تعكس تصاعدا حادا في النقاش والتوتر حول مسألة الهوية الأمازيغية في الجزائر. ولطالما كانت الهوية الأمازيغية نقطة حساسة في الخطاب الوطني الجزائري وشهدت الفترات الأخيرة مطالبات متزايدة بالاعتراف الكامل بها وبحقوق الأمازيغ الثقافية واللغوية. وطلب السجن الشديد يعكس مدى حساسية هذه القضية بالنسبة للسلطات.
وبغض النظر عن محتوى تصريحات المؤرخ، فإن طلب عقوبة السجن لمدة 7 سنوات يُعد إشارة واضحة إلى تضييق الخناق على حرية التعبير في الجزائر. وتعتبر هذه العقوبة مبالغا فيها بشكل كبير في سياق الجرائم اللفظية، حتى لو كانت مسيئة أو محرضة على الكراهية. وهذا يبعث برسالة قوية إلى الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين بأن هناك خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها، وأن تجاوزها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
ويمكن أن يُفسر هذا الإجراء كرسالة موجهة للجماعات والنشطاء الأمازيغيين، ففي الوقت الذي تعترف فيه الدولة بالهوية الأمازيغية دستوريا، فإنها قد تسعى في إلى كبح جماح أي خطاب يعتبر متطرفا أو مهددا للوحدة الوطنية، سواء جاء من الأمازيغ أنفسهم أو من معارضيهم.
وقضية من هذا النوع، خاصة مع طلب عقوبة سجن كبيرة لمؤرخ، يمكن أن تؤثر سلبا على صورة الجزائر في المحافل الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحرية التعبير. وغالبا ما ينتقد المدافعون عن حقوق الإنسان والمنظمات الدولية مثل هذه الأحكام الصارمة على خلفية التعبير عن الرأي.
كما تبرز القضية المخاوف من انقسام اجتماعي محتمل على أسس عرقية أو هوياتية إذا لم تتم معالجة هذه القضايا بحكمة وشفافية. وطلب السجن الشديد لمؤرخ بسبب تصريحاته حول الهوية الأمازيغية قد يزيد من الاستقطاب داخل المجتمع الجزائري بدلا من رأب الصدع في ظل توترات عميقة حول قضايا الهوية وحرية التعبير والوحدة الوطنية في الجزائر.
وقد يُنظر إلى هذا الإجراء على أنه محاولة من السلطات لضبط الخطاب العام والتحكم فيه، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحساسة التي تمس الوحدة الوطنية. وفي ظل التحديات التي تواجهها الجزائر، تسعى الدولة إلى منع أي تصريحات قد تعتبر مثيرة للفتنة أو مقوضة للتماسك الاجتماعي، حتى لو كانت هذه التصريحات تأتي من شخصية أكاديمية أو فكرية.
وقال توفيق هيشور أحد محامي محمد أمين بلغيث على فيسبوك، إن محكمة الدار البيضاء قرب الجزائر العاصمة التي مثل أمامها موكله، ستصدر حكمها في 3 يوليو القادم.
وطلب النائب العام أيضا فرض غرامة على بلغيث قدرها 700 ألف دينار جزائري (حوالى 4600 يورو)، بحسب وسائل إعلام محلية.
وأودع محمد أمين بلغيث الحبس الاحتياطي في 3 مايو الماضي إثر فتح تحقيق بحقه "بجناية القيام بفعل يستهدف الوحدة الوطنية بواسطة عمل غرضه الاعتداء على رموز الأمة والجمهورية، جنحة المساس بسلامة وحدة الوطن وجنحة نشر خطاب الكراهية والتمييز"، وفق ما أعلنت نيابة الجمهورية لدى محكمة الدار البيضاء.
وبلغيث أستاذ جامعي يقدم نفسه كمتخصص في شؤون المغرب العربي، ويثير الجدل بانتظام بتصريحاته المناوئة للثقافة الأمازيغية ومواقفه الجدلية بشأن الهوية الجزائرية.
وأودع بلغيث السجن بعد التداول "على نطاق واسع" عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخميس بمقاطع من مقابلة أجرتها معه قناة "سكاي نيوز عربية" التي تتخذ مقرا في العاصمة الإماراتية أبوظبي، ذكر فيها أن "الأمازيغية هي مشروع صهيوني فرنسي"، بحسب الادعاء.
وجرى الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في الجزائر في عام 2016، وفي عام 2017 تمت إضافة "يناير"، رأس السنة الأمازيغية، إلى قائمة الأعياد الوطنية، لكن بلغيث اعتبر أنه "لا يوجد شيء اسمه ثقافة أمازيغية".
وأثارت تصريحاته موجة سخط في الجزائر. وفي تعليق تلي في نشرة أخبار الساعة الثامنة يوم الثاني من مايو، حمل التلفزيون الجزائري العام بشدة على دولة الإمارات العربية المتحدة، متهما إياها بأنها "تتحول إلى مصانع للفتنة وبث السموم الإيديولوجية"، في تهجم مجاني ضمن حملة تشويه لم تهدأ بحق الدولة الخليجية.
وبحسب القناة الجزائرية، فإن ما وصفته بـ"تصعيد إعلامي خطير" من دولة الإمارات حيث مقر "سكاي نيوز عربية"، "يتجاوز كل الخطوط الحمراء".
واعتبر بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر أن تصريحات بلغيث تندرج في السياق نفسه لمواقف أدلى بها الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في إحدى وسائل الإعلام الفرنسية اليمينية المتطرفة، قائلا إن الجزائر ورثت أراضي في ظل الاستعمار الفرنسي كانت تابعة للمغرب.
وبوعلام صنصال مسجون في الجزائر منذ نوفمبر وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات في نهاية مارس.