طلب الجزائر تأجيل زيارة المقرر الأممي يضاعف القلق بشأن الوضع الحقوقي

تأجيل ثامن من نوعه يكرس تكتم السلطة على ممارسات القمع والتضييق.
الأحد 2022/09/11
نحو 300 معتقل رأي يتواجدون في السجن من بينهم رشيد نكاز

الجزائر – طلبت السلطات الجزائرية تأجيل زيارة وفد اللجنة الأممية لحقوق الإنسان، ليكون ذلك التأجيل الثامن من نوعه، وهو ما يعتبر رفضا مبطنا يزيد من الشكوك التي تحوم حول وضعية حقوق الإنسان في البلاد، لاسيما في ظل الحديث عن تزايد ممارسات القمع والتضييق على الحريات.

وطلبت الحكومة الجزائرية من الأمم المتحدة تأجيل زيارة المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان التي كانت مرتقبة في الثاني عشر من شهر سبتمبر الجاري، ليكون بذلك ثامن تأجيل بحسب دوائر حقوقية في الجزائر، مما يزيد من حدة الشكوك المثارة حول وضعية حقوق الإنسان في البلاد.

وحسب نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سعيد صالحي، فإن الحكومة الجزائرية طلبت خلال الأسبوع الجاري تأجيل الزيارة التي كان يراهن عليها ناشطون ومهتمون بحقوق الإنسان في الجزائر من أجل الضغط على السلطات للتخفيف من حالة الاحتقان والضغط التي يعيشها المعارضون للسلطة.

واتهم المحامي سعيد صالحي حكومة بلاده بالافتقاد إلى روح تحمل المسؤولية وعدم الالتزام بالتعهدات والاتفاقيات الحقوقية التي وقعت عليها، وافتقادها إلى نية حماية الحقوق السياسية والإعلامية والتظاهر والنشاط الحزبي والجمعوي.

الجزائر عرفت تراجعا لافتا في المجال الحقوقي حيث شددت من قبضتها على المعارضين وسط انتقادات حقوقية

وذكر في منشور له على صفحته الرسمية في فيسبوك أن “طلب التأجيل الذي يعد الثامن من نوعه، ينم عن الخوف من كشف حقائق ممارسات القمع والتضييق الممارسة من طرف السلطة ضد المعارضين لها، وهو هروب نحو الأمام بدل مواجهة الوضعية المتدهورة للحقوق والحريات في البلاد”.

وتعرف الجزائر تراجعا لافتا خلال السنوات الأخيرة في المجال الحقوقي، فبعد تحييد الشارع وإسكات احتجاجات الحراك الشعبي تحت ذريعة اليقظة الصحية التي خلفتها جائحة كورونا، شددت السلطات من قبضتها على نشاط المعارضين السياسيين والإعلاميين والمدونين.

ويتواجد في السجن نحو 300 معتقل رأي، بحسب التنسيقية الوطنية للدفاع عن معتقلي الرأي، من بينهم خمس نساء، والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية رشيد نكاز، كما تمت إحالة صحافي إلى السجن المؤقت على خلفية مقال في غضون هذا الأسبوع.

لكن السلطة تنفي وجود سجناء رأي في البلاد، وتعتبر هؤلاء سجناء حق عام، لأنهم ارتكبوا جرائم تتصل بالاستقرار والأمن في البلاد، ومارسوا السب والمساس بخصوصيات الأفراد والمؤسسات، وهو ما أكده الرئيس عبدالمجيد تبون في أكثر من تصريح لإعلام بلاده.

غير أن مهتمين بالشأن الحقوقي يرون أن التبريرات المقدمة من طرف السلطة غير واقعية وتفتقد إلى المنطق، وإلا لما تم تعديل قانون العقوبات ومكافحة الإرهاب باستحداث بند جديد (87 مكرر) في المنظومة التشريعية لمعالجة قضايا السبب والمساس بحقوق وخصوصيات الأفراد والمؤسسات، لو لم يكن في نية السلطة ممارسة المزيد من القمع والتضييق.

ويرى الحقوقي سعيد صالحي أن الوضعية الحقوقية في الجزائر معقدة ومركبة، حيث يتراكم فيها منع المسيرات والمظاهرات والتجمع السلمي المحظورة منذ العام الماضي، وأن جمعيات ومكاتب ناشطة في المجال الحقوقي والسياسي تم حلها وغلق مقارها، فضلا عن حل حزب العمال الاشتراكي، وتزايد وتيرة الاعتداءات الأمنية والمتابعات القضائية، حيث قضى رئيس الحركة الديمقراطية الاجتماعية فتحي غراس مدة في السجن، وكل ذلك بسبب مواقفه المعارضة للسلطة.

الرئيس الجزائري وصف قضية معتقلي الرأي بـ"كذبة القرن"، لكن دوائر سياسية وحقوقية في البلاد تصف الوضع بـ"المقلق"

واعتبر نائب رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان في منشوره أن طلب التأجيل “رفض مبطن لزيارة مقرر اللجنة الأممية لحقوق الإنسان من أجل عدم الاطلاع على حالات العنف والقمع داخل السجون، وقمع الحريات والحقوق في البلاد، وهو ما يزيد من مخاطر الأوضاع التي يعيشها الناشطون”.

وسبق لهؤلاء أن شنوا إضرابات عن الطعام في السجون، بسبب ما وصفه المحامون المرافعون عنهم بـ”العنف والقمع” الممارس عليهم داخل السجون، وتعمد إطالة فترات الحبس المؤقت.

وكان الرئيس تبون قد أصدر في عدد من المناسبات قرارات عفو شملت بعضا من هؤلاء، وتم أيضا إرغام آخرين على التوقيع على تعهدات بعدم العودة إلى النشاط السياسي المعارض، في حين يجري التحضير لما يعرف بمشروع “لمّ الشمل” الذي لا يزال غامضا، حيث علق عليه البعض آمالا ليكون بادرة لتقليص الفجوة بين السلطة والمعارضين بإقرار إجراءات تهدئة.

وكانت أجندة المقرر الأممي تتضمن لقاءات مع جمعيات مستقلة وناشطين سياسيين وقادة أحزاب للحديث عن الأوضاع السياسية والحقوقية في البلاد، لكن على ما يبدو أن ذلك كان سيزعج السلطة، ويزيح الستار عن الممارسات التي زجت بالبلاد في أتون الدولة الشمولية.

ووصف الرئيس الجزائري قضية معتقلي الرأي، لما طرحت عليه في أحد اللقاءات الصحافية، بـ”كذبة القرن”، لكن دوائر سياسية وحقوقية في البلاد تصف الوضع بـ”المقلق” و”غير المسبوق”، ولم يحدث حتى خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي أطاحت به احتجاجات الحراك الشعبي العام 2019.

2