طلاب العراق في الصفوف الأمامية ضد السلطة الحاكمة

البرلمان العراقي يصوت على تعديل الدستور وإلغاء جميع امتيازات الرئاسات الثلاث.
الاثنين 2019/10/28
إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة

بغداد - شارك الآلاف من الطلبة والتلاميذ في موجة التظاهرات المتواصلة بالعراق ضد النظام السياسي الحاكم منذ 16 عاما. وخرج الطلاب من جامعات عراقية ومدارس مختلفة في أكثر من منطقة.

في بغداد، انتشرت قوات مكافحة الشغب في محيط الجامعات، غداة إعلان القوات المسلحة اتخاذ "إجراءات عقابية شديدة" إذا تم رصد "أي حالة تعطيل متعمد" في المدارس والجامعات ومؤسسات الدولة.

ودعا وزير التعليم العالي قصي السهيل إلى "إبعاد الجامعات" عن الاحتجاجات. وقال طالب الاثنين خلال مشاركته في تظاهرة بساحة التحرير وسط بغداد "ماكو (لا يوجد) وطن، ماكو دوام".

على مقربة منه، قالت فتاة ذات شعر مجعد والابتسامة تعلو وجهها "قلت لأمي أنني ذاهبة إلى المدرسة، ولكنني في الحقيقة جئت هنا".

حتى يسقط النظام

في الديوانية الواقعة على بعد مئتي كيلومتر إلى جنوب بغداد، قرّر الأساتذة والطلاب في كل الجامعات الحكومية والخاصة "اعتصاماً لمدة عشرة أيام حتى سقوط النظام"، وفقا لمراسل فرانس برس.

والتحقت نقابات مهن مختلفة بينها نقابة المحامين ونقابة المهندسين بالاحتجاجات، رغم الإجراءات الأمنية التي تعرقل الوصول الى أماكن الاعتصامات والتظاهرات.

ومن الهتافات التي أطلقت أيضا اليوم في بغداد "إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة".

وخلال الاحتجاجات التي ارتدى بعضها طابعا عنيفا، تمّ تمزيق صور لقادة إيرانيين، وهوجمت مقار أحزاب ومجموعات مؤيدة للجمهورية الإسلامية، وأطلقت هتافات مناهضة لإيران. ومن الواضح أن هناك انقساما في الشارع وفي الوسط السياسي بين مؤيدين لإيران ومؤيدين للتقارب مع الولايات المتحدة. وتعتبر طهران وواشنطن المتعاديتان من أبرز حلفاء العراق.

في مدينة الناصرية (350 كلم جنوب بغداد)، خرج الآلاف من الطلاب من مختلف المراحل الدراسية في احتجاجات مماثلة.

وكذلك في مدينة الكوت (150 كلم جنوب بغداد)، حيث شاركت الغالبية العظمى من الموظفين الحكوميين وطلبة الجامعات في الاعتصام الذي أقيم في وسط المدينة، وفقا لمراسل فرانس برس.

وخرج آلاف الطلبة إلى الشارع في البصرة التي شهدت احتجاجات دامية مماثلة في صيف العام 2018، للمطالبة بتحسين أوضاع المحافظة التي تحمل الاسم نفسه.

وللمرة الأولى منذ انطلاق الحراك المطلبي مطلع أكتوبر الحالي، انضم الاثنين طلاب من مدينة بعقوبة، كبرى مدن محافظة ديالى شمال شرق بغداد والمتاخمة لإيران، إلى الاحتجاجات التي تجمهرت عند مبنى مجلس المحافظة الذي استقال اثنان من أعضائه تضامناً مع المحتجين.

وتعتبر هذه الاحتجاجات غير مسبوقة في التاريخ العراقي الحديث. بدأت عفوية بسبب الاستياء من الطبقة السياسية برمتها، وصولاً حتى إلى رجال الدين.

وشهدت التظاهرات المطلبية أيضاَ سابقة في العنف بالتعاطي معها، إذ سقط 157 قتيلاً في الموجة الأولى منها بين الأول والسادس من تشرين الأول/أكتوبر، و74 قتيلاً حتى الآن في الجولة الثانية التي بدأت مساء الخميس.

إلغاء الامتيازات وتعديل الدستور

تتواصل الاحتجاجات لليوم الرابع على التوالي في العراق فيما صوت البرلمان العراقي الاثنين على تعديل الدستور العراقي في فترة أقصاها أربعة أشهر، وإلغاء جميع امتيازات مخصصات الرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب وكبار المسؤولين والمستشارين والوكلاء والمدراء العامين وإلغاء امتيازات رؤساء الهيئات المستقلة والسلطة القضائية وهيئة النزاهة والمحكمة الاتحادية ومجلس القضاء، والمحافظين ومن هم بدرجتهم ابتداء من تاريخ الاثنين.

كما صوت البرلمان على إلغاء مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم وإلغاء مجالس الأقضية والنواحي وتولي البرلمان العراقي الإشراف والمراقبة على المحافظين لحين إجراء الانتخابات المحلية وتقديم المحافظين موازناتهم المالية للجنة المالية البرلمانية.

وكان البرلمان عقد جلسة خاصة لمناقشة مطالب المتظاهرين والإصلاحات الحكومية. وقالت مصادر في الدائرة الإعلامية في البرلمان إن "جلسة البرلمان عقدت برئاسة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وبحضور 200 نائبا".

وأعلن أربعة نواب عراقيين استقالتهم من البرلمان العراقي بينهم السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي على خلفية اتساع رقعة المظاهرات الاحتجاجية.

وقالت مصادر مواكبة إن الاضطراب الهائل في المجال التعليمي داخل العاصمة العراقية، قوبل بقلق بالغ من قبل السلطة، إذ أن نظرية المؤامرة لم تعد قابلة للصمود.

الاحتجاج يتسع
الاحتجاج يتسع

وقال الباحث العراقي حارث حسن، إن “مشاهد مشاركة الطلبة اليوم في الحركة الاحتجاجية، سواء بوقفاتهم الاحتجاجية في الجامعات او المدارس، او بذهابهم الى الساحات، اعطتني أملاً كبيراً”، مشيرا إلى أن حركة الاحتجاج الحالية تمثل “ولادة لمجتمع مدني جديد، متحرر من سطوة الجيل القديم، غير مسكون بمخاوف وعقد الماضي، ويريد أن يصنع قدره بنفسه”.

وتابع حسن أن “هؤلاء الشباب بتلقائيتهم يهزمون سردية المؤامرة، ويضعون الطبقة الكهلة – فكراً وعمراً – أمام أكبر تحدٍ لها”. وزاد، “لقد خسرت الشيعية السياسية هيمنتها الثقافية (في العراق)، ولم يعد أمامها سوى الإيغال في استخدام أدوات العنف والتخوين”.

وأضاف أنه “شيء جديد يولد، ولن يتمكنوا من تحديه بأدواتهم ولغتهم العتيقة.. كأنها مواجهة تزداد وضوحاً بين الماضي والمستقبل”. وتضاربت تقديرات المراقبين بشأن الخطوة التالية التي يمكن أن تتخذها الحكومة بين تقديم استقالتها أو التورط في المزيد من القمع.

وقتل 74 عراقيا على الأقل وأصيب المئات يومي الجمعة والسبت عندما اشتبك متظاهرون مع قوات الأمن وفصائل مسلحة في موجة ثانية من الاحتجاجات المناهضة لحكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي هذا الشهر ليرتفع بذلك العدد الإجمالي لقتلى الاحتجاجات في أكتوبر إلى 231.

ودعت وزارة الخارجية الأميركية جميع الأطراف في العراق إلى نبذ العنف، معربة عن تعازيها لأسر قتلى المظاهرات التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة.

وجاء في بيان للخارجية الأميركية "إن الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء الإغلاق الإجباري لوسائل الإعلام والضغط لفرض رقابة على الإبلاغ بشأن الاحتجاجات".

ومن جهتها انتقدت مفوضية حقوق الإنسان في العراق استخدام القوات الأمنية الغازات المسيلة للدموع والمياه الساخنة والقنابل الصوتية والهراوات لتفريق المتظاهرين أثناء المصادمات التي حصلت بين القوات الأمنية في بغداد وعدد من المحافظات.

كما انتقدت المفوضية تقييد حرية القنوات الإعلامية والصحفيين.

القمع يفاقم المشكلات
القمع يفاقم المشكلات

ولا تزال القوات العراقية تغلق جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء فيما انتشرت خيم الاعتصام في محيط ساحة التحرير وساحات ومناطق الاعتصام في عدد من المحافظات.

ويقول شهود عيان إن "وتيرة المظاهرات تخف خلال الساعات الأولى من النهار، لكنها تشتد عصرا لتسجل حضورا كثيفا خلال الليل فيما لايزال مئات المتظاهرين داخل مخيمات الاعتصام.

وعززت القوات العراقية من انتشارها ودفعت بقوات إضافية من قوات مكافحة الإرهاب على خلفية الهجمات المتكررة على المقار الحكومية والحزبية.

وشهد الأحد احتشاد الآلاف من المتظاهرين في مدن بغداد والناصرية والحلة وكربلاء. وأشعل المحتجون النار في مدخل مبنى مجلس محافظة كربلاء في حين أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريقهم في كربلاء والحلة. وكانت الاحتجاجات في الناصرية يوم الأحد سلمية.

وقال جهاز مكافحة الإرهاب العراقي إنه نشر قوات في شوارع بغداد لحماية المنشآت السيادية من "عناصر غير منضبطة".

وأضاف الجهاز في بيان "بتوجيه من القائد العام للقوات المسلحة وبأمر رئيس جهاز مكافحة الإرهاب قوات من جهاز مكافحة الإرهاب تنتشر في بعض مناطق بغداد لحماية المنشآت السيادية والحيوية من أن تعبث بها عناصر غير منضبطة مستغلة انشغال القوات الأمنية في حماية التظاهرات والمتظاهرين".

وكان مصدران أمنيان أبلغا وكالة رويترز يوم السبت بأن قوات الجهاز في بغداد تلقت أمرا باستخدام كل الوسائل الضرورية لإنهاء الاحتجاجات ضد حكومة عبدالمهدي. وضربت قوات مكافحة الإرهاب واعتقلت عشرات المحتجين في مدينة الناصرية بجنوب البلاد.

وتشكل التطورات أكبر تحد لعبدالمهدي منذ توليه السلطة قبل عام. ورغم تعهد رئيس الوزراء بإصلاحات وقراره إجراء تغيير وزاري موسع، فإنه يواجه صعوبات حتى الآن في تهدئة سخط المحتجين.

وبدأت التصدعات تظهر في التحالفات السياسية الداعمة للحكومة الائتلافية الهشة مما يجعل زعامة عبدالمهدي غير مستقرة على نحو متزايد.