طقوس وادي السيليكون ذكورية بامتياز

واشنطن - طردت شركة غوغل في الأيام القليلة الماضية موظفا كبيرا لديها يدعى جيمس دامور كان قد كتب مذكرة داخلية أثارت جدلا واسعا حول سياسة الشركة فيما يتعلق بمعالجة مشكلة التنوع بين الجنسين عند التوظيف بالشركة.
وحملت المذكرة الداخلية عنوان “غرفة صدى غوغل الأيديولوجية” انتقادات لسياسة الشركة في تعيين موظفيها، وذكر أن الفجوة بين الجنسين في أعداد موظفي غوغل ليست بسبب التفرقة بل بسبب الفروقات الفطرية في اهتمامات الرجال والنساء.
وتسرّبت المذكرة الداخلية المكونة من 10 صفحات السبت 5 أغسطس 2017، بعدما أثارت زوبعة في فنجان داخل الشركة، فالمذكرة التي بعنوان “Google’s Ideological Echo Chamber”، “غرفة صدى غوغل الأيديولوجية” تنتقد مبادرات غوغل الرامية إلى “التنوع والاحتواء” مثل برامجها التدريبية المتحيّزة ضمنيا، والتي تهدف إلى تعزيز المرأة والأقليات التي تعاني من قلة تمثيلها ووجودها في شتى الميادين.
ونبّه الكاتب إلى وجود مزاعم مريبة حول الفروقات الفطرية بين الرجال والنساء، تفسيرا منه للهوة السحيقة بين الجنسين وسط أعداد موظفي غوغل.
وانتقدت دانييل براون، نائبة رئيس غوغل المعينة حديثا لشؤون التنوع والنزاهة، المذكرة لأنها تعزز افتراضات غير صحيحة حول النوع.
وفي رسالة إلكترونية وصف سوندار بيتشاي، المدير التنفيذي للشركة، تعليقات المهندس دامور بأنها “مسيئة وليست صحيحة”، لكنه ذكر أيضا أن الكثير مما ورد في تلك المذكرة من أمور قابل للنقاش حقا.
وأشعلت تلك المذكرة الداخلية جدلا في أوساط الشركة وفي عموم أوساط صناعة التكنولوجيا.
على شركات التكنولوجيا العملاقة أن تبدأ بتوفير الموهوبين من جميع الخلفيات الثقافية والشرائح المجتمعية المختلفة
وأكد بيتشاي مجددا التزامه بالتنوع بين الرجال والنساء داخل عالم التكنولوجيا، وذلك خلال كلمته بمؤتمر خاص ببرمجة الفتيات الأسبوع الماضي. وقال “أنا أعرف أن الرحلة لن تكون سهلة دائما، ولكن للفتيات اللائي يحلمن بأن يكن مهندسات أو صاحبات أعمال، واللائي يحلمن بابتكار أشياء مذهلة، يجب أن يدركن أن هناك مكانا لهن في هذه الصناعة”.
وفي أعقاب الضجة التي تلت قرار شركة غوغل مؤخرا بطرد موظفها، ظهرت أسئلة كثيرة عما إذا كانت الشركة، التي توصف بعملاق التكنولوجيا في وادي السيليكون، محقة في هذا القرار.
وتابع موقع “بريتبارت” الإخباري اليميني القضية الشائكة بتغطية مفصّلة ركز فيها على الثقافة المدركة والمسمّاة “الكياسة السياسية” في عالم صناعة التقنية، كما قدم الموقعُ كاتب المذكرة في شكل ضحية والذي وقع فريسة لعملية “تصيّد الساحرات” كناية عن التظلم والتجني في كيل التهم الجزافية.
وطلبت “بي بي سي كابيتال” من بعض الخبراء أن يقيّموا أفضل الحلول المقترحة لتحسين التنوع بين الجنسين داخل شركات التكنولوجيا الكبرى.
ويقول حاصل على رتبة “ضابط أكثر تميّزا في نظام الإمبراطورية البريطانية”، ومؤلف كتاب “القيادة الاحتوائية والتنوع”، “لقد تحركت شركة غوغل بصورة سريعة ولا أعتقد أنني كنت سأطرد هذا المهندس. أنت بذلك تخلق عقلية محاصرة وعلى المدى الطويل أعتقد أن ما سيحدث هو أن الناس ستخفي آراءها. وإذا كانت لديك مثل هذه الآراء فستجد أناسا لديهم عقول متشابهة وسوف يتناقشون فيها بشكل سري”.
وأضاف “كان ينبغي أن تسير الأمور في مجراها الطبيعي، وكان ينبغي أن يتحدث أحد معه ليجد السبب وراء طرحه لهذه الأفكار. لكن ذلك الموقف ليس في مصلحة النقاش والحوار”. وأكد أن شركة غوغل تعد لاعبا كبيرا لديه القدرة على شراء أي شيء، لكن أحد الأشياء التي لا يمكن للشركة أن تضمّنها هو مسألة التنوع التي يجب أن تحل خلال فترة زمنية طويلة.
وتقول آن-ماري إمافيدون، مؤسسة شركة “ستيميتس” المعنية بالتعليم والشؤون الاجتماعية، إن “على شركة غوغل أن تبدأ بتوفير الموهوبين من الناس من جميع الخلفيات الثقافية والشرائح المجتمعية المختلفة. ومن المعلوم أن العمل في مجال التكنولوجيا يوظف أشخاصا من داخل من يعملون في نفس المجال، وبالتالي يكون الحل السريع لهذه المشكلة بالبحث عن المواهب في مختلف قطاعات وشرائح المجتمع، حيث تتوفر العديد من الثقافات”.
النساء لا يشكلن سوى 20 بالمئة من الموظفين التقنيين، حسب آخر تقرير للتنوع العرقي والجنسي صادر عن غوغل
وتضيف “ينبغي أن يشعر الناس بأنهم مرغوبون في عملهم، وحتى إذا كنت من أقلية معينة فينبغي أن تحصل على تأكيدات أكثر بأنك مرغوب في أماكن العمل المختلفة. نحن نريد من الناس أن تقول: نحن نريدك حقا، ونحتاج إليك”.
وتشير “لو كنت في شركة غوغل ما كنت لأنهي هذا الصخب، لأنني أعتقد أنه يمثل حوارا مهمّا. فالحقيقة هي أنه من المرجح أن يتحدث ذلك المهندس مع الكثير من الناس، ومن الأفضل أن تبقي مثل هذا الحوار على الطاولة”.
يذكر أن غوغل تخوض معركة قضائية مع وزارة العمل الأميركية التي تحقق مع الشركة في تمييزها في الأجور. وكان محام بوزارة العمل تحدث في شهر أبريل الماضي إلى صحيفة الغارديان البريطانية قائلا، إن نظرة فاحصة على بيانات الأجور كشفت “أن التمييز ضد المرأة في الأجور بشركة غوغل أمر موغل جدا حتى في هذه الصناعة”. أما شركة غوغل فتنفي هذه التهم عنها.
وتعلن غوغل أن السيدات يمثلن نسبة 31 بالمئة من إجمالي العاملين لديها، بينما يمثل الرجال 69 بالمئة.
وفي معظم شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون بكاليفورنيا يهيمن الرجال البيض على أعداد الموظفين، أما النساء فلا يشكلن سوى 20 بالمئة من الموظفين التقنيين، حسب آخر تقرير للتنوع العرقي والجنسي صادر عن غوغل.
مؤشر آخر على قلة عدد النساء في مجال التكنولوجيا جاء في مقال نشره موقع “يو إس إيه توداي” يقول فيه إن 7 من كل 10 موظفين بشركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وفيسبوك من الرجال، كما أن وجود المرأة في المراكز المهنية الإدارية أو التنفيذية قليل جدا، إضافة إلى قلة التمويل التي تمنح للنساء الاستثمار في مجال التكنولوجيا.
ويعلق النقاد على هذا الشأن بالقول إن شركات التكنولوجيا العملاقة لم تبن قوة عاملة على أساس المواهب الموجودة وأنها تحتفظ بالمناصب الإدارية والقيادية للرجال.
وكانت شيريل ساندبيرغ، كبيرة الإداريين التشغيليين في فيسبوك، تحدثت عن حاجة الشركات إلى أن تصبح أكثر تنوعا.
ويقول فيفيك وادوا، المحاضر بجامعة ستانفورد إن “كل الفوائد موجّهة للرجال. غرف الألعاب وجميع المواد الغذائية التي يمكنك تناولها.. كل ذلك يعتبر طقوسا مرتبطة بالذكورية. والافتراض هو أنك صغير في السن وذكر، وأنهم سوف يفعلون كل ما يمكنهم القيام به للحفاظ على سعادتك هناك”.