"طفلات سيفورا" خبيرات مكياج بدعم عائلاتهن

فتيات لم يبلغن سن المراهقة ينفقن مبالغ مهمة على مستحضرات التجميل.
الخميس 2024/02/29
خبرة مبكرة

يحذر أطباء الجلد من خطورة استخدام عدد متزايد من الصغيرات لمستحضرات التجميل الخاصة بالبالغات، مشيرين إلى أن الكثير من أهاليهن ليس لديهم أي فكرة عن مخاطر هذه المواد ويثقون ثقة كبيرة بالمؤثرين المتخصصين في التجميل. وتسجل منصة تيك توك فيديوهات لفتيات في سن ما قبل المراهقة مهووسات بمواد التجميل، وطرق استخدامها، ما يثير القلق على صحتهن النفسية والجسدية.

باريس - تستقطب فتيات أميركيات في سن ما قبل المراهقة، بتشجيع من ذويهنّ، عدداً كبيراً من المشتركين في حساباتهنّ على تيك توك، من خلال تصوير مشترياتهن من مستحضرات المكياج وطريقة شرحهنّ التي يعتمدنها في مجال العناية بالبشرة، ويُطلق عليهنّ لقب “طفلات سيفورا”، ويثير هوسهنّ في هذا المجال القلق على صحتهن النفسية والجسدية، وفقاً للمتخصصين.

وتحظى مقاطع الفيديو التي تنشرها هؤلاء الصغيرات بآلاف المشاركات. وتُظهر فتيات صغيرات، تتراوح أعمارهن بين 8 و12 عاماً، في حالة تحمس مفرط أمام عبوة من كريم ترطيب يعمل كمكافح للشيخوخة، أو يتوسّلن أمهاتهنّ أن يعطيهنّ مستحضر تجميل يخفي الهالات السوداء، وتقول إحداهنّ “هذا المستحضر الذي رأيته في الفيديو، أريده، أريده!".

ثم تظهر طفلة في مقطع فيديو وهي تقف أمام مرآة وتضع عصابة رأس إسفنجية لرفع شعرها عن وجهها على غرار ما يُعتمَد في مقاطع الفيديو التي تُعلّم طرق وضع المكياج. وتقلّد “طفلات سيفورا” تعابير وجه المؤثرات الشهيرات في مجال التجميل، من خلال حركات شفاههنّ أو وضع وجوههنّ بتروٍّ بين أكف أياديهن المفتوحة. وتقول إحداهنّ في مقطع فيديو إنّ “أحمر الشفاه اللامع هذا مميّز جداً، أعجبتني النتيجة”.

ويتعلّق الجدل المُثار في تيك توك بالمبالغ التي يتم إنفاقها، إذ أن الماركات التي تستخدمها هؤلاء الـ”تيكتوكرز” الصغيرات غالية الثمن، ويصل سعر أحد أشهر منتجات العناية بالبشرة الذي يستخدمنه إلى نحو 75 دولاراً. وتتساءل بائعة لدى “سيفورا” في منشور عبر تيك توك “كيف تنفق هؤلاء الفتيات الصغيرات ما يعادل راتبي على منتجات التجميل؟”. ويبدي موظفون من الماركة المملوكة لشركة “أل في أم اتش” أسفاً لسلوك مجموعة من الزبونات الصغيرات، بعد انتشار مقاطع فيديو تظهر رفوفاً تعرّضت للتخريب عقب زيارة صغيرات لمتاجر في الولايات المتحدة.

◙ هوس بمواد التجميل وطرق استخدامها
◙ هوس بمواد التجميل وطرق استخدامها 

وتؤكد بائعة تعمل لدى “سيفورا” في باريس عدم تسجيل أي حادث مماثل في فرنسا، وتقول “نرى أعداداً متزايدة من الفتيات الصغيرات في المتجر، لكن بصحبة ذويهنّ، ويتصرّفن بشكل جيّد". ولم ترد "سيفورا" عندما حاولت وكالة فرانس برس التواصل معها. ومع أنّ المنتجات التي يُرَوَّج لها في مقاطع الفيديو موضوعة في عبوات جميلة وجذابة، لكنّها تحتوي على مكوّنات نشطة قوية كالريتينول المخصص للبشرة الناضجة، بحسب خبراء.

وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، يقول طبيب الأمراض الجلدية الأميركي دانيلو ديل كامبو “يستخدم عدد متزايد من الصغيرات مستحضرات التجميل الخاصة بالبالغات”، مضيفاً “أن الكثير من الأهالي الذين أستقبلهم ليس لديهم أي فكرة عن مخاطر هذه المواد ويثقون بالمؤثرين المتخصصين في التجميل أكثر من ثقتهم بطبيبهم".

وأشار إلى “تزايد الاستشارات المتعلقة بحدوث تفاعلات جلدية أو المرتبطة بالمخاوف الناجمة عن إساءة استخدام هذه المنتجات”. ويقول الطبيب إنّ “البشرة النضرة حساسة بشكل أكبر ومعرّضة أكثر للالتهابات”. ويؤكد أن حاجز البشرة قد يتضرر نتيجة مكونات غير مناسبة، محذراً من تعرّض الشابات باكراً للمواد الكيميائية الموجودة في مستحضرات التجميل.

ويلاحظ الطبيب خلال المعاينات "مشاكل متعلقة بالثقة بالنفس لدى صغيرات يشعرن بالحاجة إلى تصحيح أخطاء في وجوههنّ ليست موجودة أصلاً". وعبر منصة تيك توك، يؤكد عدد من الأمهات أنّ ما تقدم عليه الفتيات هو مجرد “لعبة”. لكنّ المحلل النفسي المتخصص في الممارسات الرقمية مايكل ستورا يقول إنّ “هؤلاء الفتيات الصغيرات لا يلعبن بالدمى كما هو متوقّع في سنّهن، بل هنّ الدمى".

◙ "طفلات سيفورا" يقلّدن تعابير وجه المؤثرات الشهيرات من خلال حركات شفاههنّ أو وضع وجوههنّ بتروٍّ بين أكف أياديهن المفتوحة

ويشير إلى “البُعد المتوقع” لهذه الظاهرة لدى أطفال “يتم تصويرهم ونشر صورهم” عبر الشبكات الاجتماعية منذ لحظة ولادتهم، في حين يرى الآباء في أبنائهم امتداداً لأنفسهم، على غرار النجمة العالمية كيم كارداشيان، فابنتها نورث ويست هي نجمة “سيفورا كيدز”. ويقول ستورا “أرى الكثير من الأهالي الذين يعانون من هذه الهشاشة النرجسية، إذ يحكمون على الأمور استناداً إلى ما إذا كانت جميلة أم لا”، متطرقاً إلى مسألة إضفاء الطابع الجنسي المفرط على الأطفال.

وترى الأستاذة في جامعة بيركلي والمتخصصة في التفاوتات الاجتماعية سولين ديلكور أنّ مقاطع الفيديو هذه “قد تعزز التمثيل النمطي للفتيات والنساء” اللواتي يستخدمن الإنترنت. وتقول “يتعرّضن لضغوط اجتماعية كبيرة وهنّ لا يزلن صغيرات”. وكشفت الدراسة التي أعدّتها ديلكور ونُشرت في مجلة “نيتشر” في فبراير الجاري أنّ الصور المنشورة عبر الإنترنت تعزّز التحيز الجنسي على حساب النساء، مع تأثير دائم على المستخدمات اللواتي يتأثرن به.

كما ازداد عدد البرامج التلفزيونية التي تهتم بالعناية بالمظهر، إلى جانب الدعاية الإعلامية التي تعرّف الفتيات على المزيد من مستحضرات التجميل أكثر من أي وقت مضى، حتى الصغيرات عند بلوغهن العاشرة يتابعن البرامج التي تقدم معلومات عن مستحضرات التجميل، فلا عجب أن يرغبن في تقليدها.

وتضع الفتيات مستحضرات التجميل لتعزيز ثقتهن بأنفسهن وزيادة تقديرهن لذواتهن. والمبالغة في وضع المكياج قد تكون دليلا على الإصابة باضطرابات في الشخصية، ومنها عدم الرضا عن ملامحهن، وعدم ثقتهن بأنفسهن، وبما يملكنه من قدرات، أو بسبب شعورهن بالكآبة والضيق.

وتتجلى التغيرات الجسدية والنفسية التي تمر بها الفتاة المراهقة في البحث عن الهوية، ويعدّ التقليد وإيجاد مثل أعلى من أبرز سمات مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة، وفي معظم الحالات تتعلق الفتيات المراهقات بشخصيات مشهورة ويقتدين بها، وأيضا إذا كان أهل الفتاة المراهقة من المتابعين الدائمين للمشاهير وأخبارهم ومظهرهم ونمط حياتهم، فهذا سيؤثر تأثيرا كبيرا على نظرة الفتاة للمشاهير وتأثرها بهم.

15