طفرة المشاريع تغذي ازدهار سوق السندات في السعودية

الحكومة استحوذت على 60 في المئة من المبيعات المحلية للصكوك حول العالم خلال العام الجاري.
الجمعة 2022/08/19
كيف ستوزع المبلغ الذي لديك؟

يتابع المحللون تحولا في زيادة صفقات السندات في السعودية مدفوعة بالطفرة في المشاريع الاستثمارية، بينما تنتشر غيوم التشاؤم على أسواق الديون الناشئة الأخرى في ظل تزايد القلق من حدوث ركود اقتصادي عالمي ومخاوف من بروز موجة تخلف عن السداد.

الرياض - جذب نمو سوق السندات في السعودية خلال الفترة الماضية أنظار المستثمرين بالنظر إلى فورة الأعمال التي تشهدها السوق المحلية، في الوقت الذي تشهد فيه بعض الاقتصادات تذبذبا جراء أزمات التضخم والفائدة المرتفعة.

وبحسب بيانات جمعتها وكالة بلومبرغ، فقد بلغت مبيعات السوق المحلية للسندات (الأوراق المالية المحلية) أدوات الدين المصدرة وفق الشريعة الإسلامية 14.4 مليار دولار خلال العام الحالي، بزيادة 185 في المئة على أساس سنوي.

وتشكل مبيعات السندات في أكبر اقتصادات المنطقة العربية أكثر من نصف مبيعات السندات المحلية على مستوى العالم، حيث باعت الحكومة السعودية وحدها أكثر من 60 في المئة منها.

دوغ بيتكون: الشركات تجمع السيولة من المستثمرين بهوامش جيدة

وتستفيد الرياض من اندفاع “رؤية 2030” التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في هذا التوقيت بالذات لاستكمال الكثير من المشاريع الضخمة التي تم الإعلان عنها، فضلا عن بيئة الاستثمار التي باتت أكثر استقطابا لتدفق الأموال الخارجية.

وتستغل الحكومة فرصة تحقيق إيرادات غير مسبوقة من بيع النفط جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا من أجل تعزيز مراكز تصنيفها الائتماني السيادي، وبالتالي تقديم المزيد من الإغراءات للمستثمرين.

وفي الوقت ذاته يقول محللون إن تمويل مشروع تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط يساعد على حماية سوق السندات من الانكماش عالميا، وقد شهد انخفاضا في مبيعات السندات الدولية بأكثر من النصف منذ بداية هذا العام.

وتغذي مبيعات السندات طلب المستثمرين على الأصول السعودية، خاصة بعدما تكبدت أدوات الديون العالمية خسائر، فضلا عن ضخ البنك المركزي للأموال مرارا خلال الآونة الماضية في القطاع المصرفي لتخفيف أزمة السيولة.

ونسبت وكالة بلومبرغ إلى دوغ بيتكون رئيس استراتيجيات الائتمان في بنك رسملة للاستثمار ومقره دبي قوله إن “في السعودية الكثير من المشاريع الجاري تنفيذها مدفوعة برؤية 2030 لتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، وكلها تحتاج إلى تمويل”.

وأوضح أن المستثمرين المحليين على دراية بالشركات العاملة بالبلد، وبالتالي فإنه بإمكانها في كثير من الأحيان جمع السيولة بهوامش جيدة.

وعقب ثلاث سنوات من إصدار أول سندات محلية، سمحت هيئة السوق المالية السعودية للأجانب خلال عام 2020 بالاستثمار مباشرة في أدوات الدين المدرجة وغير المدرجة بالبورصة لتنويع قاعدة المستثمرين.

لكن مع تلك الخطوة المهمة في مسار الارتقاء ببيئة الأعمال عموما، لا تزال السوق يهيمن عليها المشترون المحليون مثل الصناديق وشركات التأمين.

ومع أن المؤشرات تؤكد أن السعودية العضو البارز في أوبك تتجه لتسجيل أول فائض مالي بالموازنة العامة منذ عقد كامل مع ارتفاع العوائد الحكومية بفضل ارتفاع أسعار النفط، لكن ذلك لم يكبح الشهية إلى الاقتراض لتمويل المشاريع.

جوجيو دي فيليس: الأوراق المالية السعودية تحمل مخاطر منخفضة نسبيا

وقال مسؤولون حكوميون إن السعودية ستُقيد الإنفاق وتحافظ على السيولة بدلا من ترك أسعار النفط المرتفعة تقود الإنفاق كما فعلت في الماضي.

وكان وزير المالية محمد بن الجدعان قد قال في مايو الماضي إن الحكومة “ستحتفظ بإيرادات النفط الزائدة في حسابها الجاري حتى مطلع 2023 على الأقل”.

وأضاف “الحكومة تتطلع إلى كسر دورة الازدهار والكساد المرتبطة بالنفط التي ميزت الاقتصاد السعودي في الماضي”.

وزادت السعودية ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها في عام 2020 إلى 15 في المئة بعد أن أضرت الجائحة بإيرادات النفط، لكن مسؤولين قالوا لاحقا إن معدل الضريبة قد ينخفض.

وقال جوجيو دي فيليس كبير المستشارين في رايل إنتيسا سان باولو المتخصصة بالتمويل الإسلامي إن “المستثمر السعودي ينظر إلى السندات على أنها تحمل مخاطر منخفضة نسبيا”.

وأضاف “السعودية دولة غنية بالمال على كل المستويات. إذا كان في الداخل طلب كاف، فلماذا البيع في الأسواق الدولية، وهي عملية أكثر تعقيدا مقارنة بالبيع محليا”.

وفي ضوء نشاط سوق الدين المحلي، فإن لدى الخبراء قناعة بأن عوائد السندات منذ بداية هذا العام أكثر إذهالا من حيث القيمة النسبية.

فقد حققت مجموعة إصدارات عددها 56 سندا مقومة بالريال بقيمة إجمالية 416 مليار ريال (101.9 مليار دولار)، خسارة بواقع 0.7 في المئة هذا العام.

وبالمقارنة تبدو هذه النسبة قليلة عند النظر إلى خسائر ديون الأسواق الناشئة المقومة بالعملات المحلية، والتي بلغت في المتوسط 7.6 في المئة، وخسائر بواقع 14 في المئة لأدوات الدين المقومة بالدولار الأميركي.

واعتبارا من الأربعاء الماضي انخفض العائد على السندات السعودية التي تستحق في العام 2033 إلى 3.6 في المئة قياسا بنحو 4.4 في المئة قبل شهرين.

وثمة عامل آخر يدفع زيادة مبيعات السندات وهو من جانب المؤسسات المالية. فقد ضخ المركزي السعودي في يونيو الماضي ما قيمته نحو 13 مليار دولار في البنوك المحلية لتخفيف أزمة التمويل، ويمكن إعادة استثمار بعض تلك الأموال في سوق السندات.

سيرجي ديرجاتشيف: زيادة الإصدارات لها علاقة بالسيولة القوية لدى البنوك

وقال سيرجي ديرجاتشيف كبير مديري المحفظة ورئيس ديون الشركات في الأسواق الناشئة لدى يونيون إنفستمنت برايفتفوندز في فرانكفورت إن زيادة إصدار السندات “لها علاقة أوثق بوضع السيولة القوي لدى البنوك السعودية والحاجة إلى استثمار تلك السيولة”.

ويعكس إبقاء صندوق النقد الدولي على توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي لهذا العام دون تغيير رغم استمرار المخاوف من أن يتجه الاقتصاد العالمي نحو الركود، مدى الثقة في قدرة الحكومة على قلب المعطيات السلبية في صالحها.

وقال الأربعاء الماضي إن التوقعات لنمو اقتصاد السعودية لا تزال عند 7.6 في المئة هذا العام، وأنه من المرجح أن يكون أحد أسرع معدلات النمو في العالم، مدعوما بطلب قوي على النفط ونمو متوقع بنسبة 4.2 في المئة للقطاع غير النفطي.

وأوضح في بيان أنه تم احتواء التضخم بالبلد، والذي من المتوقع أن يبقى عند 2.8 في المئة هذه السنة، وأن تداعيات الحرب في شرق أوروبا كانت محدودة على السعودية التي تتوقع أن ينمو اقتصادها بنحو 7.4 في المئة.

وقال أمين ماطي رئيس بعثة الصندوق لرويترز إنه “يعتقد أن السعودية ستحافظ على سيطرتها على الإنفاق رغم أن هناك مجالا للمزيد من الإنفاق الاجتماعي المستهدف للمساعدة في تخفيف تأثير ارتفاع التكاليف على المواطنين ذوي الدخل المنخفض”.

11