طفرة الشاشات الكبيرة تغيّر مفهوم قيادة المركبات

يوجد اتجاه متزايد في هذه الفترة يتمثل في جعل كل التجهيزات داخل قمرة السيارة تتمتع بالذكاء الاصطناعي والغاية هي تمكين السائقين من راحة أكبر عند القيادة. ويتضح الأمر من خلال التركيز على اعتماد الشاشات الكبيرة، ليس فقط في مركبات الفئة العليا، ولكن أيضا في الفئة الأقل، ما يعني أن القطاع سيشهد طفرة ستغيّر وجهة هذه الصناعة في غضون السنوات القادمة.
برلين – يعمل كبار المصنعين في الوقت الحاضر على توجيه دفعة ابتكاراتهم إلى اتجاهات أخرى، فغزو الشاشات الكبيرة عالم السيارات يبدو أحد تلك المحددات، حيث أنها لم تعد حكرا على الموديلات الفاخرة، بل بدأت تقتحم الفئة الصغيرة أيضا مثل رينو كليو.
ويقول يان بورغارت، من شركة الاستشارات الإستراتيجية بريلس، إنه من الملاحظ أن عددا كبير من المستهلكين أصبحوا يهتمون حاليا بمقاسات الشاشة المتوافرة في السيارة بنفس أهمية عدد أسطوانات المحرك، علاوة على وجود تحول كبير في الأولويات بدءا من الهاتف الذكي.
واستجابت بيتون لهذه التحولات الكبيرة في اهتمامات المستهلكين منذ عامين، وباتت صاحبة الرقم القياسي الحالي لحجم الشاشة. ووفقا لبيانات الشركة الصينية فإن الأمر لا يقتصر على وجود شاشة بعرض السيارة بالكامل، ولكن توجد أيضا شاشة لمسية في المقود وعلى النفق الأوسط.
وترغب شركة مرسيدس حاليا في سرقة الأضواء من الشركة الصينية من خلال تجهيز سيارتها “إي.كيو.أس” الجديدة بشاشة كبيرة، حيث أعلنت الشركة الألمانية عن إطلاق سيارتها الكهربائية الجديدة، البديلة لسيارات الفئة “أس” خلال النصف الثاني من العام الجاري، وستكون مزودة بشاشة فائقة بهدف رفع مستوى نظام المعلومات والترفيه ووسائل الراحة في السيارة.
وأوضح رئيس قسم التصميم جوردين فاغنر في مرسيدس أن لوحة القيادة تأتي بسطح زجاجي بالكامل ممتد، يوجد تحته ثلاث شاشات مدمجة مع بعضها البعض. وقد استغلت الشركة أحدث ما وصل إليه الذكاء الاصطناعي لخلق تجربة قيادة رائعة من خلال الشاشة الضخمة “أم.بي.يو.إكس” هايبرسكرين، والتي تمتد عبر عرض السيارة بالكامل.
وكانت شركة “بي.أم.دبليو” قد أكدت قبل ذلك أن الجيل التالي من نظام آي درايف، سيقوم بتغيير مفهوم التشغيل الخاص خلال هذا العام بعد مرور عقدين على إطلاقه، وذلك عندما تقوم الشركة الألمانية بطرح السيارة “آي.إكس” الكهربائية والمزودة بشاشة كبيرة بدلا من الأزرار والمفاتيح، حتى أنها تمتد إلى منتصف السيارة.
ولا يتوقف الأمر على مساحة الشاشة فحسب، والتي يصل في سيارة مرسيدس إلى 2.5 متر مربع، ولكنه يرتبط بعمق العرض أيضا.
ولذلك كشفت شركات السيارات العالمية والشركات المغذية لصناعة السيارة عن طريقة العرض ثلاثي الأبعاد؛ حيث تظهر الرسومات الملاحية بشكل ثلاثي الأبعاد عن طريق تأثيرات العمق في سيارة مرسيدس من الفئة أس الجديدة دون الحاجة إلى ارتداء نظارة خاصة للمحتويات ثلاثية الأبعاد.
وأعلنت شركة كونتيننتال المغذية لصناعة السيارات عن تطوير شاشة ثلاثية الأبعاد بالتعاون مع شركة ليا الأميركية الناشئة، ومن المقرر البدء في الإنتاج القياسي لهذه الشاشة العام المقبل.
وتقوم هذه الشاشة بإظهار مشاهد المدينة بشكل مجسم في خارطة الملاحة، كما يتم تصوير الشخص المتصل كأنه رسوم متحركة يمكن مسكها، وبدلا من الإرشادات التحذيرية البسيطة تظهر علامة التوقف فجأة على الشاشة في حالة التعرض للمواقف الخطرة.
كما كشفت شركة باناسونيك اليابانية النقاب عن شاشة هيد – آب تدعم الذكاء الاصطناعي والعرض ثلاثي الأبعاد، وذلك لرفع مستوى أمان وسلامة قيادة السيارات.
وقال المصممون في الشركة إن الشاشة تعتمد على تقنية الواقع المعزز، حيث يقوم برنامج مدعوم الذكاء الاصطناعي بتحديد أي المعلومات المهمة لموقف القيادة المعني وعرضها على شاشة الزجاج الأمامي بدقة وضوح كيو 4، مما يسهم في الحد من تشتت انتباه قائد السيارة.
كما تقوم هذه الشاشة بالتعرف على مستخدمي الطريق الآخرين مثل المشاة وراكبي الدراجات ولفت انتباه قائد السيارة إليهم حسب الموقف، فضلا عن عرض إرشادات الملاحة بشكل ثلاثي الأبعاد.
وفي يوليو 2019، كشفت كونتيننتال عن الشاشة “أي.آر.أتش.يو.دي” وقالت إنها تمتاز بنظام عرض كامل الألوان، إذ إنها تعتمد على ثلاثة أنظمة لتوجيه الموجات، وذلك لتوليد نطاق ألوان الأحمر والأخضر والأزرق دون مرايا.
ويتيح نظام العرض المزود بميزة التعزيز البصري، تكبير الصور حتى مسافة انعكاس تصل إلى 10 أمتار، ما يجعلها تقدم دعما بديهيا للسائقين، حيث سيعرفون مباشرة المكان الذي يتطلّب انتباههم والسبب وراء هذا، وذلك عندما يتعلّق الأمر بالرؤية الفعلية.
وقبل ذلك، بدأت شركة واي ري الناشئة التي تستثمر فيها مجموعة علي بابا الصينية، أحد أبرز عمالقة التجارة الإلكترونية في العالم على تطوير تقنيات عرض بيانات الواقع المعزز مباشرة على الزجاج الأمامي للسيارة مما يوفر توجيهات التنقل ومعلومات عن اتجاه الطريق وتحديد حارة المرور وكشف المخاطر.
ومن مزايا الشاشات الكبيرة أنها تتيح أخيرا للراكب الأمامي الاستفادة من عالم المعلومات والترفيه، حيث كان يتم استبعاده إلى حد كبير من برنامج الترفيه المتوفر على متن السيارة، باستثناء شاشات الرؤية المزدوجة، والتي تظهر صورا مختلفة اعتمادا على زاوية الرؤية.
ولم يعد الراكب الأمامي مضطرا الآن إلى التحديق جانبا أو الاكتفاء بشاشة صغيرة على غرار موديلات فيراري، حيث تتضمن سيارة بورش تايكان شاشة بنفس القياس للراكب الأمامي، وأصبح يتوفر له نطاق خاص من الإلكترونيات في سيارة بيتون أم – بايت أو الشاشة الكبيرة بسيارة مرسيدس “إي.كيو.أس”.
ولا تقتصر مزايا الترفيه للراكب الأمامي على السيارات الكهربائية من الفئة الفاخرة، بل تشتمل سيارة ستروين C4 الجديدة على مقصورة قيادة تقليدية، ولكنها تمتاز بدرج ذكي فوق صندوق التابلوه، والذي يتيح للراكب الأمامي تثبيت كمبيوتر لوحي بشكل آمن ضد التصادم، كما أنه لا يؤدي إلى تشتيت انتباه قائد السيارة.
ورغم أن الوظائف الرقمية المتطورة توفر الكثير من الترفيه على متن السيارة كما أنها توفر بعض العناصر الجمالية العصرية، لكن هناك بعض الانتقادات لهذا الاتجاه الشائع حاليا نظرا لأن التركيز في الشاشات اللمسية يتسبب في تشتيت الانتباه، علاوة على أن التخلي عن الكثير من المفاتيح والأزرار يُصعب من عملية الاستعمال.
وأوضح الباحث جودو ماير أرينت، المتخصص في بحث الواجهة بين الإنسان والآلة في شركة كونتيننتال، أن السلامة تأتي في المقام الأول دائما، ويظل أهم هدف لعمليات التطوير هو التفاعل بدون تشتيت انتباه قائد السيارة.
وطالما أن قائد السيارة هو المسؤول عن أمان وسلامة القيادة، فيجب أن يظل انتباهه منصبا على الطريق، كما أنه طالب بضرورة أن يتم تفعيل الوظائف المرتبطة بالسلامة مثل مساحات الزجاج الأمامي ومجموعة أضواء التحذير وتجهيزات الإضاءة بواسطة عناصر تشغيل مادية وملموسة.