طفرة التنمية في دبي تفرض تكاليف إضافية على سكانها

شهدت دبي موجة من التقلبات خلال السنوات الخمس الماضية وكانت ممزوجة بطفرة تنموية في كافة المجالات، لكن بعض السكان بدأوا يشعرون بالضيق بسبب التكاليف الإضافية جراء النمو الديموغرافي، مما يستوجب ضبط إيقاع أسعار العقارات وزيادة مرونة البنية التحتية للنقل.
دبي – تشهد مدينة دبي معاملات عقارية قياسية، مع قدوم المزيد والمزيد من الناس للعيش هناك، وتسجيل شركة طيران الإمارات المملوكة للحكومة أرباحا قياسية، ولكن كل هذا النمو يأتي مع ضغوط في التكاليف على السكان.
ويبدو أن حركة المرور أسوأ من أي وقت مضى، بينما تستمر أسعار المساكن في الارتفاع حتى مع الإعلان عن مشاريع عقارية جديدة يوميا تقريبا، مما أثار تعبيرات عامة نادرة لأولئك الذين يحركون اقتصاد الإمارة.
وحذر حسنين مالك في تقرير كتبه لشركة البيانات العالمية تيلمير، حيث يعمل مديرا إداريا فيها، من أن “دبي تتعاطى المنشطات، لكن مخاطر القدرة على تحمل التكاليف تتزايد.”
ووفقا للخطط، تهدف الحكومة إلى أن يبلغ عدد السكان 5.8 مليون نسمة بحلول 2040، مما يضيف أكثر من نصف عدد سكانها المقدر حاليا في غضون 15 عاما فقط. ومنذ عام 1980، ارتفع عدد سكانها بالفعل من حوالي 255 ألفا إلى حوالي 3.8 مليون.
وأشعلت العقارات النار في نمو اقتصاد دبي خلال عام 2002، عندما بدأت في السماح للأجانب بامتلاك العقارات. وبعد الانخفاضات الحادة خلال الأزمة المالية 2008 – 2009 والإغلاق جراء كورونا، ارتفعت الأسعار مجددا.
واليوم، وصل متوسط الأسعار لكل قدم مربع إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وفقا لشركة بروبيرتي مونيتور.
وتشير تقديرات شركة العقارات إنغل آند فولكرز إلى أن أسعار الإيجارات ارتفعت بنحو 20 في المئة بالأحياء الرئيسية العام الماضي، مع احتمال حدوث المزيد من الارتفاعات هذا العام، مع انتقال بعض السكان إلى مجتمعات أبعد في الصحراء.
وحتى قبل هذه الطفرة، اختار بعض الأشخاص الذين عملوا في دبي العيش في إمارة الشارقة المجاورة على بعد حوالي 20 كيلومترا شمال وسط المدينة، أو أبعد من ذلك.
ويزدحم شارع الشيخ زايد المكون من 12 حارة، والذي يمر عبر وسط المدينة والطرق السريعة الأخرى بنحو مليون مسافر من الإمارات الأخرى يوميا، حيث تظهر الدراسات أن ما يصل إلى 4 من كل 5 موظفين يقودون سياراتهم إلى العمل بمفردهم.
واشتدت هذه الحركة المرورية مع وصول الوافدين الجدد إلى دبي. وبينما شهدت بقية العالم زيادة بنسبة 4 في المئة بعدد المركبات المسجلة في العامين الماضيين، تقول هيئة الطرق والمواصلات في المدينة إن هناك زيادة بنسبة 10 في المئة في عدد المركبات.
وتم تسجيل العديد من المركبات إلى درجة أن المدينة اضطرت إلى جعل لوحات الترخيص أطول. وفي حين تستمر المدينة في بناء جسور علوية جديدة وتحسينات أخرى للطرق، فإن المزيد من السيارات تأتي من اتجاهات أكثر من أي وقت مضى.
ونسبت وكالة أسوشيتد برس إلى توماس إيدلمان، مؤسس ومدير عام شركة سلامة الطرق الإمارات التي تدافع عن قضايا المرور، قوله إن “دبي جذابة للغاية، ويزورها المزيد والمزيد من الناس.”
ويعتقد إيدلمان بأن من الأسهل إقناع الناس بسرعة بالقدوم إلى دبي وإقناعهم بدبي، بدلا من بناء تقاطع جديد أو طريق سريع جديد.
وهناك مخاوف بشأن الطفرة المرورية أثارها الإماراتيون أيضا. وكتب حبيب الملا، وهو محام إماراتي بارز، على منصة إكس في ديسمبر الماضي، أنه بينما تعمل السلطات على حل مشكلة الازدحام، فإن المشكلة تتطلب “مجموعة من الآليات الفورية وطويلة الأجل”.
وأكد على ذلك فيما بعد بنشر مقال رأي مرتين ذكر فيه “الازدحام” باعتباره من بين “القضايا الملحة” للمدن العالمية مثل دبي.
وحذر الملا في صحيفة الخليج تايمز الصادرة باللغة الإنجليزية في الخامس عشر من يناير الجاري من أن “تركيز الثروة والفرص التي يتم إنشاؤها في المدن العالمية قد يتسبب في تفاوت في الدخل يدفع السكان ذوي الدخل المنخفض إلى الرحيل”.
وأوضح أن المشكلة قد تصبح حادة عندما تظل الثروة والفرص غير متاحة لشرائح من السكان الوطنيين الذين يشهدون استيلاء الغرباء على جاذبية المدينة. وقد يحمل هذا مخاطر اجتماعية كبيرة، إن لم يتم التخفيف منها.
وهناك مخاوف ديموغرافية مع تناقص عدد الإماراتيين. وتشير التقديرات إلى أنهم يمثلون نحو 10 في المئة من إجمالي سكان البلاد الذين يزيد عددهم عن 9 ملايين نسمة، وهو رقم من المرجح أن ينخفض مع تدفق الأجانب.
وبالنسبة لحكومة دبي، التي يشرف عليها الحاكم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تراوحت الحلول الممكنة لحركة المرور الطاحنة من العملية إلى الخيالية.
وفي الأشهر الأخيرة، شجعت الحكومة الشركات مرارا على السماح بالمزيد من خيارات العمل عن بُعد، بما في ذلك في تقرير صدر في نوفمبر اقترح أيضا ساعات عمل متدرجة ومرنة.
وأشارت الدراسة إلى أن إضافة ما يصل إلى 5 أيام عمل عن بعد شهريا، إلى جانب الخطوات الأخرى، “يمكن أن تقلل من وقت الذروة الصباحية للسفر عبر دبي بنسبة 30 في المئة.”
وأضاف نظام رسوم الطرق في دبي (سالك) بوابات لفرض رسوم إضافية على السائقين وسيضع تسعيرا للزيادة في نهاية الشهر.
كما سيتوسع مترو دبي، الذي يضم أطول خط سكة حديد ذاتي القيادة في العالم، إلى ما هو أبعد من مساراته الممتدة من الشمال إلى الجنوب في توسعة تبلغ تكلفتها حوالي 5 مليارات دولار.
وهناك أيضا مشروع التاكسي الطائر. ومنذ عام 2017، أعلنت دبي عن خطط لسيارات الأجرة المحمولة جوا في المدينة. ويقوم مطار دبي الدولي ببناء أول “مهبط عمودي” بهدف تقديم الخدمة من العام المقبل.
وتخطط دبي أيضا لإنشاء 3300 كيلومتر من مسارات المشاة الجديدة، رغم أن المشاة خلال أشهر الصيف يتعين عليهم التعامل مع الرطوبة العالية والحرارة التي تبلغ حوالي 45 درجة مئوية.
وقال الشيخ محمد على منصة إكس الشهر الماضي “في السنوات القادمة، سيتمكن سكان دبي من التنقل سيرا على الأقدام أو ركوب الدراجات أو شبكتها الواسعة من الطرق والجسور أو المترو وخطوطه الجديدة أو سيارات الأجرة المائية أو سيارات الأجرة الطائرة على طرق جوية محددة.”