طفرة التقنيات المبتكرة تقفز بنمو قطاع الأعمال في السعودية

تمكنت السعودية بفضل تطوير البنية التحتية والاستثمار في التقنيات المتقدمة من أن تهيئ بيئة محفزة للشركات، لكي تتبني الأدوات التي توفر أسباب اعتماد التحول الرقمي، وسط توقعات بأن يؤدي هذا المسار إلى نمو سوق الاتصالات بشكل أكبر مستقبلا.
الرياض- حققت السعودية قفزة مهمة في تطويع التكنولوجيا الحديثة لتسريع وتيرة رقمنة الاقتصاد خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن فرضت التحولات العالمية، وخاصة مجال الاتصالات، على البلد التركيز على الابتكار لتحقيق أهدافه.
ودفعت الطفرة الأخيرة في الحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، وميتافيرس وغيرها من الابتكارات، المؤسسات السعودية إلى إعادة النظر جذريا في نهجها للتحول الرقمي كي تتمكن من مواكبة هذه التطورات واتجاهات السوق الجديدة.
وترى الحكومة أن قطاع الابتكار عموما له أهمية كبيرة لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار في جميع القطاعات التي تعول عليها لترجمة أجندة التحول الطموحة.
وتقول وكالة دبليو 7 ورلد وايد الاستشارية لمنطقة الخليج في بيان تلقت “العرب” نسخة منه الثلاثاء إن السعودية أدركت مبكرا أهمية التحول الرقمي، وجعلته ركيزة أساسية لرؤية 2030.
وأشارت دبليو 7 إلى أن السلطات تبنت إستراتيجية شاملة لتحقيقها بجميع القطاعات، بهدف تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز كفاءة المؤسسات، ورفع قدرتها التنافسية عالميا.
وبفضل هذا المسار احتل البلد، أكبر مصدر للنفط في العالم، المركز الثاني بين دول مجموعة العشرين في مؤشر تنمية الاتصالات والتقنية لعام 2023.
كما شهد حجم سوق الاتصالات والتقنية في البلاد نموا ملحوظا ليصل إلى 166 مليار ريال (44.25 مليار دولار) خلال العام الماضي، بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 8 في المئة خلال السنوات الست الماضية.
وقطعت السعودية خطوات متقدمة في السباق العالمي نحو دخول عصر شبكة الجيل الخامس للاتصالات (5 جي)، والذي يقول الخبراء إنه سيمهد الطريق لفتح أبواب الثورة الصناعية الرابعة، التي تعتمد بشكل أساسي على تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وكانت زين للاتصالات أول شركة في السعودية تدخل خدمة تقنية الجيل الخامس في العام 2018، وذلك بالتعاون مع شركة نوكيا الفنلندية، وهو ما عزز من خطوات تقديم الخدمات بكفاءة أعلى.
وأشارت الكثير من الدراسات الدولية إلى أن استمرار تبني الشركات لحلول الفيديو، مثل المؤتمرات عبر الإنترنت بتقنيات الوضوح العالي والفيديو عند الطلب، قد يُحفز نموا أكبر في نشاط الشركات المقدمة لخدمات الإنترنت.
وقال مانيكاندان ثانغاراج، نائب الرئيس بشركة مانيج إنجن، إنه في ظل بيئة تتسارع فيها وتيرة ظهور التقنيات الجديدة، بات من الضروري على المؤسسات والشركات السعودية تبني نهج “التحسين المستمر” للتحول الرقمي لضمان بقائها في صدارة التنافس.
وأضاف المسؤول في الشركة المتخصصة في إدارة تكنولوجيا المعلومات المؤسسية التابعة لمجموعة زوهو، ومقرها مدينة تشيناي الهندية، أن ذلك “يشمل تحسين البنية التحتية الرقمية بشكل مستمر، وتطوير مهارات القوى العاملة، واكتشاف فرص جديدة للابتكار”.
وأوضح أن رحلة التحول الرقمي لا تسير وفق مسار واحد ينطبق على جميع الصناعات والمؤسسات، بل تنفرد كل جهة بتقنياتها.
ويمكن أن يُحدث دمج تقنيات الواقع المعزز (أي.آر) والواقع الافتراضي (في.آر) في قطاع البناء والتشييد، على سبيل المثال، ثورة في عملية التخطيط من خلال تجسيد المشاريع قبل التنفيذ، ما يساهم في توفير الوقت والمال والموارد.
وبالتوازي مع ذلك قد تشهد الصناعة المالية تحولا من الخدمات المصرفية التقليدية إلى خدمات الهواتف الذكية، مع تبني تقنيات متطورة مثل البلوك تشين والعملات المشفرة، تعزيزا للأمن والفاعلية.
ويشدد ثانغاراج على ضرورة أن تُطور كل مؤسسة إستراتيجية تحول رقمي محددة بوضوح ومصممة خصيصا لتناسب احتياجاتها، لافتا إلى وجود خطوات أساسية للتحول الرقمي يُمكن تعديلها لتناسب احتياجات كل مؤسسة على حدة.
ولتحقيق الأهداف من المهم فهم تأثير التقنيات الرقمية على قطاع عمل كل مؤسسة أو شركة، كخطوة أولى لبدء التحول الرقمي بنجاح، مع العمل على “غرس ثقافة التغيير والابتكار على مستوى المؤسسات والشركات السعودية”، وفق ثانغاراج.
ويتطلب ذلك تقييم الاتجاهات والتحديات والفرص التي تُحفز الحاجة إلى التحول، حيث تختلف خطوات التحول الرقمي من قطاع إلى آخر، لذلك يجب تحديدها لتناسب مسيرة المؤسسة وأهدافها.
واعتبر ثانغاراج أن خارطة الطريق الواضحة تمثل مفتاح نجاح رحلة التحول الرقمي للمؤسسات، حيث تبدأ بوضع أهداف محددة، مثل زيادة حصتها في السوق أو تحسين رضا الزبائن، ثم تحديد إستراتيجيات قصيرة وطويلة الأجل، ووضع خطة من 5 إلى 10 سنوات وبالإضافة إلى ذلك العمل على تحديد مجالات التنفيذ الفوري والاحتياجات المستقبلية، كما يجب أن تتمتع الخارطة بالمرونة للتكيف مع احتياجات المؤسسة والتكنولوجيا المتطورة.
وتعمل الحكومة من خلال صندوق الثروة السيادي وعملاق النفط أرامكو على الاستثمار بكثافة في التكنولوجيا، وتحوز على أصول في شركات كثيرة في قطاع السيارات والطاقة النظيفة وغير ذلك.
وحاليا تعتبر السعودية مركزا لأضخم الاستثمارات في تقنية السحابة؛ حيث تستثمر الشركات الرائدة على نطاق واسع، منها غوغل وعلي بابا وأوراكل وأس.اي.بي، أكثر من 2.5 مليار دولار في هذه التقنية.
وفي عام 2021 أعطى اختيار عملاق التكنولوجيا أبل السعودية كمركز له لريادة الأعمال في المنطقة العربية لمحة عن الجهود التي بذلها المسؤولون من أجل جذب عمالقة وادي السيليكون للاستثمار في البلد.
ويطالب ثانغاراج كغيره من خبراء التقنية المؤسسات، بما فيها الموجودة في السعودية، بإشراك أصحاب المصلحة وإطلاعهم على رحلة التحول الرقمي، والتأكيد على فوائد التحول مثل تحسين الكفاءة التشغيلية وتعزيز تجربة الزبائن وتوفير فرص جديدة لزيادة الإيرادات.
وأكد أيضا على ضرورة اختيار التقنيات الرئيسية، مثل الحوسبة السحابية والروبوتات والأتمتة والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين، التي تتوافق مع صناعة المؤسسة، وتدفع برحلة التحول الرقمي الخاصة بها.
وقال “على المؤسسات والشركات السعودية مراقبة التقنيات الناشئة باستمرار ودمجها في خارطة الطريق الرقمية الخاصة، والتعاون مع مقدمي التقنيات المبتكرة لضمان رحلة تحول رقمي ناجحة”.
كما يحتاج قطاع الأعمال إلى إجراء التعديلات اللازمة لضمان فاعلية الرقمنة، وتحديد مؤشرات أداء رئيسية لقياس التقدم المحرز، مثل نمو الإيرادات أو تحسين تجربة الموظفين أو خفض التكاليف.