طفرة الاستثمارات تُثري سوق العقارات المصرية

تشهد سوق العقارات المصرية طفرة استثمارية تقودها شركات خليجية ومحلية كبرى، وكشفت عن ذلك نتائج الأعمال التاريخية لشركات القطاع في البورصة، بما يوسع من فرص القاهرة للتحول إلى وجهة جاذبة، خاصة في المدن الجديدة التي تزايد عددها.
القاهرة - يراقب خبراء عرب مسار طفرة الاستثمارات العقارية في مصر التي باتت على مشارف قفزة أخرى، بفضل تنافس الشركات على التطوير في المدن الجديدة والمدفوعة أساسا بنهج حكومي لتنمية القطاع واستهداف المواطنين الأجانب والخليجيين باستراتيجية البيع.
وتُبدي شركات خليجية استعدادا فوريا لشراء الأراضي والاستثمار بالقطاع، مدعومة من حكوماتها التي عززت علاقاتها الاقتصادية مع القاهرة.
وكشفت مصادر حكومية لـ”العرب” عن ابداء السعودية وقطر اهتماما لشراء أماكن متفرقة على سواحل البحرين المتوسط والأحمر، فضلا عن شريط نهر النيل.
ويأتي ذلك بعد خطوة الإمارات المتمثلة في مشروع رأس الحكمة العملاق في شمال غرب البلاد، بدعم من عائدات النفط والغاز الوفيرة لدول الخليج.
وتشهد السوق المحلية زيادة في المعروض مع ارتفاع في طلب أصحاب الدخول العليا والمغتربين، بجانب ظهور فئة جديدة هم العرب بعد التوسع في المدن الجديدة، والتركيز على المناطق الساحلية.
ورغم تعالي التحذيرات من عدم استبعاد تعرض السوق لفقاعة عقارية، لكن خبراء ومطورين قللوا من أهمية حدوث ذلك.
وتنتج الفقاعة عندما يقل المعروض من الوحدات مقابل زيادة الطلب، وتترتب عليه زيادة سعرية كبيرة تشبه “البالون” حتى تنفجر، وهو ما يحدث عادة في الدول التي ينمو فيها الرهن والتمويل العقاريين، ومصر بعيدة عنهما.
ولا تتعامل السوق المصرية بالمعايير المتعارف عليها في الرهن العقاري في الولايات المتحدة وأوروبا، كما أن التمويل العقاري لا يمثل سوى 10 في المئة من إجمالي مبيعات، وفق دراسات شركات التسويق في القطاع.
وتتبع الشركات سياسة بيع وحداتها لحسابها المباشر بشكل فوري أو بالتقسيط على سنوات قد تصل إلى 10 أعوام أو أكثر للتسهيل وجذب الزبائن.
كما تنتهج طريقة بيع ترمي إلى عدم بيع كل الوحدات دُفعة واحدة أو قصر بيع المحدود، ثم عرض الوحدات كل فترة كي تظهر للسوق أن مشاريعها مستمرة، وتحقق مكاسب أكبر من فروق الأسعار.
ويشير ذلك إلى أن الشركات يمكنها زيادة الطلب في أي وقت، لكنها تهتم أن يكون لديها مخزون يسمح لها بالتواجد والاستحواذ على حصة من كعكة العقارات في البلاد.
وعادة ما يكون الطلب على العقارات بمصر مرتفعا، لطبيعة الأفراد الذين يحرصون على التملك وليس التأجير، ومن ثم تستطيع الشركات بيع غالبية ما تُنشئه من مشاريع، عكس الأسواق الأخرى التي يركز أغلب سكانها على تأجير المساكن.
وتعد مصر الأكثر أمانا في المنطقة من حيث الاستثمار العقاري، بدعم من الاستقرار السياسي وخطط السلطات الرامية للتعمير بدلا من خوض حروب.
20
في المئة مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي، وفق الإحصائيات الرسمية
ومن المتوقع أن تشهد السوق طفرات أكبر ورواجا من جانب المستثمرين الخليجيين، بدعم من مشروع رأس الحكمة البالغ تكلفته الإجمالية 150 مليار دولار، فضلا عن حرص الحكومة على تصدير العقار كونه أحد مصادر تدفق العملة الأجنبية.
وتحتاج القاهرة إلى تقديم تسهيلات لتعزز تصدير العقار الذي يتم بشكل أكبر عبر صناديق الاستثمار العقاري، والتي تواجه عراقيل في السوق.
وأكد الخبير آدم زيان أن 60 في المئة من حصة الدول بإجمالي تصدير العقارات تنتج عن هذه الصناديق، لكن صعوبة تسجيل العقار تشكل مشكلة.
وأوضح أن هذا البند هو الأهم في الاستثمار، ويتطلب حل المشكلة تطوير منظومة الشهر العقاري وتأهيلها بالشكل الذي يتيح التسجيل بسلاسة.
وقال زيان لـ”العرب” إنه “أمام مصر فرص ثمينة لتنظيم السوق وجعلها مصدرا للعملة الصعبة، مع تنفيذ مشروع رأس الحكمة، الذي سيكون نافذة لتدفق الخليجيين، ومن ثم يمكن الترويج للمشاريع المختلفة وتصدير العقارات من هذه النافذة”.
وأشار إلى أن الاستثمارات الخليجية ستلعب دورا محوريا في إثراء القطاع المصري بضخ رؤوس أموال جديدة أو من خلال الاستحواذ على شركات مصرية، أو عبر الشراكات، وهو ما تترقبه السوق الفترة المقبلة.
وباتت منطقة الساحل الشمالي الغربي الأكثر جذبا للاستثمارات مع مساعي السلطات لتحويلها لمدينة متكاملة خلال فترة قريبة بحيث تصلح للمعيشة.
وكان وزير الإسكان شريف الشربيني قد أوضح أن الرؤية التنموية للمنطقة التي تمثل 22 في المئة من مساحة مصر، تتضمن الاستغلال الأمثل لها. ومن المستهدف أن تجتذب نحو 7 ملايين نسمة.
ويرى الخبير حسام صبري أن القطاع الأكثر جذبا في المنطقة لتمتع البلاد بالأمان والاستقرار، وقدرة الشركات على تفادي الأزمات التي تحدث في الشرق الأوسط من دون انهيار الأسعار كما هو متعارف عليه.
ودلل على ذلك في تصريح لـ”العرب” بما حدث في دبي وبعض الأسواق العالمية خلال عامي 2008 و2009، حيث شهدت الأسعار هبوطا حادا إلى نحو النصف، لكن في مصر ظلت مستقرة.
وأشار إلى أن الشركات المصرية تلجأ إلى إستراتيجية مرنة لسداد أسعار الوحدات السكنية في أوقات الأزمات، تشمل تقديم العروض والخصومات وتوفير برامج شراء ودفع ميسرة لتحفيز المشترين.
ومن أبرز الأنظمة، الشراء دون مقدم والسداد على أطول فترة ممكنة وتخفيضات مرتفعة، لكن الشركات الكبرى فقط لديها قدرة على ذلك ونجاحها في تخطي الأزمات.
ويوجه استمرار النشاط في السوق وعدم تعرضه لأزمات مؤثرة، رسالة مهمة للمستثمرين الأجانب تتعلق بمدى الثقة والثبات، وضمان تحقيق الأرباح، وعدم التعرض بشكل كبير للخسائر والظروف المحيطة.
ومن عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية أنها تتأثر بشكل طفيف بالأزمات العالمية سواء بركود محدود للغاية أو تباطؤ حركة المبيعات قليلا، لكن لا يحث انهيار في أسعار الأراضي أو الشقق السكنية.
وما يعزز من تدفق الاستثمارات العقارية الفترة المقبلة هو الأرباح القياسية التي سجلتها شركات القطاع المدرجة في البورصة العام الماضي وفي النصف الأول من 2024.
ووصلت في بعض الشركات إلى أعلى مستوى، ما يشير لعزمها ضخ استثمارات وإجراء توسعات أكبر قريبا، وعلى رأسها مجموعة طلعت مصطفى القابضة، ومدينة مصر للإسكان، وإعمار مصر، ومصر الجديدة للإسكان، وسوديك.
وتساهم المشاريع العقارية بنسبة 20 في المئة من إجمالى الناتج المحلي، لترتفع مساهمة القطاع من 1.1 مليار دولار عام 2018 إلى نحو 2.5 مليار دولار في العام 2023.