طفرة اقتراض المونديال تترك البنوك القطرية تكافح الخسائر

يواجه القطاع المصرفي في قطر حقائق الواقع مع مرور عامين على تنظيم مونديال كرة القدم عقب طفرة الاقتراض الهائلة، حيث تكافح البنوك الالتزامات المنجرة عن التسهيلات الائتمانية لمواكبة مشاريع البطولة الضخمة، التي كلفت المليارات من الدولارات.
الدوحة - كشفت مصادر مطلعة أن الحكومة القطرية تدرس سبل تعزيز ميزانيات البنوك المدعومة من الدولة في ظل معاناتها من تركة مساهمتها بتمويل مشاريع كأس العالم 2022.
وذكرت المصادر لوكالة بلومبيرغ أن من الخيارات المطروحة تعيين مستشارين لإعادة الهيكلة، أو التدخل لشراء محافظ العقارات المتعثرة من البنوك التي تضررت بفعل التخلف عن السداد، أو إجبار البنوك الأصغر على الاندماج.
ولم تسمح السلطات، التي تتلقى عائدات وفيرة من الغاز لأي بنك بالإفلاس من قبل، لكن الضريبة هذه المرة قد تشمل تقييد جهاز قطر للاستثمار (صندوق الثروة) البالغ حجمه 510 مليارات دولار، في الوقت الذي يصعد فيه نجمه على الصعيد العالمي.
وتشير المصادر، التي طلبت عدم ذكر هوياتها لأن المناقشات غير علنية، إلى أن الحكومة يمكن أن تضع حدا أقصى للمدفوعات من فائض ميزانيتها للجهاز للمساعدة في تمويل أي دعم للبنوك.
وأفاد مكتب الإعلام الدولي لقطر في بيان بأن “اقتصاد قطر قوي وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية، وهذا يشمل القطاع المصرفي”.
وفي حين رفض التعليق على الاعتبارات المحددة التي تتخذها الحكومة في حسبانها، أشار إلى أنه “ظل متوسط نسبة القروض المتعثرة ضمن النطاق المتوقع منذ استضافت قطر كأس العالم”.
وقالت المصادر إن “المداولات في مرحلة مبكرة وليس من الواضح ما هو الإجراء الذي ستتخذه الحكومة، هذا إن تم اتخاذه أصلا”، ورفض ممثل عن جهاز قطر للاستثمار التعليق.
وفاجأت قطر العالم عندما فازت بحقوق استضافة المونديال في عام 2010. فمساحة الدولة الصغيرة تقل عن مساحة ولاية كونيتيكت الأميركية، ولا تتعدى 4500 ميل مربع، وتقع على شبه جزيرة في الخليج العربي.
لكن وفرة ثروات الغاز أعطتها نفوذا على الساحة العالمية، وتستعد الدولة للسيطرة على نحو ربع شحنات الغاز الطبيعي المسال عالميا بحلول نهاية العقد الحالي.
وبدأ قدر كبير من التأثير على القطاع البنكي يتراكم في الفترة التي سبقت كأس العالم، الذي قاربت فاتورته النهائية 300 مليار دولار.
وبنت قطر شبكة كاملة من الطرق السريعة، بالإضافة إلى نظام نقل عام جديد تماما لربط الملاعب السبعة، التي شيدتها لاستضافة البطولة.
وأقام المطورون العقاريون فنادق فاخرة شاهقة لاستيعاب تدفق الزوار، واضطر المسؤولون إلى البدء في إصلاح أنظمة الصرف الصحي في البلاد للتعامل مع 1.2 مليون مشجع شاركوا في الحدث الذي استمر شهرا.
واعتمدت الدوحة على العديد من مطوري العقارات وشركات البناء في العمل. ومع مرور الوقت، تراكمت فواتير كبيرة على هذه الشركات، واعتمدت على البنوك المحلية لتمويل المشاريع.
ورغم أن البلاد تجتذب تدفقا ثابتا من الفعاليات منذ ذلك الحين، انخفضت إيراداتها لكل غرفة فندقية متاحة، وهو مقياس رئيسي للربحية لصناعة الضيافة، العام الماضي.
وزعزع العرض الزائد من غرف الفنادق استقرار صناعة السياحة، بعدما لم تتمكن الدولة من جذب أعداد تتجاوز حشود السياح الذين قدموا لمتابعة كأس العالم.
ولجأت بعض شركات البناء إلى نظام التحكيم لشكواها من أنها تجد صعوبة في تحصيل المدفوعات من الحكومة.
3.5
في المئة نسبة القروض المتعثرة بالربع الأول من 2024 ارتفاعا من 2.6 في المئة قبل عامين
وقال مكتب الإعلام “تم سداد مدفوعات كافة المشاريع في الموعد المحدد، باستثناء عدد قليل من الحالات المرتبطة بأسباب مثل قضايا الأداء المعلقة والنزاعات التجارية.
وهذا الوضع يُعدُّ غير مألوف، فقطر تُصنف كواحدة من أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد، وتعمل حاليا على تطوير مشروع جديد للغاز من المتوقع أن يزيد من إيرادات الحكومة السنوية بنحو 31 مليار دولار.
كما حققت إيرادات الطاقة المرتفعة بالفعل فائضا في الميزانية قدره 11.8 مليار دولار في العام الماضي، مما عزز ثروات البلاد.
وقال بول بريسكوت، الشريك في شركة دنتونز للمحاماة، والمتخصصة في البناء وحل النزاعات في الشرق الأوسط إنه “على مدى السنوات الخمس إلى الست الماضية، شهدنا اتجاها متزايدا لعرض المشكلات على التحكيم الدولي في قطر”.
وأضاف “شهدنا حل العديد من نزاعات الشركات الكبيرة في البناء والهندسة عن طريق التحكيم، بما في ذلك تلك التي بين المقاولين من الدرجة الأولى وسلسلة التوريد الخاصة بهم”.
ويرى البعض أن كافة هذه العوامل تركت شركات عديدة غير قادرة على الوفاء بما اقترضته. وبلغت نسبة القروض المتعثرة لدى البنوك القطرية 3.5 في المئة مع نهاية الربع الأول من هذا العام، ارتفاعا من 2.6 في المئة قبل سنتين فقط، وفق بلومبيرغ إنتليجنس.
وتكشف البيانات أنه مقارنة مع نظرائها عبر كافة مناطق الشرق الأوسط تراجعت النسبة بنحو 100 نقطة أساس خلال تلك الفترة إلى 2.95 في المئة.
وبدأ البنك التجاري بالفعل في محاولة بيع بعض أصوله العقارية المتعثرة، بحسب بعض الأشخاص المطلعين على الأمر.
وأوضح محللون من موديز بقيادة فرانشيسكا باولينو في تقرير “يعود الضعف المتزايد في أداء الإقراض بشكل كبير إلى الإفراط في الاستثمار في العقارات بما فيها مراكز التسوق ومباني المكاتب الإدارية، وفي قطاع الخدمات، لاسيما الفنادق”.
وأضافت باولينو أن “تأخيرات مدفوعات قطاع المقاولات، كذلك أسعار الفائدة المرتفعة الحالية أسهمت أيضا في ذلك”.
وعلاوة على البنك التجاري، صنفت بنوك متوسطة الحجم بما فيها بنك الدوحة وبنك قطر الإسلامي ومصرف الريان عددا متزايدا من القروض من الدرجة الثانية، وهي فئة مخصصة لتلك القروض ذات المخاطر الائتمانية المتفاقمة.
وامتنع متحدث باسم بنك الدوحة عن التعليق على الموضوع، في حين لم يرد ممثلو البنوك الثلاثة الأخرى على طلبات للتعليق في هذا الصدد.
ومع تراكم القروض المتعثرة في هذه البنوك، عاقب المستثمرون أسعار أسهمها، وأسفر ذلك عن تراجع كبير جعل قطر أحد أسواق الأسهم الأسوأ أداء.
وبدأ بنك واحد على الأقل محادثات مع مصرف قطر المركزي لنقل بعض الأصول المصنفة على أنها من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، أي فئة القروض المتوقع سدادها وفق الجدول الزمني، بعد رؤية علامات على تحسن في قوة الموقف المالي للمقترضين.
وأوضح غورانغ هيماني، الرئيس المالي لبنك قطر الإسلامي، للمستثمرين في مؤتمر عبر الهاتف في أبريل الماضي “طلبنا موافقات من بنك قطر المركزي لأن الكثير منها يسير على نحو جيد نوعا ما”.
وأوضح أنه “رغم ذلك، فإن بنك قطر المركزي، كما نعلم جميعا، يتبنى نهجا تنظيميا متحفظا للغاية ويريد رؤية فترة أطول من الأداء الجيد قبل السماح بأي ترقيات من الدرجة الثانية إلى الأولى”.
وأكد المكتب الإعلامي لقطر أن المركزي والبنوك بصورة فردية يجريان اختبارات إجهاد منتظمة لضمان قدرة البنوك على تلبية متطلبات رأس المال والسيولة التي وضعها البنك المركزي “حتى في ظل الظروف الأشد تطرفا”.
وقالت سالومي سكيرتليدزي، محللة مالية في بلومبيرغ إنتليجنس، إن “في بنك قطر الإسلامي، وصلت تكلفة المخاطر السنوية إلى 60 نقطة أساس خلال الربع الثاني، لكنه لا يزال ملتزما بإستراتيجية زيادة الاحتياطيات، إذ بلغت تغطية الدرجة الثالثة 95 في المئة”.
إيرادات الطاقة المرتفعة حققت فائضا في الميزانية قدره 11.8 مليار دولار في العام الماضي، مما عزز ثروات البلاد
وأوضحت أنه رغم استقرار جودة الأصول، لا يزال الاستثمار في قطاع العقارات الذي يعاني من فائض المعروض ينطوي على مخاطر.
وبينما تدرس الحكومة حلولا محتملة لمشكلة ارتفاع الخسائر في ميزانيات البنوك، فإنها تبحث اللجوء إلى إجراءات مجربة استخدمتها آخر مرة في خضم الأزمة المالية العالمية.
وخلال 2009، على سبيل المثال، عرضت شراء أصول من المحافظ العقارية للبنوك المحلية بنحو 4.1 مليار دولار في محاولة لدعم القطاع.
واشترت حينها أسهما مدرجة في البورصة مملوكة داخل المحافظ الاستثمارية للبنوك القطرية المحلية بقيمة 6 مليارات دولار تقريبا.
والآن، باتت الدولة أكبر مساهم في بعض البنوك المحلية، من بينها بنك قطر الإسلامي والبنك التجاري وبنك الدوحة. وتُعد أيضا مساهما رئيسيا في بنك قطر الوطني.
وتؤكد باولينو أن البنوك القطرية تستفيد من دعم حكومي محتمل بطريقة كبيرة للغاية في حال نشوب أزمة. فالرغبة القوية في تقديم دعم احتياطي تتضح من خلال خطة المساندة الاستباقية التي قدمتها لدعم البنوك التي تمر بضغوط مرحلية.
وقالت في مذكرة نشرت في مارس الماضي “حقيقة أنها لم تسمح مطلقا لأي بنك محلي بالتخلف عن سداد ديونه أو التزامات الودائع لديه”.
وذكر محللون في بنك أتش.أس.بي.سي هولدنغز في مذكرة للعملاء في وقت سابق هذا العام أن بنكي الريان والدوحة سيكونان على الأرجح أكبر المستفيدين من أي دعم حكومي.
وقدر المحللون أن الحكومة ستحتاج إلى شراء أصول عقارية بقيمة 13 مليار دولار تقريبا لمساعدة القطاع. وقالوا إن مثل هذه الإجراءات الداعمة ستمثل محفزا إيجابيا للقطاع.
وحتى الآن، يركز العديد من المسؤولين القطريين على تنظيم جدول أعمال حافل بالفعاليات الرياضية والفنية والتصميم والأزياء ضمن حملة لتحقيق هدف البلاد المتمثل في استقبال 6 ملايين زائر دولي سنويا مع حلول 2030، أي ما يقرب من 3 أضعاف عدد 2019.
وبدأ هذا العام بقوة، حيث سجلت الدوحة 700 ألف زائر خلال يناير عندما استضافت بطولة كأس آسيا لكرة القدم.
وقال ألكسيس نيسون، كبير مسؤولي المخاطر في بنك الريان، للمستثمرين في أبريل الماضي “يبدو أن الوضع تحسن قليلا. يوجد بالتأكيد شعور بتحسن طفيف في قطاع الضيافة. وننتظر لنرى ما إذا كان ذلك سيتحول إلى تعاف كامل”.