طريق حرير عصري وجديد بين السعودية والصين

تمضي السعودية والصين بخطى ثابتة نحو بناء شراكة إستراتيجية تتجاوز البعد الاقتصادي إلى السياسي والدبلوماسي، ولعل أحد أبرز تمظهرات هذه الشراكة تشييد طريق حرير جديد سيكون بمثابة جسر بين بكين والعالم العربي ومنطلقه المملكة.
الرياض - أعلنت السعودية الأحد، عن اعتزامها إطلاق "طريق حرير عصري وجديد" مع الصين، في خطوة تعكس مضي المملكة قدما في توثيق الروابط الاقتصادية والتجارية مع بكين، غير ملتفتة بذلك إلى موقف الحليف التقليدي الولايات المتحدة المنزعجة من هذا التقارب، حيث تعتبره حجر عثرة أمام مساعيها لاحتواء نفوذ الصين المتصاعد.
وجاء الإعلان السعودي خلال افتتاح النسخة العاشرة لمؤتمر الأعمال العربي - الصيني، الذي يعقد برعاية ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في العاصمة الرياض.
ويرى متابعون أن الإعلان عن طريق حرير جديد بين الصين والسعودية يشكل نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين تتجاوز البعد الاقتصادي إلى السياسي والدبلوماسي، مشيرين إلى أن هذا الإعلان يعكس فشلا ذريعا للدبلوماسية الأميركية في فرملة التقارب بين الرياض وبكين، والذي كان أحد الدوافع التي قادت مؤخرا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى زيارة المملكة.
ويشير المتابعون إلى أن طريق الحرير الجديد سيفسح المجال لزيادة تمكين الصين في العالم العربي، وهذا الأمر بالتأكيد يشكل مصدر قلق كبير لواشنطن التي تبدو عاجزة عن مجاراة النسق الذي اتخذته العلاقات بين بكين وحلفائها الخليجيين في المنطقة، وباتت سياستها قائمة على ردود الفعل.
وقال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح إن "طريق الحرير الجديد سيكون محركه رؤية السعودية للتعاون والتشارك، بينما وقوده انطلاقة الشباب والابتكارات لتحقيق مصالحنا ومصالح شركائنا في كل أنحاء العالم".
وأضاف الفالح أن “المملكة ملتزمة بالعمل كجسر يربط العالم العربي بالصين ويسهم في النمو وتطور علاقتنا، باعتبارها الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، والأسرع نمواً في العالم خلال العام الماضي 2022".
وشدد الوزير السعودي على أن "ما نحتاجه في مرحلتنا التنموية الكبرى هو استثمارات صينية ذات قيمة مضافة عالية، وليس فقط الحصول على الموارد الطبيعية ذات القيمة العالمية من ناحية التصنيع والخدمات اللوجستية، بل وربط المنطقة ببعضها وبمحيطها في أفريقيا وأوروبا وفي آسيا التي تقودها الصين اليوم".
ويأتي الإعلان عن طريق الحرير بعد أيام فقط من زيارة قام بها وزير الخارجية الأميركي إلى المملكة حيث التقى بولي العهد السعودي كما أجرى اجتماعا مع وزراء خارجية دول الخليج.
وقد صرح بلينكن في اليوم الختامي من زيارته التي استمرت لثلاثة أيام بـ"أننا لا نطلب من أحد الاختيار بين الولايات المتحدة والصين"، لكن مراقبين اعتبروا أن تصريحات وزير الخارجية الأميركي ليست سوى للاستهلاك الإعلامي، مشيرين إلى أنه كان مضطرا لترديد هذه العبارة لاسيما بعد أن لمس موقفا سعوديا صارما حيال رفض المملكة لأي انتقادات توجه لها بشأن علاقتها مع بكين، وأن خطواتها تمليها "المصلحة العامة".
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان خلال مؤتمر الأعمال العربي - الصيني "نحن دولة منفتحة، ونعمل مع جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة والصين".
وشدد الأمير عبدالعزيز "نحن لا نلتفت للانتقادات بشأن تنامي العلاقات السعودية – الصينية.. المملكة والصين لديهما قدر كبير من التعاون الثنائي"، مشيرا إلى أنه سيتم الإعلان قريبا عن استثمارات سعودية - صينية مشتركة.
وأوضح أن "الطلب على النفط في الصين يتزايد"، قائلا "هناك الكثير من الأشياء التي نريد أن نقوم بها مع الصين، هناك دور تكاملي بين الدولتين.. هناك تكامل بين مبادرة الحزام والطريق ورؤية المملكة 2030، هناك انسجام وتكامل بينهما".
وأردف قائلا "نذهب إلى تكوين شراكات مع شركاء يريدون الاستثمار معنا.. لدينا طموحات لتصدير الكهرباء والهيدروجين النظيف، نعمل مع أوروبا وأميركا والصين وكوريا ونريد أن نصدر الكهرباء إلى الهند.. لدينا منهجية في الاستثمارات العالمية مع الجميع".
ولفت وزير الطاقة السعودي إلى أن "هناك الكثير من الفرص المتاحة عالمياً، الأمر ليس إناءً نقوم بتقسيمه وتوزيعه بين الدول، نحن نذهب حيث توجد الفرص، ولتكوين شراكات مع شركاء راغبين في الاستثمار معنا".
وأضاف "لا يوجد شيء سياسي أو إستراتيجي في ذلك، لكننا نتشارك مع الآخرين جميعاً، ونعمل مع جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة والصين وكوريا والهند والعديد من الدول الأفريقية". وتابع الأمير عبدالعزيز "نأمل أن نصل إلى 30 مليون طن من الكيميائيات المتحولة، من المحتمل أن يكون أكبر الشركاء في ذلك الصين أو الهند".
وأظهرت السعودية في السنوات الأخيرة نزعة نحو الاستقلالية عن التوجهات الأميركية، لاسيما بعد خذلان واشنطن لها في الكثير من المحطات، فضلا عما تفرضه من شروط على الرياض في ما يتعلق بالشراكات الاقتصادية والأمنية القائمة معها، على خلاف الصين.
اقرأ أيضا: السعودية والمبالغة في تقدير القوة
ويقول متابعون إن من الدوافع التي تجعل العالم يرى سعودية مختلفة، هو شعور قيادة المملكة بأن بلادها تمتلك الكثير من المقومات التي تجعلها في حل من أي تبعية، أو ارتهان لرغبات الحليف الأميركي.
ومن شأن المؤتمر المنعقد حاليا في الرياض أن يعطي دفعة كبيرة ليس فقط لعلاقات الصين مع السعودية، بل وأيضا مع باقي الدول العربية، ويعكس المؤتمر واقع بكين التي تخطو بخطوات ثابتة نحو تعزيز حضورها في منطقة لطالما شكلت حكرا على الولايات المتحدة.
ويشير هؤلاء إلى أن المؤتمر هو بمثابة استكمال للشق الاقتصادي الذي جرى بحثه خلال القمة الصينية – العربية التي عقدت في الرياض في ديسمبر الماضي خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى المملكة. وذكر وزير الاستثمار السعودي أن "ما يقدم للسعودية سيعم خيره الجميع، إذ نؤمن أن قوة السعودية الاقتصادية هي جزء من قوة وتكامل وترابط اقتصاد الوطن العربي الكبير".
وأشار الوزير السعودي إلى أن "منتجات الصين أصبحت مساهمة كبيرة في دول العالم العربي والسعودية في مقدمتها، فضلاً عن مساهمتها في التنمية القائمة في المملكة". ولفت إلى أن بلاده تتفاوض مع شركات صينية للدخول في الصناعات الأساسية مثل بطاريات السيارات وأشباه الموصلات في السعودية.