طريق التنمية يُلحق الصين بمجموعة القوى المتنافسة على موطئ قدم اقتصادي في العراق

مشروع حيوي تحوّل إلى نقطة وفاق تركي - عراقي كبير على حسم الملفات الأمنية.
الخميس 2024/01/25
الصينيون حاضرون أصلا في مشاريع إنشائية بجنوب العراق

دخول الصين على خط التنافس مع تركيا على تنفيذ مشروع طريق التنمية عامل إيجابي للعراق الذي عانى إلى حدّ الآن من التنافس السلبي والخشن بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ داخل أراضيه، بشكل أثر على أمنه واستقراره وساهم إلى جانب عوامل أخرى في عرقلة مساره التنموي الذي يؤمل أن يمثل المشروع المذكور بداية لانطلاقه من جديد.

بغداد - تظهر الصين اهتماما متزايدا بمشروع طريق التنمية الذي يربط ميناء الفاو في جنوب العراق بالحدود التركية، ليس لمجرّد الحصول على عقود بناء الطريق وإقامة الجسور ومد سكة الحديد، حيث يمتلك الصينيون خبرات استثنائية في إقامة الإنشاءات الضخمة، وإنما أيضا لإيجاد منفذ آخر لتدفق السلع الصينية نحو الغرب وصولا إلى أوروبا بعد أن تعثّر إنجاز عدّة مراحل من مشروع الحزام والطريق.

وقالت مصادر عراقية إنّ بكين دشنت اتصالات مكثفة مع بغداد لطرح مقترحات عملية بشأن مشاركة الصين في المشروع الذي يجري التنسيق بشأنه إلى حدّ الآن بين الجانبين التركي والعراقي. وأوضحت أنّ سفير الصين في بغداد تسوي وي مكلّف من قبل بلاده بالتفاوض مع الجانب العراقي بشأن المشروع. وتعرض الصين على الجانب العراقي مزايا إضافية لإثراء الطريق بمحطات اقتصادية على شكل مدن مصغّرة زاخرة بالمرافق والمتاجر ومراكز الثقافة والترفيه.

وتستخدم بكين طرقها الناعمة المعتادة للدخول على خطّ التنافس بين الأقطاب الثلاثة على النفوذ في العراق؛ إيران والولايات المتّحدة وتركيا، والتي لم تتوان في استخدام أساليب خشنة ضمن التنافس. ويمكن للصينيين أن يعوّلوا على استمالة عدد من القيادات العراقية المنتمية إلى أحزاب شيعية موالية لإيران ومناهضة بالنتيجة لنفوذ الولايات المتّحدة في البلاد.

ويمثّل طريق التنمية بالنسبة إلى العراق أملا كبيرا لتحريك العملية التنموية التي شهدت ركودا كبيرا، ولتنشيط اقتصاده وتنويعه بعيدا عن الارتهان لعوائد النفط، ولتوفير مناصب الشغل لأعداد متزايدة من الشبان في البلد الذي شهد انفجارا في أرقام البطالة وارتفاعا في نسبة الفقر بشكل لا يتناسب مع وضعه كإحدى أكبر الدول النفطية في المنطقة والعالم.

◙ الصين تعول على استمالة قيادات القوى السياسية الشيعية العراقية الموالية لإيران والمناهضة بالنتيجة للولايات المتّحدة

وتتمثّل قوة المشروع في إقامته محورا طويلا للمواصلات يربط الخليج العربي بضفة البحر المتوسط عبر الأراضي العراقية والتركية، الأمر الذي يختصر وقت وصول السلع والأفراد ويخفض التكاليف المادية للنقل بشكل كبير. ومن هذا المنطلق أبدت تركيا، الساعية إلى تحويل أراضيها وسواحلها إلى ممرات لإمدادات مواد الطاقة، اهتماما كبيرا بالمشروع وكثّفت اتصالاتها مع بغداد بشأنه.

وبحسب مصادر عراقية فإن اتصالات الجانبين لا تقتصر على الجوانب التقنية والإجرائية لتنفيذ المشروع، والتي تقدّمت التفاهمات بشأنها إلى حدّ كبير، وإنما تمتد أيضا إلى الجانب الأمني الذي يقتضي بحسب نفس المصادر “تنظيف المجال” أمامه من كلّ المعوّقات والمحاذير الأمنية. وذكرت المصادر أن طريق التنمية أصبح نقطة وفاق عراقية – تركية لحسم ملف فلول تنظيم داعش ووجود مسلّحي حزب العمّال الكردستاني على الأراضي العراقية.

وأوضحت أنّ تغاضي السلطات العراقية عن توسّع الأنشطة العسكرية التركية في مناطق شمال البلاد يدخل في باب تسهيل مهمّة تركيا في إنهاء وجود عناصر حزب العمال في المناطق التي سيعبر منها طريق التنمية. وأكّدت أنّ جزءا هامّا من المحادثات المكثّفة التي أجراها مؤخرا رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن مع عدد كبير من المسؤولين العراقيين تعلّق بتكثيف التعاون الأمني والاستخباري لتذليل العوائق أمام مشروع طريق التنمية.

وتستطيع تركيا أن تقدّم إضافات نوعية في جهود القضاء على فلول تنظيم داعش في العراق نظرا لمعرفتها الواسعة بالملف، حيث أنّ الكثير من العناصر الأجنبية في التنظيم كانت قد عبرت أراضي تركيا وأقامت فيها خلال مرحلة احتلاله أجزاء من الأراضي السورية والعراقية، بل تشير بعض المصادر إلى تعامل أجهزة الاستخبارات التركية مع تلك العناصر.

أما الصين فتستطيع وضع قوّتها المالية وخبراتها التقنية الكبيرة في خدمة مشروع طريق التنمية. وقدّم السفير الصيني خلال زيارته لمقر وزارة النقل العراقية مقترحا بعقد مؤتمر في بكين حول طريق التنمية، معلنا عن تكليف الحكومة الصينية لـ”لجنة التنمية والإصلاح” بمتابعة ملف الطريق.

ونقلت وسائل إعلام محلية عراقية عن ميثم عبدالصافي مدير المكتب الإعلامي لوزارة النقل قوله إن السفير تسوي أشار خلال محادثاته مع المسؤولين في الوزارة إلى رغبة بلاده في الدخول في مشروع طريق التنمية على مستوى التنفيذ والاستثمار، متعهّدا بأن تقدّم الصين إضافات نوعية للمشروع كونها قوة اقتصادية عالمية ومصدرا أساسيا لمختلف أنواع السلع والبضائع المتدفقة من الشرق نحو الغرب.

وبشأن الموقف العراقي من الطرح الصيني، قالت وزارة النقل في بيان إنّها عبّرت عن رغبتها في "توسيع الشراكة مع الصين والاستفادة من خبراتها في المجال العلمي والتكنولوجي وتجاربها في مختلف مجالات النقل”. وكشفت عن وجود اتّفاق مع الجانب الصيني “على إعداد دراسة دقيقة تشمل تحديد الجوانب الفنية المتعلقة بمشروع طريق التنمية".

◙ سطوة الميليشيات كثيرا ما مثّلت عاملا منفّرا للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، وأدت إلى إفشال مشاريع حيوية وإبطالها

ويهدف المشروع، الذي تقدّر كلفة إنشائه بسبعة عشر مليار دولار ويشتمل على طريق سريع من عدّة مسارات وسكة حديد تمتد داخل الأراضي العراقية على مسافة 1200 كيلومتر، إلى اختصار مدة السفر بين آسيا وأوروبا عبر تركيا وتحويل العراق إلى محور للعبور يبدأ من ميناء الفاو بجنوب محافظة البصرة. ويشكّل بذلك إنجازا حيويا للعراق الذي شهد ركودا كبيرا في إنجاز المشاريع وتطوير بناه التحتية بسبب ما شهده من عمليات هدر كبيرة للأموال المتأتية من عوائد النفط، جرّاء استشراء الفساد وتغلغله في مختلف مفاصل الدولة.

ويمثّل دخول قوى إقليمية ودولية على خط التنافس على الاستثمار في العراق والعمل في إنشاء بنيته التحية عاملا إيجابيا، بعد أن كان تنافس تلك القوى على النفوذ في البلد قد نحا في السنوات السابقة منحى سلبيا واتّخذ شكل الصراع وحتى الصدام المسلّح غير المباشر على أراضيه على غرار ما هو جار بين إيران والولايات المتحدة حيث تستخدم طهران ميليشيات محلّية في مقارعة الوجود العسكري الأميركي داخل الأراضي العراقية.

ولا يزال تأثير وجود تلك الميليشيات في العراق يتجاوز الجانب الأمني، بمساهمتها في استدامة التوتّر ومنع تحقيق الاستقرار، إلى الجانب التنموي والاقتصادي من خلال تدخّل قادتها ذوي النفوذ الكبير داخل البلاد في عملية إسناد المشاريع للمقاولين والمستثمرين التابعين لها أو المقرّبين منها لضمان موارد مالية ثابتة لتمويل أنشطتها.

وكثيرا ما مثّلت سطوة الميليشيات عاملا منفّرا للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، وأدت إلى إفشال مشاريع حيوية وإبطالها وهو محذور لا يسلم منه مشروع طريق التنمية على الرغم مما يبدو من جدية التعاطي الرسمي معه إلى حدّ الآن.

3