طريق التنمية العراقي يختبر قدرة الشرق الأوسط على التكامل الاقتصادي

ينظر صناع القرار في دول الشرق الأوسط إلى مشروع طريق التنمية العراقي باعتباره فرصة لتعزيز التنمية في المنطقة، ودعم المصالح المشتركة من بوابة التكامل الاقتصادي، لكن تحديات التمويل وتحديد المكاسب وتقاسم الأعباء تبدو من أهم المحاور لتذليل العقبات أمام جعله حقيقة.
إسطنبول - شكل اجتماع وزراء النقل من تركيا والعراق وقطر والإمارات في إسطنبول هذا الأسبوع، لمناقشة مشروع نقل إقليمي بمليارات الدولارات يهدف إلى تسهيل حركة البضائع من آسيا إلى أوروبا عبر العراق، نقطة انطلاق جديدة للشراكات بين هذه الدول.
ولئن كان تذليل العقبات قبل تحقيق المكاسب من أحد المشاريع التنموية الضخمة في الشرق الأوسط لمن يشاركون في عملية التشييد من دول المنطقة يبدو أمرا غاية في الأهمية، إلا أنه يعد نقطة مهمة في إثبات التعاون لرسم حدود تجارية جديدة إقليميا وعالميا.
والاجتماع الذي ناقش الخميس الماضي في قصر دولما بهتشة، محددات رئيسية ترتبط بالتمويل والإدارة وغيرهما، يعتبر فرصة أيضا للدول الأربع للبدء في التنفيذ المشترك والمحكم، خاصة مع وجود منافسة من لاعبين كبار للظفر بحصة، وخاصة الشركات الصينية.
وشارك في الاجتماع وزير النقل والبنية التحتية التركي عبدالقادر أورال أوغلو، ونظيره العراقي رزاق محيبس السعداوي، فيما كانت المشاركة القطرية والإماراتية عبر تقنية الفيديو كونفرانس.
وفي أبريل الماضي، وقّعت هذه الدول في العاصمة بغداد، مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع برعاية رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال السوداني حينها إن محور المشروع، الذي يمتد على طول 1200 كيلومتر من ميناء الفاو جنوبا إلى منفذ فيشخابور على الحدود التركية، وسيمر بأكثر من عشر محافظات عراقية، “سيكون تطوير ميناء الفاو الكبير والمدينة الصناعية الذكية المجاورة له”.
ويهدف المشروع المقترح، والذي تبلغ كلفته التقديرية 20 مليار دولار، إلى تسهيل نقل البضائع من الخليج إلى أوروبا عبر ميناء الفاو الكبير في البصرة في جنوب العراق.
وسيتم ربط الميناء العراقي، الذي يعد المحطة الأولى في هذا الممر التجاري، بتركيا ثم بأوروبا من خلال شبكة واسعة من سكك الحديد والطرق السريعة، وأيضا موانئ ومدن جديدة.
ومن شأن المبادرة، التي كشف عنها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في مايو 2023، أن تحول العراق إلى مركز نقل محوري، مما يعزز النهضة الاقتصادية للبلاد ويعزز التعاون مع جيرانها.
وكان يسمى المشروع سابقا “القناة الجافة”، وتم تغيير اسمه إلى “طريق التنمية” أثناء لقاء الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد ونظيره التركي أردوغان في مارس 2023.
ومن المقرر أن يتم إنجاز المشروع على ثلاث مراحل، تنتهي الأولى في عام 2028 والثانية في عام 2033 والثالثة في عام 2050.
ومن المتوقع عند اكتمال المرحلة الأولى أن يستوعب الطريق أكثر من 35 مليون حاوية سنويا، ما يعني إيرادات تقدر بنحو 4 مليارات دولار سنويا للعراق، إضافة إلى الإيرادات الجانبية.
4
مليارات دولار إيرادات سنوية للعراق بعد اكتمال المرحلة الأولى من الطريق في عام 2028
ويقول خبراء إن هذا يمثل قفزة باتجاه تنوع الاقتصاد العراقي غير المعتمد على النفط، وستكون للطريق عوائد اقتصادية كبيرة على دول المنطقة بشكل عام أيضا، وهو ما كان أحد أسباب حشد هذه الدول الجارة لتأييد المشروع.
وتبدو تركيا من بين أبرز المهتمين به، فهي تعمل بشتى الوسائل للانفتاح أكثر خارجيا والمشاركة في المشاريع الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، بما يحقق لشركاتها إيرادات وأرباحا قد تحميها من المشاكل في السوق المحلية.
ويترقب المقاولون الأتراك خطوات عملية للاستفادة من الفرص الناتجة عن هذا الطريق، إذ يسعون إلى حيازة حصة، خاصة وأن ثمة مستثمرين أجانب كثرا من بينهم الصينيون يريدون الحصول على نصيبهم من كعكعة هذا المشروع الضخم في الشرق الأوسط.
ولا يقتصر الأمر على الشركات التركية، حيث إن الشركات الخليجية تسعى كذلك إلى المساهمة في المشروع، لاسيما وأن له تأثيرا إيجابيا على أعمالها بالنظر إلى ما تتمتع به من ملاءة مالية تمكنها من المساهمة فيه بشكل كبير.
وقبل الاجتماع، قال أورال أوغلو في مقابلة مع تلفزيون هابر تورك “سنتحدث عن المرحلة التي نحن فيها وكيف يمكننا التحرك بشكل أسرع من الآن فصاعدا”.
وأضاف “هناك العديد من القضايا على الطاولة، من تمويل المشروع إلى نموذج البناء والإدارة”، مؤكدا أن المشروع سيساهم بشكل مباشر في تعزيز نظام التجارة العالمي وتنمية الدول المشاركة فيه.
وذكر أورال أوغلو أن السمة الرئيسية للاقتصاد الحديث هو أن الإنتاج متعدد الجنسيات والتدفقات المالية الدولية وحجم التجارة الدولية وصل إلى مستويات كبيرة جدا.
وتعليقا على الاجتماع الوزاري الرباعي، قال “اجتماعنا اليوم (الخميس) ليس فقط من أجل مستقبل قطاعي النقل والخدمات اللوجستية ولكن من أجل المستقبل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لبلداننا أيضا”.
وتابع “من المهم للغاية بالنسبة لنا جميعا أن تكون لدينا مرافق نقل آمنة وسريعة لإقامة التعاون الاقتصادي الذي لا غنى عنه لبلداننا”.
وأكد أن التعاون القائم بين البلدان الأربعة سيكون أقوى بفضل المشروع. وأوضح أنه مهم من حيث المكاسب وسلاسل التوريد، وأنه سيعود بالنفع والفائدة على دول المنطقة برمتها.
وجاء انعقاد الاجتماع في ظل الجهود التي تبذلها بغداد وأنقرة لتحسين العلاقات التي توترت بسبب سلسلة من القضايا، بما في ذلك وجود المسلحين الأكراد في شمال العراق والعمليات العسكرية التركية ضدهم.
وفي أبريل الماضي، قام الرئيس رجب طيب أردوغان بأول زيارة رسمية له إلى بغداد منذ أكثر من عقد، سعيا إلى التعاون من العراق في المعركة ضد حزب العمال الكردستاني، الذي انخرط في تمرد ضد تركيا منذ ثمانينات القرن العشرين.
وأسفرت زيارة أردوغان عن توقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والتجارة وتقاسم المياه.
وقال وزير النقل العراقي رزاق محيبس السعداوي عقب الاجتماع إن “المشروع سيساهم بشكل إيجابي في الاقتصاد العالمي برمته”.
وأضاف “الاجتماع كان مثمرا وجيدا من حيث المعايير، وتطرقنا إلى العديد من القضايا المتعلقة بإدارة المشروع ومراحله. ونحن نعمل على إزالة العقبات التي تحول دون تحقيق هذا المشروع”.
وأردف “يجب أن نعلم أن مشروع طريق التنمية سيقدم مساهمة كبيرة لجميع الدول المشاركة وللمنطقة وللاقتصاد العالمي أيضا”.