طريقة صرف واشنطن لمنحة مالية لتونس تثير جدلا وحكومة بودن ترد: لا أحد يمنّ علينا

إشراك يونيسف في دعم برنامج "أمان" يعكس أزمة ثقة.
السبت 2022/10/15
المنحة ضمن شراكة تونسية - أميركية

أوضحت السفارة الأميركية في تونس أن المنحة المالية التي رصدتها للفئات الهشة تأتي ضمن شراكة مع الحكومة التونسية، لكن ذلك لم ينه الضجة المثارة حول طريقة صرف تلك المنحة بالتعاون مع منظمة يونيسف.

تونس - أثارت المنحة المالية التي رصدتها الولايات المتحدة لتونس لمساعدة الفئات الضعيفة جدلا واسعا على الساحة التونسية، لاسيما حول طريقة صرفها، كما أشاعت مخاوف لدى البعض حيال مآلات الوضع الاقتصادي، وأن تتحول البلاد إلى رهينة للمساعدات والمنح الخارجية، كحال دول تشهد صراعات، في حال فشل برنامج الإنقاذ الحكومي.

وأعلنت الولايات المتحدة الخميس عن تقديم تمويل لتونس بقيمة 60 مليون دولار لتوجيه مساعدات سريعة ومباشرة إلى العائلات محدودة الدخل التي تواجه صدمات اقتصادية مختلفة.

وبحسب بيان أصدرته سفارة الولايات المتحدة لدى تونس فإن الوكالة الأميركية للتنمية الدوليّة رصدت منحة لتونس سترسل إلى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) كدعم مباشر لهذه العائلات، وستشمل التكاليف الأساسية المتعلقة بالعودة المدرسية.

وأحدث البيان لغطا واسعا لاسيما وأنه ألمح إلى أن الدعم لن يقدم للحكومة التونسية، بل سيمر عبر يونيسف، وذهب البعض إلى القول بأن ذلك يعكس موقف الإدارة الأميركية من السلطة السياسية القائمة، فيما رأى آخرون بأنه يعكس أزمة ثقة، وأن واشنطن تخشى من أن يتم اعتماد تلك الأموال في سداد نفقات أخرى.

ونفى وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي الجمعة ما تمّ تداوله بشأن المنحة، معتبرا أنّ “أطرافا تصطاد في الماء العكر وتعمل لصالح أجندة سياسية معروفة” هي التي تقف وراء إثارة هذا الجدل.

وأكّد الزاهي أنّ هذه المساعدات ستوزّع من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية عبر الهيئة العامة للنهوض الاجتماعي من خلال فروعها المحلية والأخصائيين الاجتماعيين، وذلك ضمن برنامج الأمان الاجتماعي الذي أعدّته الدولة التونسية للنهوض بالفئات الهشة والعائلات الفقيرة ومحدودة الدخل.

وقال وزير الشؤون الاجتماعية ”ما من دولة تمنّ على تونس وتلغي دورها وتقدّم مساعدات مباشرة (…) هذه المساعدات تكون دائما عبر مؤسسات الدولة وفي هذه الحال وزارة الشؤون الاجتماعية والهيئة العامة للنهوض الاجتماعي”.

وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية ”من رمى نفسه للخارج ممنوع أن يعطينا دروسا في الكرامة (…) لن تثنينا كل المحاولات الفاشلة عن إنجاح المسار”، ومضى قائلا ”التعاون الدولي ليس بجديد في تونس وفي العالم (…) ولكن بشروطنا وبرامجنا وأفكارنا الخاصة”.

وأشار في هذا السياق إلى أنّ تونس أعدت برنامجا وطنيا لدعم الفئات الهشة والعائلات المعوزة بالتعاون مع دول صديقة على غرار ألمانيا والولايات المتحدة والمنظمات الدولية العريقة مثل يونيسف.

وسيمتد برنامج المساعدات المذكور على أحد عشر شهرا، وستواصل الدولة بعد ذلك تنفيذ هذا البرنامج على ميزانيتها الخاصة. وأوضح الزاهي أنّ “ذلك يأتي ضمن برنامج الاستثمار في رأس المال البشري الذي يستهدف الأطفال من أبناء العائلات المعوزة ومحدودة الدخل”.

ناتاشا فرانشيسكي: المبادرة تبرهن على التزام الولايات المتحدة تجاه الشعب التونسي

وكانت السفارة الأميركية أصدرت لاحقا بيانا توضيحيا حيال المنحة المثيرة للجدل، حيث أكدت أن الولايات المتحدة ووزارة الشؤون الاجتماعية التونسية ومنظمة يونيسف أطلقت برنامجا بقيمة 60 مليون دولار لتوسيع تغطية برنامج “الأمان الاجتماعي” في تونس لتقديم المزيد من الدعم المباشر للأطفال وللعائلات محدودة الدخل في جميع أنحاء البلاد.

وسيتم من خلال هذا البرنامج تمتيع أطفال العائلات محدودة الدخل بمساعدات فورية في سياق يواجه فيه العالم تحديات اقتصادية واجتماعية تفاقمت بسبب ارتفاع التكاليف عالميا جراء الأزمة في أوكرانيا.

وستسند المنحة في إطار تحويلات نقدية شهرية لفائدة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و18 سنة والمنتمين إلى الأسر المعوزة ومحدودة الدخل وذلك لفائدة 305 آلاف طفل، إضافة إلى مجموعة من التدابير المصاحبة من أجل جودة الخدمات الاجتماعية.

وبحسب بيان السفارة، فقد تمّ إطلاق مشروع الشراكة خلال حفل بإشراف وزير الشؤون الاجتماعية والقائمة بأعمال السفارة الأميركية بتونس ناتاشا فرانشيسكي، ونائبة مساعد مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ميغان دوهرتي والمنسق المقيم للأمم المتحدة أرنو بيرال، والممثلة بالنيابة لمنظمة يونيسف بتونس سيلفيا تشياروتش وبحضور عدد من إطارات الوزارة.

وقالت القائمة بأعمال السفارة الأميركية إن هذه المبادرة التي تقودها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تبرهن على التزام الولايات المتحدة تجاه الشعب التونسي، مؤكدة أن هذا الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة سيساعد من خلال منظمة يونيسف على تحويل مساعدات فورية للتونسيين من ذوي الدخل المحدود الذين يواجهون صعوبات اقتصادية، مؤكدة التزام بلادها بدعم المجتمع المدني التونسي والقطاع الخاص في سعيهما لتعزيز الديمقراطية.

ومن جهتها بينت نائبة مساعد مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ميغان دوهرتي أن هذه الاتفاقية الجديدة تندرج في إطار نجاحات الوكالة وشراكتها مع وزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمة يونيسف لمساعدة التونسيين من ذوي الدخل المحدود.

ويرى مراقبون أن إشراك منظمة الأمم المتحدة للطفولة في هذا البرنامج يعكس في واقع الأمر عدم ثقة أميركية في أن تذهب الأموال المرصودة إلى الفئات المستهدفة، كما حصل مع منح ومساعدات سابقة وظفتها بعض الحكومات المتعاقبة منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011 في سد ثغرات مالية منها تلك المرتبطة برواتب الموظفين العموميين.

وتشكل رواتب العاملين في القطاع العمومي الذين تضخمت كتلتهم بشكل كبير بعد الثورة استنزافا كبيرا لخزينة الدولة، خصوصا وأن معظمهم يعملون في قطاعات غير منتجة.

وتخوض الحكومة التونسية اليوم مفاوضات صعبة مع صندوق النقد الدولي على التوصل إلى اتفاق معه بشأن قرض يتراوح بين 2 و4 مليارات دولار أي ما يعادل ما بين 5.6 و13 مليار دينار على امتداد ثلاث سنوات.

الولايات المتحدة تقدم تمويل لتونس بقيمة 60 مليون دولار لتوجيه مساعدات سريعة ومباشرة إلى العائلات محدودة الدخل
الولايات المتحدة تقدم تمويل لتونس بقيمة 60 مليون دولار لتوجيه مساعدات سريعة ومباشرة إلى العائلات محدودة الدخل

وتبقى استجابة الصندوق لدعم تونس رهينة استجابة الحكومة لجملة من الإصلاحات المؤلمة من ضمنها إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية، وأيضا ضبط كتلة الأجور، وتصطدم الحكومة في ذلك بمعارضة شديدة من قوى مجتمعية فاعلة يتصدرها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد).

ويحذر خبراء تونسيون من أن فشل تونس في الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي قد يقود إلى سيناريوهات خطيرة لا يمكن تخيلها.

واعتبر الخبير الاقتصادي راضي المدب أن بداية الحل للأزمة الاقتصادية الحالية في تونس هي في التوصل إلى اتفاق مع الصندوق لأن كل الأطراف الخارجية تربط تدخلها واستثماراتها في تونس بهذا الاتفاق، مشيرا إلى أن المنحة التي رصدتها الولايات المتحدة لا تقدم أو تؤخر في الوضع شيئا.

وعبر المدب في تصريحات لوسائل إعلام محلية عن تخوفه من التوصل إلى اتفاق بين تونس وصندوق النقد والدولي يصعب تطبيقه أو قبوله اجتماعيا، ما يدفع الصندوق إلى سحب تمويلاته، خاصة في ظل تصريحات قيادات اتحاد الشغل التي تؤكد أن الزيادة في رواتب القطاع العام والوظيفة العمومية لا تعد صكا على بياض للحكومة وأنهم لا يعلمون إلى حد الآن فحوى الإصلاحات التي تتفاوض الحكومة حاليا بشأنها مع النقد الدولي.

وأضاف المدّب أن صندوق النقد الدولي ليس بنكا، بل مؤسسة مالية تواكب الإصلاحات الهيكلية لبعض الدول وتساعدها في تطبيقها، مستبعدا أن تتحصل تونس على أكثر من ملياري دولار من صندوق النقد.

وأشار إلى أن هذه الدفوعات في حال تم الحصول عليها سيتم صرفها على مراحل مع مراقبة دورية من الصندوق لمدى تطبيق الإصلاحات المتفق حولها. مشددا على أنه وفي حال عدم تطبيق هذه الإصلاحات فإن الصندوق بإمكانه سحب الاتفاق في أي وقت.

وكانت تونس أبدت تفاؤلا بشأن قرب التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

4