طريقة جلوس الرجال في المواصلات العامة تطبق على أنفاس النساء

برلين ـ تثير طريقة جلوس الرجال في وسائل النقل العمومي حنق العديد من النساء اللواتي عبّرن عن تبرمهن من تعمد الذكور فتح سيقانهم في المقاعد إلى درجة ملامستهن.
ولا يزال هذا السلوك يمثل مشكلة في المواصلات العامة بالمدن في مختلف أنحاء العالم، رغم تدشين حملات عامة غالبا ما تحمل شعارا قد يراه البعض صفيقا، يطلب من الرجال عدم الجلوس منفرجي الساقين بحيث يحصلون على مساحة أوسع من المقعد، وهذه الظاهرة المؤسفة تعرف باسم “مد الرجال للساقين”.
وتكررت شكاوى راكبات مترو الأنفاق بنيويورك من تعرضهن للسحق وبلا رحمة من قبل الركاب الذكور، الذين لا يبالون بهن ولا يفسحون لهن المجال للجلوس بأريحية في المقاعد المحاذية لمقاعدهم.
وتداولت وسائل الإعلام الأميركية صورا اتخذت خلسة بكاميرات المراقبة لبعض الذكور الذين تعمدوا الجلوس بفتح سيقانهم في الحافلات والقطارات.
وقارنت كاتبة العمود الصحفي مارغريت ستكوفسكي في مقال لها بمجلة دير شبيغل الألمانية عام 2017، بين سلوك بعض الرجال عندما يجلسون في المواصلات العامة ويمدون سيقانهم دون مراعاة للمساحة المطلوبة لمن يجلس بجوارهم، خاصة السيدات، وبين الأتربة عند القيام بتنظيف المنزل، قائلة “بمجرد أن يلتفت نظرك إليه، ستجدينه في كل مكان”.
ومن نيويورك إلى مدريد وفيينا وبرلين، يوجه المسؤولون بمترو الأنفاق تعليمات للرجال بالتوقف عن هذا السلوك.
وكتبت هيئة مترو الأنفاق في برلين بصفحتها على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، تقول إنه ليس هناك سبب من الناحية التشريحية يدعو الرجال إلى مد سيقانهم إلى الخارج وهم جلوس في المواصلات العامة، ووجهت تعليمات إلى الركاب تقول “ضموا الركب، أيها الرجال”.
ولفت هذا السلوك الرجالي الذي يكاد يصبح ظاهرة أنظار طالبتين تدرسان الفن وتقيمان في برلين، وقد قررتا المشاركة في حملة مضادة لذلك السلوك تحت مسمى “مشروع السروال المشاغب”.
ومن أجل توصيل رسالتهما للجمهور، قامت الطالبتان إلينا بوسكاينو (26 عاما)، ومينا بوناكدار (25 عاما)، بطبع شعارات على منطقة بين الفخذين بالسراويل معارضة لهيمنة الذكور، ويمكن للفتاة التي ترتدي هذا السروال أن توصل الرسالة إلى الجالس على المقعد المقابل لها، وذلك عن طريق مد سيقانها على جزء من المقعد المجاور لها.
وحمل أحد السراويل عبارة “توقف عن توسيع مساحة جلوسك” وآخر عبارة “الذكورة السامة”.
هذا السلوك مازال يمثل مشكلة في المواصلات العامة، رغم حملات تطلب من الرجال عدم الجلوس منفرجي الساقين
ولا يتعلق الأمر بالسلوكيات السيئة فحسب، وإنما أيضا بوجوب أن يتحلى المرء بمراعاة مشاعر الآخرين واحترام المساواة، وذلك بالبدء في التذكير بالأشياء الصغيرة.
أما في بريطانيا، فلم تتم إثارة هذه القضية عن طريق السراويل، فقد قررت الفنانة ليلى لوريل تناولها بطريقة مختلفة، باستخدام المقاعد.
وخطرت الفكرة على ذهن لوريل بعد أن تعرفت على موقع إلكتروني يحمل اسم “مشروع التحيز اليومي ضد جنس النساء”، وأسست الموقع في عام 2012 كاتبة تنتمي للحركة النسوية، تدعى لاورا بيتس، لإتاحة الفرصة أمام النساء لمشاركة تجاربهن مع أخريات حول التحيز ضدهن، دون الكشف عن هويتهن.
وصنعت بيتس زوجين من المقاعد الخشبية، وهي تقول “مقعد لرجل يشجعه على الجلوس عليه وساقيه مضمومتين، ومقعد آخر لامرأة يشجعها على الجلوس وساقيها منفرجتين”.
ووصفت المشروع بأنه نوع من الاستقصاء الفني، ليس الهدف منه إظهار الجدية، أو أن يكون مباشرا وقويا، وهي تعرب عن اعتقادها بأن هذه المقاعد “تضيف زاوية مادية لقضية تواجهها النساء، ولكن بطريقة تتسم بالمرح والتجريد.. هذا هو الهدف الرئيسي في المشروع”.
من جانبها أطلقت الهيئات المشرفة على قطاع النقل بالمملكة المتحدة، حملة إعلانية بهدف محاربة هذه الظاهرة. وتحت شعار “بلغي عنه لنضع حدا له” وجهت السلطات المعنية نداء للنساء اللاتي يتعرضن لتحرشات جنسية في وسائل النقل.
وكشفت الإحصائيات عن حدوث حوالي 9599 اعتداء جنسيا عام 2015 بوسائل المواصلات العمومية، فيما اعتبرت شرطة النقل العمومي البريطانية أن الرقم يعد منخفضا مقارنة بالعام قبل الماضي الذي شهد 10958 حالة.

وأرجعت سبب الانخفاض إلى توسيع نطاق استخدام كاميرات الرصد والمراقبة، بالإضافة إلى تواجد وحدات شرطة النقل في أنفاق المترو ومداخلها الرئيسية.
بدورها اتخذت العاصمة الإسبانية موقفا جادا للحد من جلوس الرجال بساقين متباعدتين أو مفتوحتين في المواصلات العامة والقطارات والحافلات.
وتخطط شركة النقل البلدية في مدريد إلى تركيب لافتات جديدة في جميع المواصلات والسيارات في ما يهدف إلى إيقاف التعدي على المساحات الشخصية للآخرين.
وقالت الشركة في بيان “يشير رمز المعلومات الجديدة إلى حظر اتخاذ موضع جلوس يزعج الآخرين”. وأضافت أنها اتخذت هذه الخطوة لتذكير المستخدمين بالالتزام بالمسؤولية المدنية، واحترام الآخرين أثناء ركوب المواصلات.
وفي اللافتة التي تداولتها شركة النقل يجلس رجل مفتوح الساقين في مقعد بمترو الأنفاق، فضلا عن علامة “اكس” كبيرة بخط أحمر في إشارة إلى أن هذا أمر غير مقبول.
وقبل أعوام انطلقت في تركيا حملة تحت شعار “ابعد رجلك عني في المواصلات العامة”، أطلقتها ناشطات مدافعات عن حقوق المرأة لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسي في وسائل النقل العمومي.
ولاقت الفكرة استحسان الكثير من النساء، حتى أنهن قمن بنشر العديد من الصور لرصد مشاهد التحرش التي تعرضن إليها بسبب طريقة جلوس الرجال في وسائل النقل العمومي.
وفي الوقت الذي يتساءل فيه المدافعون عن حقوق المرأة عما إذا كانت مثل هذه الحملات ستكون رادعا للمتحرشين، أعطى خبيران بريطانيان مبررا علميا عن سبب فتح الرجال سيقانهم أثناء الجلوس في وسائل النقل قد لا تسر به النساء ويمكن أن يزيد من تمادي الركاب في مضايقة الراكبات.
واستعان الباحثان أش بينينغتون ومارك سكينر بمجموعة من البيانات لتفسير أسباب جلوس الرجال في وضعية الانتشار على الكراسي بوسائل النقل العمومي، مؤكدين أن الذكور يختلفون عن الإناث في نسب تركيب الجسد، فأكتاف الرجال تكون عالية نسبيا قياسا إلى النساء الأمر الذي يجعلهم يفتحون سيقانهم عند الجلوس لإحداث نوع من التوازن بين أكتافهم وأوراكهم.
وكشفت البيانات التي اعتمدوا عليها أن الفارق في المسافة بين وركي وكتفي الرجل 28 في المئة مقارنة بالنساء اللاتي لديهن فارق لا يتعدى 3 في المئة فقط. ولذلك فمن وجهة نظر الباحثين لا يستطيع الرجال ضم أرجلهم أثناء الجلوس من أجل إحداث نوع من التوازن في أجسادهم، وليكونوا في وضع أكثر راحة وليس غرضهم إزعاج من بجانبهم.