طريقة تطوير التعليم تقوّض ثقة المواطن بالحكومة المصرية

القاهرة - راهن الحكومة المصرية على خطوات تطوير التعليم التي بدأتها قبل خمسة أعوام وتؤمن بأنها تسير في الطريق الصحيح بعد أن أصابت المنظومة التعليمية حالة من التردي تطلبت إرادة سياسية لإدخال تعديلات جذرية عليها، غير أن الخطوات التي اتخذت لم تقنع قطاعا كبيرا من المواطنين المتفاعلين بشكل مباشر مع العملية التعليمية بما وضع الحكومة أمام رفض شعبي مستمر لتوجهاتها.
ويحتل الحديث عن تطوير التعليم مكانة متقدمة في خطابات الرئيس عبدالفتاح السيسي، ويحرص على توفير حصانة يحتاجها وزيرالتعليم طارق شوقي لمواصلة طريقه القائم على الانتقال من الأسس التقليدية إلى الحديثة من دون توفير الأجواء والآليات التي تضمن النجاح.
وتطرق السيسي خلال مشاركته في مؤتمر “إطلاق المشروع القومي للأسرة المصرية” قبل أيام إلى مشكلات التعليم، قائلاً “حينما تدخلت الدولة لعلاج وحل مشكلات التعليم، الدكتور طارق شوقي خد (أخذ) على دماغه لما مات”، في إشارة إلى حجم الرفض الشعبي لخطوات تطوير التعليم.

كمال مغيث: ملف التعليم قاد إلى غضب شعبي تجاه أداء الحكومة
وضرب مثلا بالاختبارات التي عقدتها وزارة الاتصالات لتقديم منح لخريجي كليات الهندسة والحاسبات في مجال البرمجة، قائلا إن “البرنامج تقدم له 300 ألف طالب ولم يجتز الاختبارات للتأهل سوى 111 طالبا لسوء مستوى التعليم”.
وحاز هذا التصريح على تفاعل كبير في أوساط شعبية وتربوية ترى أن هناك توافقا على ضرورة إصلاح المنظومة التعليمية وتتماشى مع الإمكانيات المحلية التي تضمن نجاح تلك الخطط، وتكون نقطة الانطلاق نحو التطوير متفقا عليها في ظل تجاوز الحكومة لمشكلات عجز المدارس والمعلمين وتدريبهم.
وتكمن أزمة الحكومة مع ملف التعليم في أن الدعم الذي تقدمه لأكبر الوزارات الخدمية ذات الارتباط المباشر بالمواطنين لا يحظى برضاء شعبي، في حين أنها كانت تنتظر أن يلقى ذلك قبولاً بعد أن تعددت المطالبات بهدم المنظومة القديمة، حيث يقيس الرأي العام خطوات الحكومة نحو إصلاح التعليم على مجالات أخرى.
والتقطت دوائر معارضة الفجوة الواسعة بين سياسات تطوير التعليم وبين التطبيق على أرض الواقع للتأكيد على أن المشروعات التنموية والإنشائية تعاني من نفس الفجوة، وما يروج له النظام على أنه نجاح في ملفات مرتبطة بالاقتصاد تتوارى خلفه أزمات عدة، ما يقوض الثقة التي تعمل الحكومة على ترسيخها مع الرأي العام.
ويرمي انخراط النظام المصري في البحث عن حلول للأزمات الاجتماعية القائمة وتوالي المبادرات التي تستهدف تحسين جودة الحياة للمواطنين إلى ترميم جدار الثقة بين الحكومة وفئات على قناعة بأنها ستكون أمام مزيد من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يجعل هناك مخاوف من أن يصبح التعثر على المستوى الخدمي خطراً يحمل داخله جملة من الأبعاد السياسية في المستقبل.
وقال الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية (حكومي) كمال مغيث إن ملف التعليم قاد بالفعل إلى حالة من الغضب الشعبي تجاه أداء الحكومة وقوّض المساعي التي تهدف إلى بناء علاقة قائمة على الثقة مع قطاعات واسعة من المواطنين، وبدت هناك قناعة حكومية وشعبية بأن تغيير الأشخاص ليس الحل والمطلوب هو التراجع عن سياسات تعليمية ضاعفت أعباء الأسرة ولم تحقق المرجو منها على الأرض.
الحكومة المصرية تراهن على خطوات تطوير التعليم التي بدأتها قبل خمسة أعوام وتؤمن بأنها تسير في الطريق الصحيح بعد أن أصابت المنظومة التعليمية حالة من التردي
وأوضح مغيث في تصريح لـ”العرب” أن الدعم الحكومي المستمر لملف تطوير التعليم يرجع إلى وجود قناعة من جانب الحكومة بأن تحسين جودة التعليم وفقاً لأسس قديمة تقوم على تحسين أحوال المعلمين وتطوير المدارس أمر بحاجة إلى 20 مليار دولار، في حين أن الدولة ليس لديها الإمكانيات الكافية لذلك في الوقت الحالي.وتسبب انخفاض نسبة النجاح في شهادة الثانوية العامة (البكالوريا)، بعد تطبيق نظام تقويم جديد ترتب عليه هبوط النسب العامة للدرجات، في اندلاع مظاهرات أمام مقر وزارة التربية والتعليم الصيف الماضي واضطرت الحكومة للتدخل من أجل إنهاء الأزمة التي أثارها قرار رفع مصروفات المدارس الحكومية وربطها بتسليم الكتب.
ولعل ما يشكل عاملاً إضافيًا في تعقيد علاقة المواطنين بالحكومة أن قطاعات واسعة على يقين بأن خطوات التطوير تتماشى مع السياسة العامة للدولة التي تقوم على خفض نسب دعم الخدمات بوجه عام وفقًا لاستراتيجيات تحرير الاقتصاد المصري.
كما أن عدم قدرة شريحة من المواطنين على مجاراة متطلبات التعلم بالأساليب التكنولوجية يقود إلى تقديم الدعم إلى قلة من طلبة الجامعات والخريجين على أن تتكفل النسبة الأكبر من أسر حوالي ثلاثة ملايين خريج كل عام بمسؤولية تعليم أبنائها.
وترى دوائر حكومية أنه لا مجال في ذلك سوى السير في الطريق الذي بدأته قبل سنوات وأحدث بالفعل طفرة على مستوى تقدم التعليم، حسب مؤشرات المعرفة الدولية، على أن يكون هناك تفعيل أكبر على مستوى دور البرلمان والجهات الرقابية للتعبير عن وجهة نظر المواطنين في بعض الخطوات التي لا تمس سياسة التطوير العامة، الأمر الذي ظهرت بوادره في رفض البرلمان تمرير تعديلات قانون التعليم أكثر من مرة.