طرح فرنسي للتضحية برجل الاستخبارات الجزائري القوي لتسوية الأزمة بين البلدين

الجزائر - وجه الكاتب والإعلامي الفرنسي المثير للجدل نيكولا بو، اتهامات صريحة لمدير الأمن الداخلي عبدالقادر حداد بالوقوف وراء زعزعة العلاقات بين الجزائر وفرنسا، وألمح بأنه سيكون كبش فداء مقابل التطبيع بين البلدين، الأمر الذي يعد ردّا بالمثل على مساعي اختراق جزائرية لبنية السلطة الفرنسية، من خلال تركيز خطابها على اتهام اليمين الفرنسي بإثارة الأزمة غير المسبوقة.
وأوحى بو، بمحاولة فرنسية لاختراق بنية السلطة الجزائرية، من خلال استهداف دائرة مكافحة الجوسسة (الأمن الداخلي)، التي يديرها الجنرال حداد المعروف بـ”ناصر الجان”، عبر خلق حالة من التجاذب بين الرجل القوي في جهاز الاستخبارات وبين مؤسستي قيادة أركان الجيش ورئاسة الجمهورية.
ويبدو أن الكاتب الفرنسي المثير للجدل، من خلال سلسلة من المؤلفات التي أنجزها لابتزاز نخب سياسية حاكمة في عدد من الدول العربية، يريد الرد عن الخطاب الجزائري الرسمي والإعلامي، الذي ما فتئ يتهم دوائر اليمين المتطرف، بافتعال أزمة بين البلدين تتعدى الخلافات السياسية إلى خلفيات تاريخية تترجم المقاربة الاستعمارية القديمة.
وذهب الكاتب في مقال نشره على صحيفة “موند أفريك”، إلى افتراض سيناريو التجاذب داخل هرم السلطة، بين الجهاز المضاد للجوسسة، وبين مؤسستي قيادة الأركان العسكرية ورئاسة الجمهورية، ويطرح الجنرال القوي “ناصر الجن”، ككبش فداء مقابل تطبيع العلاقات بين البلدين، وهو ما يعمق الخلافات أكثر بين البلدين، في ظل تمسك السلطة بالرجل الذي عينته في المنصب من أجل استتباب الأمن الداخلي ورصد حركة الدوائر المعادية.
وربط الإعلامي الفرنسي رئيس المخابرات الجزائرية الداخلية حداد بجناح المدير السابق لجهاز الاستخبارات الجزائرية، الجنرال محمد مدين (توفيق)، واعتبره ذراعه العملية داخل الجهاز، والحامل لأفكاره وطروحاته التي يوحيها له من وراء الستار، رغم أنه أحيل على التقاعد عام 2015، من قبل الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، في إطار المراجعة التي أردها الأخير على تركيبة وبنية الجهاز آنذاك.
ولا يعرف إن كانت المغامرة الجديدة لنيكولا بو، مع جهاز الاستخبارات الجزائري، هي حلقة من مسلسل الابتزاز الذي دأب عليه مع نخب سياسية حاكمة في بعض الأقطار العربية، أم دور جديد أسند له، لإدراكه بأهمية وثقل الجهاز في تركيبة النظام السياسي الجزائري.

وقال “المخابرات الفرنسية تعتبر الجنرال عبدالقادر حداد، هو المحرض الحقيقي على الحملة العنيفة التي يقودها الناشطون الجزائريون في فرنسا. ولا يهاجم هؤلاء المعارضين للنظام فحسب، بل يهاجمون أيضا الرجلين القويين في البلاد، الرئيس تبون والجنرال شنقريحة. ويقوم مرتزقة التضليل هؤلاء بمهاجمة الحياة الخاصة للرجلين وأسرتيهما وحلفائهما داخل الحكومة. لكن الروابط بين هؤلاء النشطاء ورئيس مكافحة التجسس أصبحت الآن مؤكدة ومعروفة في باريس والجزائر.”
ويقصد بذلك بعض الناشطين والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، الذين شنوا حملات مضادة استهدفت معارضين للسلطة في فرنسا، والذين أوقف الأمن الفرنسي عددا منهم بتهم ترويج خطاب الكراهية والعنف والإرهاب، وقامت وزارة الداخلية بترحيلهم قسرا إلى بلدهم الأم، غير أن السلطات الجزائرية رفضت استلام اثنين منهم.
ويشير إلى وجود مفاوضات سرية، يتابعها قصر الإليزيه عن كثب، بين باريس والجزائر من أجل إطلاق سراح الكاتب الفرانكو جزائري بوعلام صنصال، الموقوف منذ منتصف شهر نوفمبر الماضي، بتهم تهديد الأمن القومي والمساس بأمن واستقرار البلاد.
وقال نيكولا بو “المحادثات السرية التي بدأت بين مؤسستي الرئاسة في باريس والجزائر، بشأن الإفراج المحتمل عن صنصال، امتدت إلى عدد معين من القضايا الحساسة، حيث حدد كل طرف شروطه قبل التوصل إلى حل ينهي العلاقات التي أصبحت متوترة للغاية بين البلدين بعد الاعتقال التعسفي للكاتب”.
وركز الكاتب على موقع وثقل الجنرال الجزائري، عبر استعراض مسيرته منذ علاقته الوثيقة مع مدير جهاز الاستخبارات السابق (توفيق)، عندما اشتغل الرجلان معا في نفس الجهاز بين 1992 و1998، وهي الفترة التي شكلت ذروة الحرب الأهلية في الجزائر، ثم عودته من اسبانيا عام 2020 لشغل منصب مسؤول دائرة مكافحة التخريب، بعدما فر إليها خوفا من أن يلقى نفس مصير السجن، عندما كان قائد الجيش السابق الراحل أحمد قايد صالح، بصدد إعادة ترتيب أوراق المؤسستين العسكرية والأمنية، وتطهيرهما من العناصر المحسوبة على الجهاز السابق، بدعوى محاربة الفساد.
ولفت إلى أن “هذه الشخصية القوية كان بإمكانها أن تحد من مساحة تحرك الرئيس المنتخب تبون. ومن الأفضل أن يكون معك وليس ضدك. وتلت ذلك فترة طويلة من المفاوضات، أدت في النهاية، خلافا لكل التوقعات، إلى تعيينه رئيسا لجهاز مكافحة التجسس، ولكننا نعلم أن ذلك تم بعد أن تظاهر بالانضمام إلى عشيرة الرئاسة.”
وتوقع الكاتب، أن “يتم تهميش هذا الرجل القوي في الأجهزة الجزائرية في الأسابيع المقبلة باسم التسوية واسعة النطاق التي يتم تشكيلها بشكل مؤلم بين باريس والجزائر. في الواقع تعتبره الأجهزة الفرنسية المحرض الحقيقي للحملة التي أطلقتها في فرنسا على شبكات التواصل الاجتماعي، ضد بعض الشخصيات من الدرجة الثانية ذات الملفات الشخصية المشكوك فيها، والتي تبدو مصممة على مهاجمة الجالية الجزائرية في فرنسا، التي تعد موطنا للعديد من المعارضين للنظام الجزائري.”
ويرى بأنه “في نظر مستشاري الرئيسين تبون وماكرون، فإن رحيل رئيس مكافحة التجسس الجزائري فقط من شأنه أن يفتح صفحة جديدة في العلاقات الفرنسية الجزائرية، والتي من شأنها أن تسمح، بالمناسبة، بوضع حد للمخرجات غير المجدية المتمثلة في حبس كاتب استفزازي، معروف بعدائه لبلاده في الكثير من الأحيان، بسبب جريمة رأي بسيطة. بشرط أن يتوقف جزء من الطبقة السياسية الفرنسية الذي لا يزال معادياً بشدة للجزائر عن إصدار تصريحات مضادة ضد الدولة الجزائرية المتهمة بكل الشرور.”