طالبان تدخل في حملة انتخابية مع تقدم محادثات السلام الأفغانية

توجس داخل أفغانستان من خطاب الحركة الليّن، واجتماع أبوظبي يدفع قطار السلام.
السبت 2018/12/29
ورود سلام ملغومة

كابول – تحاول طالبان إظهار أنها تغيّرت عن أيام الوحشية التي أظهرتها في التسعينات عندما حظرت الموسيقى ومنعت تعليم البنات ونفذت إعدامات علنية في أستاد كرة القدم في كابول، تزامنا مع التحركات المتزايدة نحو السلام.

وفي ظل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب خفض عدد قوات بلاده الـ14 ألفا إلى النصف تقريبا ووجود تقارير إعلامية تشير إلى ضغط أميركي أدى إلى تأجيل انتخابات الرئاسة لاستشعار آفاق مفاوضات السلام، التقطت الحركة الرسائل سريعا بتصعيد خطابها أملا في تحسين شروط المفاوضات.

ويبقى الداخل الأفغاني المتخوف من سياسات الحركة المتشددة، الجزء الأهم في استراتيجية طالبان الداخلية، حيث تسعى إلى تهدئة الخواطر والانفتاح أكثر على المجتمع الأفغاني في جزء من مطالبه على الأقل.

وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد لرويترز في مقابلة “إذا حل السلام وعادت طالبان فلن تكون بنفس الأساليب القاسية كما كانت في 1996″، مشيرا إلى العام الذي سيطرت فيه الحركة على السلطة في كابول قبل الإطاحة بها في الغزو الذي قادته القوات الأميركية في 2001.

وأضاف مجاهد “نريد أن نؤكد للمواطنين الأفغان أنه لن يكون هناك خطر على أحد من جانبنا”. وجاءت تصريحات المتحدث باسم طالبان بينما زادت وتيرة التحركات نحو مفاوضات السلام بعد سلسلة اجتماعات بين المبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاد وممثلين للحركة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

وزادت التوقعات بتحول حاسم في وضع البلاد بعد تقارير عن أن الولايات المتحدة قد تسحب أكثر من 5000 جندي منها وذلك في تغيير مفاجئ للاستراتيجية الأميركية السابقة التي قامت على تصعيد الضغط العسكري على طالبان.

ذبيح الله مجاهد: نريد أن نؤكد للمواطنين الأفغان أنه لن يكون هناك خطر على أحد من جانبنا
ذبيح الله مجاهد: نريد أن نؤكد للمواطنين الأفغان أنه لن يكون هناك خطر على أحد من جانبنا

ويخشى مراقبون أن يضعف قرار ترامب الموقف التفاوضي لخليل زاد، وأن يرفع من جهة معنويات طالبان ويثبط من جهة أخرى عزيمة القوات الأفغانية التي تتكبّد خسائر بشرية فادحة جرّاء هجمات الحركة، حيث يتخوّف بعض الأفغان من سقوط الحكومة الأفغانية وعودة الحرب الأهلية إلى البلاد.

وكثر الحديث مؤخرا على إثر اجتماع ممثلين عن الحركة بالمبعوث الأميركي للسلام في العاصمة الإماراتية أبوظبي بمشاركة كل من السعودية وباكستان، عن ترتيبات أميركية لتشكيل حكومة انتقالية في كابول، وهو ما أشارت إليه الحركة عبر مطالبتها بضمانات إماراتية سعودية باكستانية للمضي قدما في المفاوضات.

وقال مسؤولون من طالبان تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، إن الوفد الأميركي يضغط من أجل وقف لإطلاق النار مدته ستة أشهر، بالإضافة إلى اتفاق على ممثّلين لطالبان في حكومة تسيير أعمال مستقبلية.

وأكد مسؤول بارز من الحركة “إذا أصبحت هذه الدول الثلاث، السعودية والإمارات وباكستان، ضامنة وإذا نصبت الولايات المتحدة رئيسا نرشحه نحن لحكومة تسيير الأعمال في أفغانستان، فإننا سنفكر في وقف إطلاق النار”.

وأثارت تقارير الانسحاب الأميركي غير المؤكدة القلق لدى الكثير من الأفغان الذين لهم تجارب مريرة مع حكم الحركة المتشددة.

وقال بلال صديقي المتحدث باسم لجنة حقوق الإنسان المستقلة في أفغانستان “لا أعتقد أن عقليتهم تغيرت لكنهم أدركوا أنهم لن يكونوا مقبولين من المجتمع الدولي إذا لم يحترموا حقوق الإنسان”. وبينما يرجح أن تظل أفغانستان معتمدة على المساعدات الأجنبية لسنوات تدرك طالبان أنها لا يمكنها العودة إلى الماضي عندما اجتاح مقاتلوها كابول بعد فوضى الحرب الأهلية في التسعينات، لكن الحركة تصر على أنه ستكون هناك عودة إلى تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية إلى جانب إصرارها على انسحاب القوات الأجنبية.

ومع ذلك يشك الكثير من الأفغان في ادعاءاتها أنها مالت إلى اللين حتى في الوقت الذي تتوق فيه إلى نهاية للحرب.

وفي يونيو عبّر قادة طالبان عن غضبهم لأن مقاتلي الحركة التقطوا صورا بالهواتف المحمولة (سيلفي) مع الجنود والمسؤولين الأفغان وتناولوا الآيس كريم (بوظة) مع المواطنين خلال وقف لإطلاق النار مدته ثلاثة أيام. وبعد انتهاء وقف إطلاق النار بوقت قصير شنت الحركة هجمات عنيفة في أقاليم استراتيجية في محاولة لطرد القوات الحكومية منها واستخدمت مدنيين دروعا بشرية.

وقال رجل شرطة تبلغ مدة خدمته 12 عاما ويخدم الآن في إقليم فراه “أعرف أنه لا مكان لي إذا عادت طالبان على الطريقة القديمة، سأقف في جانب الحكومة أيا كان قرارها، لكن إلى الآن لم أفقد أملي في المستقبل. طالبان لم يعودوا كما كانوا، نشهد تغييرات بينهم أيضا تعبوا من الحرب”. وبالنسبة للكثير من سكان الريف المحافظ في أفغانستان يوفر حكم طالبان استقرارا يرحب به السكان وتناسب عقوباتها الصارمة وقيودها المشددة على حقوق النساء التقاليد السائدة في الكثير من المناطق.

وقالت نساء في منطقة تسيطر عليها طالبان في إقليم قندوز بشمال البلاد إنهن مسموح لهن بالسير بحرية وكشف وجوههن، فيما ذكر مجاهد أن طالبان ليست ضد تعليم البنات أو عملهن لكنها تريد الاحتفاظ بأعرافها الثقافية والدينية.

ويعتقد الكثير من الأفغان أن طالبان ستعود إلى سابق عهدها إذا عادت إلى الحكم، حيث قالت مالينا حميدي وهي مدرسة “أثق بنسبة مئة في المئة أنه حال عودة طالبان إلى السلطة فستكون طالبان نفسها التي حكمت أفغانستان في التسعينات”.

5