ضوابط مصرية صارمة لمواجهة الاحتيال المالي الإلكتروني

الإجراءات الجديدة هدفها حماية شركات التكنولوجيا المالية من المخاطر السيبرانية.
الخميس 2023/07/20
سحب النقود من الصراف تم بنجاح!

اتخذت مصر مجموعة من القرارات الصارمة لمواجهة الاحتيال الإلكتروني في المجالات المتعلقة بتقديم الخدمات المصرفية والمالية، وهي خطوة قد تؤدي إلى تعطل أو خروج شركات التكنولوجيا المالية الصغيرة من السوق لأن ذلك يتطلب منها بنية تحتية مكلفة.

القاهرة – خطت القاهرة خطوة أخرى لكبح جرائم الاحتيال الإلكتروني بتسخير إمكانيات التكنولوجيا المالية لخدمة القطاع المالي المصرفي، وغير المصرفي، أملا في تحقيق الشمول المالي والتحول الرقمي.

وتفرض القرارات الجديدة ضرورة التزام الشركات بآليات ومنهجيات تمكنها من إدارة المخاطر التكنولوجية لضمان استمرارها في النشاط حماية لحقوق المتعاملين وتحقيق الاستقرار المالي.

وأصبح الحصول على ترخيص التكنولوجيا المالية والخدمات المصرفية الرقمية أكثر صعوبة بعد أن أجرت الهيئة العامة للرقابة المالية والبنك المركزي مؤخرا تعديلات على اللوائح التنظيمية الخاصة بإصدار التراخيص.

ويتعين على مزودي التكنولوجيا المالية الذين يتطلعون إلى الحصول على ترخيص، امتلاك المعدات اللازمة والوصول إلى المرافق الأساسية والبنية التحتية والحصول على التطبيقات وقواعد البيانات لدعم أنشطتهم.

محمد سعيد: مصر في مرتبة متأخرة تكنولوجيا لضعف الإمكانيات
محمد سعيد: مصر في مرتبة متأخرة تكنولوجيا لضعف الإمكانيات

وينبغي على المزودين أيضا اتباع إجراءات أمنية محددة وامتلاكهم الوسائل لتوفير حماية كاملة للمستخدمين من مخاطر الأمن السيبراني، وإثبات أن لديهم القدرة على مواجهة الخروقات الأمنية.

وتؤكد اللوائح الجديدة على متطلبات الترخيص التي نُشرت بشكل موجز العام الماضي. وكانت في انتظار قرار من الهيئة بالتفاصيل لتدخل حيز التنفيذ.

وأعدت الهيئة قانون التكنولوجيا المالية في عام 2020 الذي منحها صلاحيات إصدار التراخيص وحوكمة الشركات في القطاع، وفرض عقوبات على المخالفين، وقد تم الصديق على القانون العام الماضي.

وتزامن ذلك مع وجود لوائح محدثة للخدمات المصرفية الرقمية أصدرها البنك المركزي، حيث يتعين على البنوك الرقمية ألا يقل رأسمالها عن 65 مليون دولار للحصول على ترخيص الخدمات المصرفية الرقمية.

وبدأ المركزي في منح تراخيص للبنوك الرقمية بعد زيادة الطلب من البنوك المحلية، بما في ذلك البنك الأهلي وبنك مصر وبنك الإمارات دبي الوطني وبنك قطر الوطني الأهلي وبنك المؤسسة العربية المصرفية.

وجاءت الضوابط بعد تعدد جرائم الاحتيال الإلكتروني وتنوعها في مصر، والتي زاد انتشارها مع مخاوف من أن تصل إلى الشركات.

ومن أبرز عمليات الاحتيال سحب أرصدة العملاء عبر كارت الفيزا، إذ يقوم المحتالون بإرسال رسائل نصية قصيرة عبر الجوال للأفراد تقول “عزيزي العميل لقد تم إيقاف حسابك البنكي لعدم التحديث مؤقتا الرجاء الاتصال”.

وقال أيمن.ع مدرس بإحدى المدارس الحكومية في القاهرة “جاءتني الرسالة عبر هاتفي الجوال، وعندما قمت بالاتصال بالرقم أخبرني بأنه موظف بالبنك الأهلي، وسألني عن الاسم كاملا ورقم البطاقة ورقم كارت الفيزا والأرقام الأربعة الخلفية فيها وقمت بالإجابة على الأسئلة”. وأضاف لـ”العرب”، “من حسن الحظ لم يكن لدي رصيد، خاصة أنه كان كارت الراتب الذي قمت بسحبه سابقا”.

وأوضح أنه “عندما سألت الموظف في خزينة المدرسة أخبرني بأنه يجب عليّ الذهاب إلى البنك وإيقاف الكارت وتقديم طلب لإجراء آخر جديد، لأنه حال تحويل الراتب عليه سيتم سحبه كاملا من قبل هؤلاء المحتالين”.

وأكد محمد سعيد، رئيس شعبة البرمجيات بجمعية اتصال لتكنولوجيا المعلومات، لـ”العرب” أن الفترة الحالية تشهد اهتماما كبيرا بالأمن السيبراني عالميا، ومن المنطقي أن تنتبه هيئة الرقابة المالية والبنك المركزي لهذا الأمر.

التكنولوجيا المالية الحديثة تلعب دورا حاسما في توفير قطاع مالي قوي في جميع الدول، سواء تعمل في مجال البنوك، أو التأمين والبورصة وغيرهما

ولا تفرق جرائم الاحتيال الإلكتروني بين الطبقات ومستويات دخولهم، إذ طالت فقراء ومستفيدين من برامج “تكافل وكرامة” تقدمها الحكومة كنوع من الحماية الاجتماعية.

وذكرت فاطمة.ح، وتقطن في إحدى القرى بمحافظة القليوبية، “أخبرني ابني وهو طالب جامعي في كلية التربية برسالة بعثت إلي عبر الهاتف المحمول جاءت من البنك، ثم منح لاحقا كل البيانات، وذهبت لسحب المنحة التي تقدمها لنا الدولة بعد أسبوعين فلم أجد شيئا”.

وأشارت لـ”العرب” إلى أنه بعد سؤال أكثر من شخص لم أجد إجابة، ثم قررت الذهاب إلى البنك ومعي ابني، وبعد نقاش أخبرت موظف البنك بأنهم طلبوا تحديث بيانات الكارت منذ فترة.

وأوضحت أن الموظف نفى ذلك و”أظهرت له الرسالة فأخبرني بأنني تعرضت للاحتيال، وتم إيقاف الكارت حتى الحصول على آخر”.

ولا يقتصر الاحتيال المالي على الأفراد فقط، بل يمكن أن تتعرض له الشركات، لذلك مع توعية الأفراد بأهمية الحذر وعدم الإفشاء بأسرار بياناتهم يجب أن تتمتع شركات التكنولوجيا المالية ببنية معلوماتية وتحتية قوية لحماية بيانات العملاء ولو ترتب على ذلك خروج الشركات الصغيرة، والتي لا تستطيع التكيف مع المتطلبات الجديدة.

ويعزز وجود قطاع مالي يتسم بالقوة التكنولوجية من وجود حكومة إلكترونية وكافة التعاملات المالية بين الشركات والحكومة، والمواطن والسلطات.

ياسر عمارة: التعديلات ستؤدي إلى خروج بعض الشركات من السوق
ياسر عمارة: التعديلات ستؤدي إلى خروج بعض الشركات من السوق

ولعل تعطل البورصة المصرية منذ أيام في أول تداولات سهم شركة طاقة عربية يؤكد ضعف التكنولوجيا المالية في البلاد، والتي كادت أن تكلفها خسائر باهظة.

وأكد محمد سعيد لـ”العرب” أن مصر متأخرة للغاية في مجال التكنولوجيا المالية، في تطبيقاتها والدفع الإلكتروني والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.

وأوضح أن التأخر في القطاع ليس مقارنة مع بلدان العالم المتطور، بل بالنظر إلى بعض الدول العربية، مثل الإمارات أو السعودية، نتيجة ضعف الإمكانيات وسوء الإدارة.

ويشتكي العديد من الأفراد من سوء الخدمات التكنولوجية، مثل التعطل المتكرر في الصرافات الآلية أو أنظمة العمل في البنوك وشركات الاتصالات والدفع الإلكتروني والتلاعب بالبورصة، ويتم على إثره إلغاء عمليات يتضرر بسببها أفراد ليسوا أطرافا في المضاربات.

ويترتب على الضوابط الجديدة فتح المجال أمام الشركات والجهات الحاصلة على تراخيص من هيئة الرقابة المالية للحصول على موافقة الهيئة لتباشر هذه الأنشطة باستخدام بعض مجالات التكنولوجيا المالية بنفسها مع الالتزام بالتعليمات الجديدة.

ولفت المحلل الاقتصادي ياسر عمارة لـ”العرب” إلى أن الضوابط الجديدة ربما تكون ناجحة لمواجهة عمليات الاحتيال، لكن لن تتمكن كل الشركات من التكيف معها لارتفاع التكاليف، ولذلك ستغادر بعض الكيانات السوق.

وشدد على أن وسائل حماية بيانات العملاء متاحة بقوة في مصر، لكن الأزمة في استغلال الأفراد من قبل بعض الشركات أو المحتالين والوقوع فريسة سهلة لغياب الوعي الاقتصادي، ويجب التعامل مع كيانات مرخصة وهيئات مختصة فقط.

وتلعب التكنولوجيا المالية الحديثة دورا حاسما في توفير قطاع مالي قوي في جميع الدول، سواء تعمل في مجال البنوك، أو التأمين والبورصة وغيرهما.

11