ضمانات سياسية لمنع انهيار مالي في لبنان

تشريع برلماني مرتقب يطوي أزمة حاكمية المصرف المركزي.
السبت 2023/07/29
مساعي اللحظات الأخيرة تنقذ الموقف

تنذر نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاثنين المقبل دون تعيين خليفة له بخلل وظيفي جديد في دولة تعاني بالفعل من أزمة مالية منذ سنوات، ما دفع بالساسة إلى التحرك تشريعيا بعد استحالة التوافق السياسي لتفادي الفراغ.

بيروت - يسعى رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي إلى استصدار قرار من مجلس النواب لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان وبالتالي تجنب انهيار مالي متوقع ، بعد فشل التوافق السياسي على خليفة لرياض سلامة وعرقلة حزب الله والتيار الوطني الحر انعقاد مجلس وزراء الخميس كان مقررا للحسم في ملف تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي.

وتحظى مساعي ميقاتي بدعم رئيس مجلس النواب وحركة أمل الشيعية نبيه بري وعدد من الكتل النيابية من أجل تفادي شغور جديد يزيد من تعقيد أزمات لبنان المالية. وقالت مصادر لبنانية إن قرار عدم حصول انهيار مالي اتخذ بمباركة دولية ساهمت في أن يستلم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري مهام الحاكمية بعد انتهاء ولاية الحاكم الحالي رياض سلامة.

وأضافت المصادر أن سقوط كل المحاولات التي قادها ميقاتي لتعيين حاكم جديد، أدى إلى البحث عن مخرج يجنّب البلد الفراغ والانهيار المالي. لذلك عادت القوى السياسية إلى طرح منصوري الذي أطلع النواب عليه في اجتماعاته مع لجنة الإدارة والعدل الأسبوع الماضي، والذي يقضي بتشريع الصرف المالي وفق قانون يصدر عن المجلس النيابي.

رياض سلامة: من الممكن احتواء الانهيار المالي عبر مبادرات نقدية
رياض سلامة: من الممكن احتواء الانهيار المالي عبر مبادرات نقدية

ومن هنا يجري العمل حالياً على تقديم اقتراح قانون في المجلس النيابي أو مشروع قانون يأتي عبر الحكومة إلى مجلس النواب. وأشارت المصادر إلى أن اقتراض الحكومة من المصرف سيكون لمدة ثلاثة أشهر فقط، بحيث تبلغ قيمة كل شهر 200 مليون دولار، وهي حاجة لبنان في صرفه المالي الشهري. لكن الحكومة ستكون ملزمة -وفق طرح منصوري- برد المبلغ في غضون سنة من خلال الإيرادات التي يُتوقع أن تزداد عبر خطة حكومية شاملة.

وبموجب القانون اللبناني يفترض أن يحل أقدم نواب سلامة، وهو وسيم منصوري، محله مؤقتا. لكنه والنواب الثلاثة الآخرين لن يقبلوا إلا على مضض وسيضغطون من أجل الحصول على ضمانات سياسية. وسيتعين على قادة مصرف لبنان الجدد التعامل مع فجوة في النظام المالي تزيد قيمتها على 70 مليار دولار، ودعم سياسي غير مؤكد في دولة منقسمة للغاية، وغضب شعبي جامح من تبدد الثروة الوطنية والخاصة.

وبالنسبة إلى لبنان يعني هذا أن منصبا رئيسيا آخر سيبقى شاغرا بشكل رسمي ورهينة انهيار نظام سياسي قائم على أساس تقاسم السلطة بين الطوائف، والذي أدى بالفعل إلى تفشي الفوضى في معظم وظائف الدولة. وهدد منصوري ونواب حاكم المصرف الثلاثة الآخرون الشهر الماضي بالاستقالة إذا أجبروا على تولي المنصب. ويريدون صلاحيات لإقراض المزيد من الأموال للحكومة إذا لزم الأمر والإلغاء التدريجي لمنصة صرف معقدة لليرة التي تراجعت قيمتها كثيرا.

والتقى ميقاتي بنواب حاكم المصرف الخميس وقال مكتبه إنه يعتبر مطالبهم مشروعة وإن مقترحاتهم تتفق مع خطة الحكومة، في محاولة على ما يبدو للحفاظ عليهم. لكن ليس من الواضح ما إذا كان بوسع ميقاتي تنفيذ هذه التغييرات في ظل المأزق السياسي في لبنان. وأحجم منصوري عن التعقيب، لكن نائبا آخر هو سليم شاهين قال إنه يتوقع أن يتولى منصوري إدارة المصرف المركزي ابتداء من الأسبوع المقبل.

وقال إن نواب حاكم المصرف يمنحون النخبة السياسية ستة أشهر لإجراء إصلاحات بناءة، لكنه لم يفصح عما إذا كانوا سيهددون مجددا بالاستقالة إذا لم يتم إجراء تغييرات. وأضاف “شرطنا أن تكملوا الإصلاحات المطلوبة، بدءا بقانون ضوابط رأس المال”. وقال مايك عازار، الخبير في الشؤون المالية بلبنان، إن نواب الحاكم في مأزق. وأضاف “السؤال هو: هل سيفعلون الشيء الصحيح ويتصرفون باستقلالية كما يسمح لهم القانون، حتى في مواجهة ما سيكون بالتأكيد ضغوطا سياسية شديدة؟”.

وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الجمعة إن البنك المركزي لا يزال بإمكانه احتواء الانهيار المالي في البلاد من خلال “مبادرات نقدية”، حتى بعد أن تنتهي ولايته في نهاية الشهر الجاري. وتعهد سلامة (73 عاما) مرة أخرى بالرحيل حين تنتهي فترة ولايته يوم الاثنين. وفي الآونة الأخيرة شُوهت فترة ولايته التي استمرت 30 عاما بسبب الانهيار الاقتصادي الشديد واتهامه في لبنان والخارج باختلاسه مبالغ كبيرة من الأموال العامة في لبنان.

◙ سقوط كل المحاولات التي قادها ميقاتي لتعيين حاكم جديد، أدى إلى البحث عن مخرج يجنّب البلد الفراغ والانهيار المالي

وقال سلامة إنه تصرف وفقا للقانون وإن محاميه قدموا معارضات قضائية في فرنسا وألمانيا اللتين وجهتا إليه اتهامات. وأضاف “في الوقت الذي أغادر فيه وعلى الرغم من الأزمة التي من المتوقع أن تؤدي إلى انهيار كامل، يستطيع المصرف المركزي احتواء هذه الأزمة من خلال مبادرات نقدية”. وأكد أن الاقتصاد اللبناني حقق نموا بنسبة اثنين في المئة العام الماضي وقد يتعزز النمو ليبلغ نحو أربعة في المئة هذه السنة، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل.

واستنزف الانهيار 98 في المئة من قيمة الليرة اللبنانية، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40 في المئة وبلغ التضخم أكثر من 250 في المئة، بحسب صندوق النقد الدولي. ولم تتمكن النخبة السياسية في لبنان من إعلان خليفة لسلامة، مما يهدد بتفاقم الخلل الوظيفي في دولة مضطربة أصلا بسبب سنوات من الشلل السياسي والاضطراب المالي. وبموجب القانون اللبناني يتولى النائب الأول للحاكم، وسيم منصوري، مهام منصب حاكم مصرف لبنان في حال غياب من يخلفه.

واقترح منصوري وثلاثة نواب آخرون لحاكم مصرف لبنان مجموعة من الإجراءات تتضمن تشريعات عاجلة لإصلاح القطاع المصرفي ووضع ضوابط على رأس المال والتخلص من ربط الليرة اللبنانية بالدولار القائم منذ عقود. لكن النخبة السياسية قاومت إجراءات الإصلاح في السنوات القليلة الماضية، مما جعل الشكوك تحيط بالخطوات التي اقترحها للمستقبل نواب حاكم مصرف لبنان.

2