ضفائر السرد.. أبحاث في منجز فاتح عبدالسلام القصصي

عمان – "ضفائر السرد: أبحاث في منجز فاتح عبدالسلام القصصي" كتاب جديد في النقد الأدبي، صدر هذا الأسبوع عن دار "الآن ناشرون وموزعون" في العاصمة الأردنية عمّان، يمثل نتاج ورشة نقدية ثقافية موحدة لنخبة من النقاد والأكاديميين، أدارها وحرّر مادتها وشارك فيها الباحث العراقي جعفر الشيخ عبوش.
وقصص فاتح عبدالسلام المدروسة في هذا الكتاب تكشف عن مرحلة متقدمة من رحلته مع الكتابة القصصية، التي بدأها في نهاية سبعينات القرن الماضي، ويعالج الكتاب محطات جديدة في منجزه الإبداعي بوصفها عنصرا مهما لا يمكن تناول الإبداع القصصي العراقي من دونها.
ولفت الباحثون إلى مزايا انتقال الرؤية الفنية، في توظيف التجربة من العالم الواقعي إلى البعد الأسطوري - أحيانا - وهو في كل ذلك يرصد مشاهد من الحروب المتعاقبة بوصفها ثيمة أساسية متوالدة بأشكال مختلفة لا تُمل، فيوظف أحداثها بإخراج فني يقترب من السيناريو مرة، ويجنح نحو التجريب مرة أخرى ويستنطق الواقع الخشن في مرة ثالثة. وتوقف الكتاب عند أفكار تجريبية ورؤى استشرافية تعطي فسحة كافية للدلالة على ثقافة الكاتب التي منح التجريب القصصي عمقها.
وجاء عنوان الكتاب "ضفائر السرد" الذي نشرت مجلات علمية محكّمة لبعض الجامعات العراقية، منها واسط وديالى والموصل، عددا من أبحاثه، مكتسبا دلالته المرجعية من المعنى اللغوي للضفيرة، بحسب ما ذهب إليه محرّره ومعده عبوش، فيقول إن الضفيرة خصلتان، كل خصلة تضفر على حدة منفردة، جمعها ضفائر، وضفّر الشَعر: نسجه بعضه على بعضه الآخر عريضا، والضفائر تدل على التشابك والتناسق، ووجه الشبه بين ضفائر الشَعر ومكونات السّرد، ذلك التداخل والتشابك بين عناصر كل منهما من أجل الوصول إلى هيئة جمالية متماسكة في ذاتها كضفائر متشابكة ومتلاحمة مع بعضها البعض عبر عناصره: (الشخصية - الزمان - المكان - الحدث).
الكتاب ضم فصلين: الفصل الأول عنون بـ "من وحي السرد إلى أنساق الثقافة" وقد ضم ثلاث دراسات، وجد الدارسون فيها أنّ إيحاءات السرد في النماذج المختارة من قصص فاتح عبدالسلام تكشف عن استيلاد للمفاهيم الثقافية أولا، وتُظهر أنساقا ثقافية مضمرة ثانيا، وتربط بين المكان وفاعليته الثقافية ثالثا. فالسرد في النقد الثقافي له إيحاءات للوصول إلى أبعاد النص غير المكتشفة عبر المفاهيم الثقافية أو الأنساق المضمرة، وهو ما حاول الوقوف عنده وتحليله جعفر الشيخ عبوش، فيما تناول الدكتور قاسم محمود محمد الأنساق المضمرة في قصة "عين لندن" التي حملت مجموعة القاص فاتح عبدالسلام عنوانها عبر قراءة ثقافية، حللت إطارا معرفيا متصلا بأنساق بنية السرد القصصي.
وعالج الدكتور علي عواد عبدالله الفاعلية الثقافية للمكان في الخطاب القصصي لفاتح عبدالسلام - عين لندن أنموذجا - وهي القصة التي تعالج نظرة الآخر الغربي إلى الإنسان القادم من بلدان الإشكالات الكبيرة، ومن ثم نرى كيف تتفجر الأفكار البسيطة المستنبطة من الحياة اليومية بعمق فني وفكري، من خلال الحوار الذي يمسك بأعمدة البناء السردي.
أما الفصل الثاني فقد عُنون بـ"فتنة العتبات وفاعلية المتن القصصي"، إذ شكلت العتبات فتنة للقارئ تحثه وتغريه على القراءة بوصفها قنطرة الدخول إلى المتن القصصي وبابا يلج منه القارئ إلى المعنى، وهذا ما تميزت به قصص عبدالسلام. وضمّ أربع دراسات:
أولها: صورة الحيوان بين العتبات العنوانية والمتن النصي في قصص قطارات تصعد نحو السماء لفاتح عبدالسلام، في معالجة نقدية من الدكتور بسام خلف الحمداني.
ثانيتها: معالجة جعفر الشيخ عبوش لصيغ الاستهلال والخاتمة في قصص "حليب الثيران" لفاتح عبدالسلام، محللا تلك الشحنات المركزة التي شد بها القاص نسيجه السردي ما بين المفتتح والأقفال.
ثالثتها: العتبات النصيّة وتنويعاتها ودلالاتها وقدرتها على الانتقال بالسرد إلى العمق الحركي للحبكة من دون تكلف أو إرهاق في اللغة، وجرى تطبيق ذلك من الدكتور فيصل سوري حمد في قصص عين لندن لفاتح عبدالسلام.
رابعتها: مقال لقاص وروائي عراقي هو فيصل عبدالحسن، ينتمي إلى الجيل ذاته الذي ينتمي إليه فاتح عبدالسلام، تناول الطبيعة التي تميز النص القصصي في قراءة حملت عنوان "مدخل إلى أجواء قصص قطارات تصعد نحو السماء"، عبر عين قاص يفهم دقائق البناء السردي وسبق أن كابد التعاطي معه.