ضغوط محكمة الجنايات تهدد بأزمة داخل قوات حفتر

بنغازي (ليبيا) - تتهم محكمة الجنايات الدولية عناصر ومجموعات تخضع لسلطة قائد الجيش المشير خليفة حفتر بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على غرار المقابر الجماعية في مدينة ترهونة (غرب) على يد ميليشيات الكانيات، التابعة لحفتر.
وقبيل وصول مدعي محكمة الجنايات الدولية كريم خان إلى بنغازي في الثامن من نوفمبر المنقضي، بأسبوع، وقعت اشتباكات في المدينة بين عناصر مسلحة من كتيبة طارق بن زياد، الموالية لصدام ابن حفتر، وأخرى مقربة من محمود الورفلي، الضابط في القوات الخاصة التابعة لقوات خليفة حفتر، والذي اغتيل في بنغازي، بعدما كان مطلوبا لدى محكمة الجنايات الدولية، وهو ما فسره مراقبون بوجود أزمة داخل قوات حفتر بسبب ضغوط من محكمة الجنايات لتسليم أو محاكمة المتورطين.
وقتل خلال هذه الاشتباكات أحمد العريبي، الملقب بـ”حماديكا”، من القوات الخاصة، المقرب من محمود الورفلي.
ومقتل “حماديكا” ليس الوحيد هذه السنة، إذ قتل أيضا في مارس الماضي عصام العشيبي، القيادي في كتيبة طارق بن زياد.
حفتر يريد إبعاد الكانيات عن بنغازي، حتى لا يظهر كمن يؤوي أخطر المتورطين في أبشع الجرائم
وفي أبريل الماضي، قتل شعيب بومدين، القيادي بقوات حفتر في حي الليثي، ببنغازي، على يد مجهولين.
وتأتي هذه الاغتيالات على ما يبدو، بحسب مراقبين، في سياق تصفية عدد من العناصر الأكثر دموية بين قوات الشرق، والمتهمة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على غرار اغتيال محمود الورفلي في الرابع والعشرين من مارس 2021، ببنغازي، وتصفية محمد الكاني، زعيم ميليشيا الكانيات، والمطلوب دوليا، في السابع والعشرين من يوليو 2021، في بنغازي أيضا.
لكن الملاحظ هذه المرة، أن قيادات في كتيبة طارق بن زياد، التي تخضع لسلطة صدام حفتر، والتي تتولى مهام تشبه مهام الشرطة العسكرية، تعرضت هي الأخرى للتصفية على يد “مجهولين”، لا يستبعد أن يكونوا من القوات الخاصة “الصاعقة” الموالية للورفلي، والتي وعد المقربون منه بالانتقام لمقتله.
وبدا أن الرسالة التي يحاول حفتر إيصالها إلى الجنائية الدولية والمحاكم الأميركية، أنه غير مسؤول عن الجرائم التي قام بها قياديون موالون له، وأنه لا يوفر لهم مكانا آمنا في بنغازي، التي يتخذها مركزا لقيادته.
وأثارت زيار كريم خان لخليفة حفتر تساؤلات وانتقادات لهذا اللقاء.
ولم تلق زيارة مدعي عام الجنائية الدولية ترحيبا من مؤسسات حقوقية ليبية، بل وجهت له سهام النقد وطالبت أربع منظمات المحكمة الجنائية بـ”التحقيق في أفعال المدعي العام، وضمان خضوعه للمساءلة، من خلال الإجراءات التأديبية اللازمة”.
ووفق منظمات “محامون من أجل العدالة في ليبيا” و”رصد الجرائم الليبية” و”حركة النساء الأمازيغيات” و”المركز الليبي لحرية الصحافة”، فإن لقاء المدعي العام بحفتر كان “مسيئا للغاية”.
المدعي العام، وخلال إحاطته أمام مجلس الأمن، في توضيح لخطوته، قال “كنت شديد الوضوح، في لقائي مع حفتر في بنغازي، بشأن حصول المحكمة الجنائية على أدلة حول مزاعم انتهاكات ارتكبتها قوات تابعة له”.
فالمدعي العام لم يلتق حفتر للتحقيق معه أو تحميله جزءا من مسؤولية الجرائم التي ارتكبت ما بين 2014 و2020، بالخصوص، وإنما طلب منه مساعدته في الحصول على أدلة تدين بعض قادة قواته.
كما طالب خان حفتر بمنع ارتكاب الجرائم، ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم.
وهذا ما أثار استياء المنظمات الحقوقية الليبية، لأنه بذلك يكون أخرج حفتر من دائرة المساءلة الجنائية.
لكن وجهة نظر ثانية، ترى أن المدعي العام ورّط حفتر، عندما حمّله مسؤولية التعاون مع الجنائية الدولية في جمع الأدلة عن المتورطين في الجرائم، ومحاكمتهم، وفي حالة عدم تعاونه يكون متواطئا مع مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
فالمدعي العام كشف أمام مجلس الأمن أن لديه “معلومات وأدلة مرتبطة بالجرائم التي يدعي بأن الجماعات المرتبطة بقوات حفتر قد ارتكبتها”.
وهذه الأدلة من شأنها الضغط أكثر على حفتر لاعتقال ومحاكمة قيادات في قواته، لتجنب تسليمها للمحكمة الجنائية، لكن ذلك من شأنه تفجير أزمة داخل قواته، مثلما حدث عندما اعتقل محمود الورفلي، بضغط من الجنائية الدولية، فخرج أنصار الأخير للاحتجاج وقاموا بقطع الطرق.
لكن التصفيات التي تقع منذ أشهر في بنغازي، لا يستبعد أنها نتيجة أعمال ثأرية بين عناصر من القوات الخاصة “الصاعقة” المقربة من محمود الورفلي، وكتيبة طارق بن زياد، والقيادات المسلحة المقربة منها.
كما أن حفتر المتابع جنائيا في محكمة فرجينيا بجرائم حرب، يريد إبعاد عناصر ميليشيا الكاني عن بنغازي والمدن الخاضعة لسيطرته، حتى لا يظهر كمن يؤوي أخطر الجماعات المتورطة في أبشع الجرائم.