ضغوط لاستنساخ تجربة أوبك في تجارة الكاكاو

تصاعدت ضغوط الخبراء في صناعة الشيكولاتة خلال الفترة الأخيرة لاستنساخ تجربة منظمة أوبك في تجارة الكاكاو والتي وجدت نفسها مرة أخرى عالقة في حالة من الارتباك بالنظر إلى اتساع الفجوة بين إيرادات الشركات والمزارعين بعد أن عرت الأزمة الصحية مشاكل القطاع وزادت من تعقيداتها التغيرات المناخية.
أمستردام – استعادت مبيعات الشيكولاتة قوتها سريعا العام الماضي وشهد إنتاجها ومبيعاتها نموا ملحوظا، رغم تراجعها قليلا في السنة التي تفشى فيها مرض كورونا بسبب قيود الإغلاق.
ولكن مع زيادة المبيعات زاد مذاقها حلاوة في أفواه شركات الإنتاج التي تبحث عن المزيد من الإيرادات، غير أن مذاقها لا يزال مرا في أفواه مزارعي الكاكاو.
وعادة ما يعود “الذهب البني” بالنفع على الصناعيين بالدول الغربية، الذين يحولونه إلى ألواح شيكولاتة وبسكويت وقوالب حلوى، وهو لا يدر سوى القليل على من يزرعونه.
وكان المزارعون بعيدين عن المفاوضات التي جرت في سبتمبر 2019 بين الدول المنتجة والمستهلكين والشركات خلال الدورة المئة للمجلس الدولي للكاكاو في أبيدجان والتي أفضت إلى استراتيجية لتعزيز عائدات المزارعين وتحسين الاستدامة لهذه الزراعة.
يوكا وارتس: زيادة الأسعار جزء من الحل ولذلك يجب تنظيم السوق
وتشير التقديرات إلى أن المبيعات السنوية لمنتجات الشيكولاتة تبلغ 130 مليار دولار. ومع ذلك يحصل المزارعون على 7.3 في المئة فقط من إيراداتها وتستمر مداخيلهم في الانخفاض.
وفي أكتوبر الماضي انخفض سعر الكاكاو في غرب أفريقيا بنسبة 18.5 في المئة، ولكي يستطيع المزارعون العيش من هذا النشاط التجاري، يتعين زيادة مداخيلهم بمقدار النصف.
لكن من المرجح أن تستمر الأسعار في الانخفاض، وتتواصل معها زيادة معدلات الفقر، وفقا لتقرير “مقياس الكاكاو” المتعلق بأحوال هذه الصناعة، أعده اتحاد المنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية، العاملة في سوق الكاكاو ومقره هولندا.
وتعد أمستردام أكبر ميناء في العالم لاستيراد الكاكاو، حيث تتعامل المدينة مع نحو 25 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي.
وتم إحراز تقدم خلال العقدين الأخيرين في ما يتعلق بمساعدة المزارعين، ومقاومة التصحر والقضاء على عمالة الأطفال، عن طريق إنتاج علامات تجارية مميزة وشهادات للجودة وتشكيل رابطة للمنتجين الذين يتمتعون بالنزاهة في التعامل مع المزارعين.
وإلى جانب ذلك تم إنشاء منصات للكاكاو، وهي جميعها إجراءات تدعم الإنتاج بأساليب تحافظ على البيئة. ومع ذلك لم تحقق كل تلك الجهود سوى قدر ضئيل من النجاح.
وقالت يوكا وارتس الباحثة في جامعة واغنينغن الزراعية لوكالة الأنباء الألمانية “لم تسفر برامج المعونة التقليدية عن تقديم المساعدة المطلوبة”.
وأشارت دراسة أعدتها وارتس مؤخرا حول مداخيل مزارعي الكاكاو إلى أن أكثر من 60 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي، والذي يبلغ 5 ملايين طن سنويا، يأتي من غانا وكوت ديفوار.
وأوضحت أنه رغم ذلك، فإن ما نسبته 75 في المئة من مزارعي الكاكاو في هاتين الدولتين، لا يحصلون على دخل كاف يلبي متطلبات معيشتهم، مما يعني أنهم يفتقرون إلى الأموال التي يحتاجونها للإنفاق على الطعام والإسكان والتعليم والرعاية الصحية.
وتعتقد وارتس أن “المشكلة تتمثل في أن إنتاج الكاكاو زاد بأكثر من الضعف خلال العقود الثلاثة الماضية وهذه الزيادة في الإنتاج أدت إلى انخفاض الأسعار والمداخيل”. وأكدت أن زيادة الأسعار وحدها لن تكفي لحل المشكلة.
وتدفع حكومتا غانا وكوت ديفوار بالفعل للمزارعين دعما لزيادة دخولهم، لكنه ليس كافيا، فدراسة وارتس تشير إلى أنه لو تضاعفت الأسعار سيحصل 41 في المئة منهم على مداخيل كافية لإرسال أطفالهم إلى المدارس، مثلا، بدلا من العمل في حقول الكاكاو.
وأشارت وارتس إلى أن كثيرا من المزارعين يعملون في حقول صغيرة للغاية، تكون إنتاجيتها ضئيلة.
ويدفع منتجو الكاكاو الأعضاء برابطة فيرتريد التي تهدف إلى تحقيق العدالة للمزارعين أسعارا تبدو مقبولة، لكن ذلك يساعد المزارعين الذين يمتلكون مساحات كافية من الأراضي.
وبالإضافة إلى ذلك لا تزال حصة الرابطة من التجارة العالمية للكاكاو صغيرة، وتصل في ألمانيا، مثلا، إلى نحو 17 في المئة فقط.
وقالت وارتس التي تعد خبيرة في هذا المجال إن “زيادة أسعار السوق هي جزء فقط من الحل”. وأضافت إنه “يجب تنظيم السوق”.
وأكدت أنه يمكن اعتبار إنتاج النفط نموذجا رئيسيا يحتذى به بالنسبة إلى سوق منظم، ودعت إلى تشكيل تجمع لمنتجي الكاكاو على غرار منظمة أوبك، لتنظيم عملية الإنتاج والتسعير.
ويمكن أن تتضمن إجراءات أخرى مثل أن تكون مساحات زراعة أشجار الكاكاو كبيرة بما فيه الكفاية، مع ضمان وجود شبكة للأمان الاجتماعي.
وباتت توني شوكولونلي من رواد شركات الشيكولاتة في هولندا بفضل الرسالة التي توجهها بضرورة تحقيق العدالة في هذه الصناعة، بحيث تخلصت من أسلوب السخرة في العمالة، وحصلت على حصة نسبتها 17 في المئة من السوق، مما جعلها الثانية في التصنيف.
وتدفع هذه الشركة للمزارعين الذين ينتجون الكاكاو لها ويبلغ عددهم 9 آلاف تقريبا، زيادة في الأسعار تتراوح بين 30 و40 في المئة، مقارنة بما تدفعه شركات أخرى تقليدية.
وتقول بليندا بورك المسؤولة بالشركة إن “هذا الأسلوب أخرج ما نسبته 72 في المئة من مزارعينا في غانا من دائرة الفقر”.
وأضافت “كما أن ما نسبته 3.9 في المئة فقط من المزارعين المتعاملين مع الشركة يستخدمون عمالة الأطفال مقارنة بما نسبته 50 في المئة لدى المتعاملين مع الشركات التقليدية”.
وتقوم شوكولونلي بتعاملات تجارية فقط مع جمعيات تعاونية تساعد على تعزيز إنتاجية المزارع التي يمتلكها مزارع واحد.
وتريد الشركة أن تغير من شكل سوق الشكولاتة في السوق العالمية، كما تسعى لإقامة شراكات في إطار “سلسلة التوريد المفتوحة” التي تتبناها.
وتشتري شركات البيع بالجملة مثل متاجر سوبرماركت ألدى الألمانية وشركة جوكولادي وشركة ديليكاتا الهولندية المنتجة للشيكولاتة وسلسلة سوبرماركت ألبرت هيجين، حبوب الكاكاو بأسعار عادلة.
وهذه الإجراءات جعلت النشاط التجاري للشيكولاتة أقوى بالنسبة إلى شوكولونلي، حيث وصلت تعاملاتها إلى أكثر من 100 مليون يورو للمرة الأولى في 2020، بزيادة نسبتها 24 في المئة مقارنة بالعام السابق.