ضغوط على الجزائر لتشديد سياستها النقدية في وجه التقلبات

التمويل الداخلي يضع ضغوطا على الجهاز المصرفي المحلي ويفرض مخاطر على الاستقرار المالي والاقتصادي الكلي.
الجمعة 2023/02/03
تحذيرات من سياسة نقدية متساهلة

واشنطن - حذر صندوق النقد الدولي الجزائر من اتباع سياسة نقدية متساهلة في ظل المؤشرات المزعجة بشأن معدل أسعار الاستهلاك على الرغم من تحسن ماليتها العامة بسبب إيرادات النفط والغاز.

وقالت بعثة الصندوق بعد ختام مشاورات المادة الرابعة الأربعاء الماضي في بيان نشرته المؤسسة المالية الدولية المانحة على موقعها الإلكتروني إنه "يجب تشديد السياسة النقدية من دون تأخير لتفادي عدم استقرار توقعات التضخم المرتفع في البلاد".

وخفّض البنك المركزي الجزائري مع مطلع الربع الأخير من 2022 سعر الفائدة إلى النصف ليبلغ 10 في المئة، مع أن نسبة التضخم لا تزال عند مستويات عالية.

ويمثل ارتفاع معدلات التضخم تحدّيا رئيسيا للحكومة، في ظل الموقف التيسيري للسياسة النقدية، حيث ارتفع التضخم الكلي من 7.2 في المئة في 2021 ليبلغ حسب التقديرات أعلى مستوياته على مدى 26 عاما ليسجل 9.3 في المئة في 2022.

صندوق النقد الدولي: استقلالية المركزي مهمة للقيام بدوره في حماية الاقتصاد
صندوق النقد الدولي: استقلالية المركزي مهمة للقيام بدوره في حماية الاقتصاد

ويعتقد صندوق النقد أن ارتفاع سعر صرف الدينار مؤخرا أمام العملات الأجنبية، لا يمكن أن يكون بديلا عن التشديد اللازم للسياسة النقدية. وقال "لذلك، نوصي بنك الجزائر برفع سعر الفائدة الأساسي".

وأظهرت المؤشرات المنشورة على منصة المركزي الخميس أن سعر صرف الدولار في السوق الرسمية يبلغ 150 دينارا، بينما سعر اليورو يصل إلى نحو 148 دينارا.

وكثّف الصندوق من ضغطه على البلد عبر حث مسؤوليه على "فرض حظر رسمي على التمويل النقدي، لتعزيز استقلالية المركزي وقدرته على حماية استقرار الأسعار".

وتحظر السلطات الاقتراض من الخارج، وتعتمد على الإقراض الداخلي لسداد أيّ عجوزات مالية، إلا أن الصندوق يرى أن التمويل الداخلي سيضع ضغوطا على الجهاز المصرفي المحلي، ويفرض مخاطر على الاستقرار المالي والاقتصادي الكلي.

ويشكو الاقتصاد الجزائري من أزمة هيكلية مزمنة بسبب ارتباطه العضوي بالصناعة النفطية، التي تشكل العمود الفقري للنمو منذ عقود. وتعتمد الحكومة على مبيعات النفط والغاز في تحصيل 95 في المئة من إيراداتها من العملة الأجنبية.

وفي العام الماضي، أشارت توقعات الصندوق إلى أن رصيد الحساب الجاري للجزائر سجل فائضا لأول مرة منذ 2013 كما ارتفعت الاحتياطيات الدولية.

وكان الصندوق قد حذر في أكتوبر الماضي بعد إجرائه أول مشاورات مع الجزائر منذ 2018 من أن البلاد تخاطر باحتياجات تمويلية غير مسبوقة على المدى المتوسط إذا استمرت تعاني من عجز مالي مرتفع، وحث على إجراء تغييرات كبيرة في سياستها الاقتصادية.

وتوقع الصندوق في بيانه، تسارع نمو إجمالي الناتج المحلي خارج المحروقات ليصل إلى 3.2 في المئة في 2022 مقابل 2.1 في المئة في 2021.

ومع أن خبراء الصندوق يرجحون تعافي الاقتصاد الجزائري العام الحالي، لكنهم أشاروا في الوقت ذاته إلى أن التوقعات بشأن ذلك لا تزال غير مؤكدة وصعبة.

وتشير التوقعات إلى تسارع نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى 3.4 في المئة خلال العام الجاري على خلفية الزيادة الكبيرة في الإنفاق بالميزانية العامة، ثم تناقصه إلى 2 في المئة على المدى المتوسط.

ووفق الصندوق تتسم آفاق 2023 بأنها مواتية “لكن يُتوقع تباطؤ النمو واستمرار الارتفاع في معدلات التضخم على المدى المتوسط”.

◙ المركزي الجزائري خفّض سعر الفائدة إلى النصف ليبلغ 10 في المئة مع أن نسبة التضخم لا تزال عند مستويات عالية

واقترحت الحكومة الجزائرية هذا العام سلسلة إصلاحات تهدف إلى مجابهة تحدي تراجع عائدات الطاقة وضعف القطاع الخاص، لكن ستحتاج الكثير من الوقت حتى تجني ثمار ذلك بالنظر إلى العديد من التحديات التي تواجهها في هذا الطريق.

وعانت الجزائر، وهي منتج رئيسي للنفط والغاز وعضو بارز في منظمة أوبك، لسنوات بسبب تراجع عائدات الطاقة وانخفاض أسعار المحروقات ومستويات إنتاجها منذ 2014 ولم تحرز تقدما يذكر في تنويع اقتصادها المرتكز على الدولة.

وأجبرت الأزمة الاقتصادية السلطات على الدخول في معركة السيطرة على الواردات بعد أن تسببت في استنزاف الاحتياطات النقدية نتيجة ارتفاع تكاليفها السنوية، في محاولة من لمعالجة الاختلالات المالية المزمنة.

واستنفد البلد معظم احتياطاته من العملة الصعبة خلال السبع سنوات الماضية رغم انخفاض الدين العام حيث تراجعت من نحو 197 مليار دولار إلى قرابة 60 مليار دولار بنهاية العام الماضي مقابل 54.6 مليار دولار بمقارنة سنوية.

ومع ذلك، تمكنت الحكومة حتى الآن من إبقاء مستويات الديون الخارجية منخفضة واستبعدت مرارا التحول إلى الاقتراض من مؤسسات دولية بما فيها صندوق النقد.

وبعد الانكماش الذي شهده اقتصاد الجزائر العام الماضي بنسبة 4.9 في المئة، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على أساس سنوي بنسبة 4.7 في المئة بنهاية العام الماضي.

10