ضغوط روسية على حفتر لمنحها حقوق ميناء المياه العميقة في طبرق

واشنطن – تتصاعد مخاوف القوى الغربية وخصوصا الولايات المتحدة من دور روسي في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال دعم مجموعات مناهضة للوجود الأميركي في ليبيا واليمن والسودان، حيث كشف تقرير حديث عن ضغوط روسية على قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر لمنح موسكو حقوق ميناء المياه العميقة في طبرق لإيواء غواصات هجومية نووية، وذلك ردا على دعم إدارة الرئيس جو بايدن للضربات الأوكرانية داخل روسيا بأسلحة أميركية وتسليمها كييف الدفعة الأولى من مقاتلات "إف - 16".
ويعد ميناء طبرق أحد الموانئ الليبية التي تثير الاهتمام والتنافس بين القوى الأجنبية، على غرار الولايات المتحدة والصين.
ويطل ميناء المياه العميقة على ساحل البحر الأبيض المتوسط وهو كذلك محمي طبيعيا، بالإضافة إلى أنه يتصل بمنطقة الهلال النفطي من خلال خط أنابيب نفط كما أنه يعد قريبا من مصر التي تدعم الجيش الوطني الليبي.
ويعتبر ميناء طبرق مهما لروسيا خاصة أن القدرة على استخدامه يعني إنشاء موقع داعم لقاعدة طرطوس الروسية البحرية بشمال غرب سوريا.
ويستخدم الروس منذ سنوات جزءا من مطار بنغازي، وقاعدة الجفرة، وسط البلاد، والميناءين البحريين في بنغازي وطبرق من أجل الخدمات اللوجستية لعمليات الانتشار وكذلك لإيواء قواتهم المتمركزة هناك.
واتهم معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقرير له موسكو بتمكين ما وصفه بـ"القوى المعادية" للولايات المتحدة في المنطقة لتقويض الاستقرار، ضاربا أمثلة بعمليات تسليم الأسلحة بالأطنان إلى ليبيا وصولا إلى الشائعات المتعلقة بتحديث صواريخ الحوثيين في اليمن.
واستعرضت الباحثة في المعهد الأميركي آنا بورشيفسكايا في تقرير لها بعنوان "مواجهة استراتيجية روسيا في تسليح وكلائها المناهضين لأميركا"، تحول ليبيا إلى ساحة معركة بالوكالة لأكثر من عقد لعدة دول من بينها تركيا وفرنسا.
وحسب آنا بورشيفسكايا فقد "نجح بوتين في ترسيخ مكانة روسيا كوسيط مؤثر في هذه اللعبة الأكبر، ولم يسعَ الغرب إلى ردعه"، مشيرة إلى تطوير موسكو علاقاتها "مع كل من حكومة فايز السراج المدعومة من الأمم المتحدة والمشير خليفة حفتر، الزعيم الذي يسيطر على المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في البلاد. لكن على الرغم من التزامها الحذر، كانت روسيا تميل دائما باتجاه حفتر".
وعلى الرغم من عامل الثقة الضعيف من جانب الكرملين، إلا أن علاقاته مع المشير حفتر تطورت على مر السنين، في مقابل تكثيف موسكو وجودها العسكري في شرق ليبيا.
ويعود المعهد الأميركي إلى ربيع هذا العام، حين قام نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف بزيارة حفتر مرة أخرى، حيث قامت موسكو بتسليم آلاف الأطنان من المعدات العسكرية من منشآتها البحرية في طرطوس بسوريا إلى ميناء طبرق في شرق ليبيا.
وبحسب معهد واشنطن، فقد سمح الوجود الروسي في ليبيا للكرملين بالوصول إلى مطارات البلاد، التي ينقل منها الإمدادات ويهرب الوقود والذهب والأدوية لجمع الإيرادات اللازمة لحربه على أوكرانيا وتوغله في أجزاء أخرى من أفريقيا.
وأشار المعهد إلى الخطة الروسية في اتخاذ ليبيا قاعدة للتوغل بشكل أعمق في منطقة الساحل وزعزعة الاستقرار هنالك عبر مرتزقة فاغنر، حيث استغلت موسكو المشاعر المعادية للولايات المتحدة وأوروبا لدعم الانقلابات في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وفي المقابل، قام الشركاء المحليون بطرد المدربين والمستشارين العسكريين الغربيين وسمحوا لروسيا بالاستعانة بمدربين ومستشارين عسكريين خاصين بها.
والشهر الماضي، كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن زيارة غير معلنة لصدام حفتر، نجل المشير خليفة حفتر، إلى بوركينا فاسو، وهي الأولى منذ تعيينه رئيسا لأركان الجيش الوطني الليبي، عقب تشكيل تحالفٍ كونفدرالي جديد في غرب أفريقيا تحت اسم "تحالف دول الساحل"، بعضوية مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وتأتي الزيارة في إطار زيارات أخرى بتنسيق روسي، حيث تسعى موسكو لترسيخ نفوذها في ليبيا ومنطقة الساحل، بمساعدة مجموعة "فاغنر" العسكرية. وفق الصحيفة.
وعبرت الولايات المتحدة عن قلقها الشديد من التعاون العسكري بين الجيشين الروسي والليبي وبالتحديد التقارير التي تفيد بقيام القوات الروسية بتفريغ معدات عسكرية في ميناء طبرق.
ويتمركز عناصر فاغنر الذين يتراوح عددهم بين 2000 و2500 عنصر في عدة مواقع عسكرية في ليبيا من بينها قاعدة القرضابية الجوية ومينائها البحري وقاعدة الجفرة الجوية وتمددوا إلى الجنوب الغربي حيث تمركزوا في قاعدة براك الشاطئ الجوية (700 كلم جنوب طرابلس).
وفي مذكرة نُشرت في 10 مايو الماضي، أفادت مجموعة التحقيق الدولية "كل العيون على فاغنر" أنه تم "نقل آلاف" المرتزقة الروس إلى ليبيا منذ بداية السنة. بعد ذلك تم نشر معظم هؤلاء الرجال، "المتجمعين معا بشكل رئيسي في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي التابع للمشير حفتر"، حيث يستفيدون من التدريب في البلدان الأفريقية المتحالفة مع موسكو (بوركينا فاسو، جمهورية أفريقيا الوسطى، مالي، النيجر، السودان).
ونقلت الصحيفة عن الباحثة إيما فيغلينو في مقال نُشر في 20 يونيو الماضي بمجلة "كونفليكت" أن "هذه العودة الملحوظة لروسيا إلى ليبيا ليست قليلة الأهمية لأنها جزء من ديناميكية أوسع لبسط نفوذها في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل".
وحسب الباحثة، فإن موقع ليبيا الاستراتيجي "مع صعوبة مراقبة حدودها ودورها المركزي في طرق الهجرة، أصبح نقطة محورية للاستراتيجية الروسية في أفريقيا" ويمكن استخدامه "كرافعة دبلوماسية أو أمنية" في مواجهة روسيا مع الأوروبيين.