ضغوط دبلوماسية أردنية تجنبا لصراع أوسع في القدس

العاهل الأردني يحمل إلى واشنطن خارطة طريق لضبط الأوضاع في المسجد الأقصى.
الجمعة 2022/04/29
تجاوز إسرائيل للوصاية الهاشمية ينذر بتعكر العلاقات

توجه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الخميس إلى الولايات المتحدة في زيارة عمل ينتظر أن يناقش فيها مع الإدارة الأميركية سبل نزع فتيل التوتر في المسجد الأقصى بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويعول الأردن على موقف واشنطن الداعي إلى التهدئة في القدس من أجل ممارسة المزيد من الضغوط على تل أبيب.

عمان – قال مسؤولون أردنيون ودبلوماسيون غربيون الخميس إن الأردن كثف جهوده لدفع إسرائيل إلى احترام الوضع التاريخي القائم بالمسجد الأقصى في القدس وتجنب المواجهات العنيفة التي قد تهدد بنشوب صراع أوسع، في وقت غادر فيه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى الولايات المتحدة في زيارة عمل بعد لقائه الأربعاء في عمان الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وأشار هؤلاء إلى أن العاهل الأردني سيناقش مع الإدارة الأميركية خلال زيارته الأوضاع في القدس والسبل الكفيلة للحيلولة دون المزيد من التصعيد.

وأضافوا أن الهدف من الزيارة هو تحديد الخطوات التي يمكن أن تتخذها إسرائيل لإعادة الأوضاع في المسجد إلى ما كانت عليه قبل 22 عاما.

ويتهم الأردن إسرائيل بتغيير القيود المفروضة على العبادة في المسجد الأقصى تدريجيا منذ عام 2000.

صايل السرحان: واشنطن تضغط على إسرائيل منعا لاشتعال المنطقة

وغالبا ما يستخدم الأردن -في إطار مساعيه لحماية القدس- أدواته السياسية، عبر إعطاء أي انتهاكات تطال المقدسات زخما دوليا، مصحوبا بحراك على مختلف الأصعدة؛ ليضمن ويؤكد أنه موجود.

وقال مسؤول أردني طلب عدم نشر اسمه إن “الجهد الدبلوماسي الجديد يهدف إلى التعامل مع جذور التوتر وضمان عدم تفجر الأمور مرة أخرى”، مضيفا أن “واشنطن تلقت مؤخرا ورقة تبين بوضوح موقف المملكة”.

وأثارت الاشتباكات التي دارت خلال الأسبوعين الماضيين بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في مجمع المسجد غضبا عربيا وقلقا دوليا من الانزلاق مرة أخرى إلى صراع إسرائيلي – فلسطيني أوسع.

وقال دبلوماسي غربي إن اقتراح الأردن لم يشتمل على عقد لجنة مشتركة مع إسرائيل بشأن الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في البلدة القديمة بالقدس. وقالت عدة وسائل إعلام إسرائيلية إنه يشمل ذلك.

ويقول الأردن، الذي تمتلك الأسرة الهاشمية الحاكمة له الوصاية على المواقع الإسلامية والمسيحية، إن إسرائيل تقوض منذ عام 2000 تقليدا يعود إلى قرون مضت لا يُسمح فيه لغير المسلمين بالصلاة في مجمع المسجد.

وقالت المصادر إن عمان أبلغت واشنطن بأن على إسرائيل رفع القيود المفروضة على تعيين موظفين بدائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن والسماح لها بإدارة جميع زيارات غير المسلمين.

وتنفي إسرائيل اتهامات الأردن والدول العربية بأنها تحاول تغيير الوضع الراهن للأماكن الإسلامية المقدسة في البلدة القديمة بالقدس التي احتلتها في حرب عام 1967. وتقول أيضا إنها تنفذ حظرا قائما منذ وقت طويل على صلاة اليهود في الحرم.

ويقول الأردن إن إسرائيل تقيد دخول المصلين المسلمين ولا تقيد دخول القوميين الإسرائيليين المنتمين إلى اليمين المتطرف الذين تنتهك طقوسهم الوضع الراهن السابق وتنتهك حرمة المكان المقدس.

وقال مسؤول أردني آخر إن “الأردن يواصل اتصالاته المباشرة مع الإسرائيليين وواشنطن وأطراف دولية أخرى لمطالبة إسرائيل باحترام الوضع التاريخي الذي كان قائما قبل عام 2000”.

وحظرت إسرائيل الجمعة زيارات غير المسلمين حتى نهاية شهر رمضان. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إنها “خطوة جيدة نحو احترام الوضع الراهن وتخفيف التوتر واستعادة الهدوء”.

وبات الموقف الأردني من أحداث القدس والمسجد الأقصى الأخيرة -والذي تصدره استدعاء عمان القائم بأعمال سفارة تل أبيب- ينذر بانتكاسة العلاقات بين الطرفين، خاصة إثر اتهام إسرائيل للأردن عقب تلك الخطوة بأنه “يضر بجهود إحلال السلام”.

إسرائيل تنفي اتهامات الأردن والدول العربية بأنها تحاول تغيير الوضع الراهن للأماكن الإسلامية المقدسة في البلدة القديمة بالقدس التي احتلتها في حرب عام 1967

وتجمع عمان وتل أبيب معاهدة سلام جرى توقيعها عام 1994، تبعتها اتفاقيات أخرى، ومضت الـ28 سنة الماضية وسط تباين واختلاف في مستوى العلاقات، كانت تل أبيب عامل التوتر فيها؛ خاصة مع استمرار تعدّي إسرائيل على دور المملكة في الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بمدينة القدس.

وشهدت العلاقات بين الأردن وإسرائيل جفاءً واضحا في عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو (2009 ـ 2021)، إلى درجة دفعت العاهل الأردني إلى وصفها خلال جلسة حوارية في واشنطن بأنها “في أسوأ حالاتها”، لكن تلك العلاقات شهدت انفراجة في عهد رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت.

وفي مارس 2013 وقع العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقية تعطي المملكة حق “الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات” في فلسطين.

ويرى مراقبون أن إسرائيل تدرك تماما أن الأردن لاعب أساسي لا يمكن تجاوزه في ما يتعلق بالقدس، لكنها سعت عبر اتهامها له بالإضرار بعملية السلام إلى محاولة صرف الأنظار عن تجاوزاتها، لاسيما بعد الحرج الذي سببته لها خطوة الأردن.

وتنذر التطورات الأخيرة في المسجد الأقصى -بمعطياتها وحيثياتها- بأن العلاقات بين إسرائيل والأردن أصبحت على المحك، وربما تعود إلى وضعها السابق بعد أن شهدت انفراجة نسبية، لكن من المرجح أن تحاول تل أبيب تدارك ذلك.

ويؤكد صايل السرحان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة آل البيت الأردنية (حكومية)، أن “الأطراف الدولية الفاعلة، وعلى رأسها واشنطن، تسعى للضغط على إسرائيل منعا لاشتعال المنطقة، ولتتفرغ وتكسب المزيد من التأييد في وجه قوى دولية صاعدة، مع اقتناعها بدور الأردن المحوري في هذا الملف”.

وأكّد العاهل الأردني خلال لقائه في عمّان الأربعاء الرئيس الفلسطيني رفضه “التضييق الإسرائيلي” الذي طال أخيراً المصلّين المسلمين والمسيحيين في القدس.

وقال الديوان الملكي في بيان إنّ الزعيمين بحثا “التصعيد” الإسرائيلي الأخير في القدس وعملية السلام.

ونقل البيان عن الملك تأكيده خلال اللقاء أنّ “التضييق الذي طال المصلّين (المسلمين) في القدس، وتقييد حركة المسيحيين والتأثير على احتفالاتهم الدينية أمر مرفوض”.

ودعا العاهل الأردني إلى “العمل بشكل حثيث مع الدول الفاعلة والمجتمع الدولي لاستعادة الهدوء في المدينة المقدّسة، ومنع تكرار ما تتعرض له من اعتداءات على المقدّسات الإسلامية والمسيحية والأهالي فيها”.

واندلعت أعمال عنف خلال منتصف أبريل في باحة المسجد الأقصى بالقدس الشرقية بين متظاهرين فلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، في مواجهات أثارت تخوّفا من حصول تصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين.

وعشية عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية الشرقية عرقلت حواجز للشرطة الإسرائيلية وصول مصلّين مسيحيين إلى كنيسة القيامة للاحتفال بسبت النور.

وأسفرت مواجهات الأسبوع الماضي عن جرح أكثر من 250 فلسطينيا. وأغلقت السلطات الإسرائيلية التي تشرف على الدخول إلى الحرم القدسي المعابر التي تسمح لفلسطينيي الضفة الغربية بالتوجه إلى القدس.

2