ضغوط حكومية وشعبية لكبح انفلات أسعار الوقود في المغرب

تواجه الحكومة المغربية ضغوطا شعبية لمحاصرة تغول شركات الوقود، التي استغلت سياسة تحرير الأسعار منذ سنوات لتلتف على القطاع وتمارس عمليات احتكارية مفضوحة في السوق المحلية أدت إلى انتفاخ جيوب أصحابها على حساب المواطنين.
الرباط- انصاعت شركات الوقود المغربية مؤقتا لضغوط الحكومة وبدأت مع بداية هذا الشهر في تنفيذ تخفيضات محدودة على الأسعار لامتصاص غضب المواطنين. ولا يسعد انخفاض أسعار النفط العالمية المغاربة في ظل استمرار ارتفاع الأسعار في السوق المحلية منذ حررت الحكومة القطاع قبل ثلاث سنوات.
وتعهدت الحكومة في كثير من المرات بالتدخل لدى شركات الوقود لخفض الأسعار، لكن التخفيضات لم تتجاوز النصف درهم (5 سنتات أميركية) للتر، في بلد هو خامس مستهلك للنفط في أفريقيا.
وقال وزير الحكامة والشؤون العامة المغربي لحسن الداودي الأسبوع الماضي في مجلس المستشارين، الغرفة الثانية في البرلمان إن “سعر البترول يتراجع، وفي أواخر الشهر يجب أن ينعكس ذلك على المغرب وإذا لم تتراجع الأسعار، فإن التسقيف هو الحل”.
وألمح حينها إلى أن الحكومة ستتدخل لوضع سقف لأرباح الشركات والموزعين للسيطرة على القطاع الذي تثير تجارته جدلا واسعا. وبدأت مشكلة أسعار الوقود مع تحرير القطاع في ديسمبر 2015 ورفع الدعم عنه في إطار خطة لإصلاح صندوق المقاصة الذي كان يعاني من عجز كبير، باعتباره يدعم موادا أساسية مثل الزيت والسكر والدقيق وغاز الطهي.
وأصبح الصندوق عبئا لا يطاق على الميزانية مع ارتفاع أسعار النفط في 2006 و2007 حين زادت ميزانيته من ما بين 3 و5 مليارات درهم (320 و530 مليون دولار) في مطلع الألفية إلى 56 مليار درهم (5.9 مليار دولار) في 2012.
وخصصت الدولة للصندوق في الميزانية الحالية 13.7 مليار درهم (1.44 مليار دولار). وتقول إن إصلاح الصندوق مكنها من تقليص تكاليف الدعم أكثر من 70 بالمئة. وتلقي الحكومة باللوم على الشركات في ارتفاع أسعار الوقود حيث يتجاوز سعر لتر البنزين العشرة دراهم، بينما يزيد سعر زيت الغاز على التسعة دراهم.
ونسبت وكالة رويترز للداودي قوله إن “الأسعار انخفضت، لكن المشكلة في هامش الربح الذي حددته الشركات، في مرحلة ما وسعت هوامش ربحها، وبعد تهديدها بالتسقيف تراجعت وخفضت الأسعار، ولكن هذا لا يعني أن المشكلة انتهت”.
وأضاف “نحن معنيون بتسقيف الأرباح، أما الأسعار فهي دولية. نحن مهمتنا ألا يرتفع هامش ربح الشركات، ونحن دخلنا معها في حوار من أجل الاتفاق على هامش ربح معين وفي حالة عدم الالتزام سنطبق التسقيف”.
وامتنع عدد من الشركات عن التعليق. وقال عادل الزيادي رئيس تجمع البتروليين المغاربة بعد الاجتماع الذي عقده الداودي مع ممثلي شركات القطاع في تصريح لموقع هسبريس المحلي إن ملف المحروقات “بات سياسيا ونحن نريد أن يخرج من السياسة لأننا لا نمارسها بل نقوم باستثمارات وفي عنقنا مسؤولية تزويد السوق”.
وأضاف “شركات المحروقات تقوم بتخفيض الأسعار في السوق الوطنية تلقائيا بعد انخفاضها في السوق الدولية”. وكان النائب عبدالله بوانو قاد لجنة استطلاعية العام الماضي عن أرباح شركات الوقود بعد استياء شعبي لاستمرار ارتفاع الأسعار رغم انخفاضها في الأسواق العالمية.
وأعطى بوانو مثالا بشركة توزيع واحدة، لم يذكر اسمها، تضاعفت أرباحها قبل عام من تحرير القطاع من 31.5 مليون دولار إلى 94.6 مليون دولار. وأوضح أنه من أصل 20 شركة محروقات في المغرب 11 تستورد وأربع شركات فقط تستحوذ على 70 بالمئة من السوق. وقال”هناك هامش ربح كبير جدا نحن أمام عشرات المليارات من الربح.. هناك شركات تضاعف ربحها ألفا بالمئة”.
ويرى آخرون أنه بالإضافة إلى تحرير الأسعار فإن توقف الإنتاج بشركة سامير للتكرير في صيف 2015 عقب إفلاس الشركة المملوكة للملياردير السعودي محمد حسين العامودي قد أدى لتفاقم الوضع.
20 شركة محروقات في المغرب، 11 منها تستورد الخام و4 فقط تستحوذ على 70 بالمئة من السوق المحلية
وهناك صعوبات في بيع المصفاة بسبب تقادم المعدات ورحيل بعض العاملين المؤهلين، لكن الحسين اليماني المسؤول النقابي في المصفاة، حمل السلطات مسؤولية عدم تقديم الضمانات الكافية للمستثمرين عبر وضع استراتيجية واضحة في القطاع.
وأضاف في تصريحات لرويترز “قطاع المحروقات في المغرب فيه فوضى ونهب للمواطنين”، مشيرا إلى أن رفع الدعم عن المحروقات وتحرير الأسعار وتوقف شركة سامير عن العمل في نفس الفترة ليس وليد الصدفة وليس بريئا.
وتعد سامير التي خصخصتها الدولة في 1997 شركة تكرير النفط الوحيدة بالبلاد وقد بلغت ديونها أكثر من 4 مليارات دولار، وصدر قرار قضائي ببيع المصفاة التي تبلغ طاقتها 200 ألف برميل يوميا.
واعتبر المحلل الاقتصادي محمد الشيكر أن اقتصاد الريع في القطاع توسع أكثر خاصة مع إغلاق سامير وباتت الشركات تطبق الأسعار التي تريدها في ظل غياب المنافسة والرقابة. وأضاف “الدولة تلوح بالتسقيف ولم تطبقه لأن الشركات ليست المستفيد الوحيد وإنما هي فلتر الوقود فيه 44 بالمئة من الضرائب لصالح الدولة”.