ضغوط حقوقية وصحافية لتعديل مشروع قانون حق الحصول على المعلومة في العراق

اللجنة النيابية تعد بتثبيت مقترحات الصحافيين كونها تخدم القانون.
الخميس 2024/09/26
التضحيات تستحق صحافة حرة

نجحت الحملة التي قامت بها منظمات حقوقية وصحافيون في تحقيق خطوة باتجاه تعديل قانون الحصول على المعلومة في العراق الذي كان بنسخته السابقة أبعد ما يكون عن هذا الحق، ويجعل من شبه المستحيل التحقيق في قضايا الفساد التي تشغل الرأي العام.

بغداد – أعلنت 14 منظمة ومؤسسة دولية انضمامها إلى نحو 600 صحافي وكاتب وباحث ومدون وناشط عراقي، بينهم مسؤولون في وسائل إعلام ومؤسسات ومنظمات غير حكومية، لحملة تواقيع تطالب البرلمان العراقي بإجراء تعديلات جوهرية على مشروع قانون “حق الحصول على المعلومة”، بما يضمن تقليل القيود إلى حدها الأدنى، الأمر الذي لاقى تأييدا من لجنة الأعلام النيابية.

وتزايدت مخاوف الأوساط الصحافية ومنظمات المجتمع المدني في الآونة الأخيرة، من تشريع قانون “حق الحصول على المعلومة” بعد المسودة المطروحة عن ضمان ذلك الحق.

وواصل مسؤولون في حملة تعديل مسودة القانون، لقاءاتهم وحواراتهم خلال الأسبوع الماضي، مع نواب وسياسيين ومنظمات مدنية وشخصيات مؤثرة، فضلا عن المشاركة في برامج تلفزيونية في قنوات اعلامية مختلفة، لإقناع الأطراف البرلمانية المعنية بتضمين لائحة التعديلات التي يطالبون بها، بما يضمن إصدار قانون يجسد ذلك الحق في بلد قدم خلال عقود عشرات آلاف الضحايا من أجل ضمان حرية التعبير والنشر.

وكشفت منظمة برج بابل الاثنين الماضي عن تقديمها ألف توقيع لصحافيين ومحامين إلى 4 لجان برلمانية من أجل تعديل مسودة مشروع هذا القانون والمضي في تشريعه.

لجنة الإعلام النيابية بحثت مع منظمات للمجتمع المدني، مقترحاتها للأخذ بها وتضمينها في قانون حق الحصول على المعلومة

ودعا الموقعون الى “ضمان ذلك الحق المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها العراق، وعدم وضع قيود بيروقراطية كالاستجابة السريعة لطلبات منح المعلومات وعدم حصرها برئيس الدائرة او من يمثله، وإلغاء كل الفقرات التي تقيد ذلك الحق خاصة ما يتعلق بقضايا العقود الحكومية والملفات الاقتصادية والسلوك الوظيفي، في ظل ما يعانيه العراق من انتشار للفساد”.

وذكرت لجنة الثقافة والسياحة والآثار والاعلام النيابية، في تصريح إعلامي أنها “بحثت مع عدد من منظمات المجتمع المدني، تشريع قانون حق الحصول على المعلومة، واستمعت إلى مقترحاتهم للأخذ بها وتضمينها في القانون”.

وأشار رئيس (السن) للجنة وعدد من أعضائها، الى أن اللجنة “عملت تغييرات كثيرة تلائم الغاية الحقيقية من تشريع وتنفيذ القانون بصورة شفافة، فضلا عن ملاءمتها للمعايير الدولية”.

بدوره، قال عضو الحملة وائل منذر أن أعضاء اللجنة النيابية المعنية تسلموا مقترح التعديلات، واتفقوا على أهميتها، ووعدوا بتثبيتها كونها تخدم القانون وتؤكد على الحق في الحصول على المعلومات بما لا يتقاطع مع ضمان الأمن القومي وحماية المعلومات المرتبطة به.

وتراجع العراق مرتبتين في مؤشر 2024 لحرية الصحافة، حيث جاء بالمرتبة 169 عالمياً من أصل 180 دولة، في وقت وثقت جمعية “الدفاع عن حرية الصحافة في العراق”، تسجيل انتهاكات وصلت إلى 333 انتهاكاً خلال عام، ما يعكس واقع الصحافة العراقية.

ووصف المرصد العراقي للحريات الصحفية، في فبراير الماضي، بنود مشروع القانون، بالمثيرة “للقلق والخوف”، مبينا أنه وفقا للمقترح المطروح فإن تقصي الحقائق هو أشبه بالمهمة المستحيلة.

وأكد المرصد أن “المقترح المطروح لقانون حق الحصول على المعلومة، يهدد بتقييد العمل الصحفي في العراق”، لافتا الى أن “الحصول على المعلومة وتقصي الحقائق واكتشاف بعض الخفايا والملفات، أصبحت مهمة مستحيلة وهو ما يدعو للخوف والقلق”.

ومنذ نحو عقدين من الزمن يطالب الصحافيون في العراق بإقرار قانون يضمن لهم العمل بحرية ويسهل حصولهم على المعلومات، دون التعرض للمساءلة القانونية أو التهديد والملاحقة، وهم يعانون في ظل عدم تعاون المؤسسات بنوافذها الرسمية معهم وعرقلة منحهم المعلومات بشكل مباشر، ما يساهم في انتشار التسريبات لأهداف خاصة.

وأبدى سامان نوح، رئيس شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية، وهو عضو في الحملة، استغرابه من عدم اطلاع غالبية الصحفيين على المسودة المقترحة رغم تعلقها بعملهم وحياتهم، منتقدا غياب دور نقابة الصحافيين ومسؤولي شبكة الاعلام العراقي وعشرات المؤسسات الصحافية عن دعم التعديلات أو حتى متابعة تفاصيل مسودة القانون وما تضمه من مواد، رغم أن هذا القانون معني بترسيخ الحريات الصحافية ومحاربة الفساد الذي بات يهدد كل مفاصل الدولة.

الصحافيون بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية والعقائدية والمواقع التي يعملون فيها، معنيون "بتثبيت الحريات المكفولة دستوريا، انطلاقا من حرية التعبير والصحافة والنشر، على طريق دعم الديمقراطية العراقية المتعثرة"

وقال نوح أن الصحافيين بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية والعقائدية والمواقع التي يعملون فيها، معنيون “بتثبيت الحريات المكفولة دستوريا، انطلاقا من حرية التعبير والصحافة والنشر، على طريق دعم الديمقراطية العراقية المتعثرة”.

وتابع أن نحو 500 صحافي وصحافية، قتلوا، وجرح أضعاف ذلك العدد على طريق نقل الحقيقة وخدمة المجتمع، خلال عقدين من الزمن “هذه التضحيات الكبيرة كما تضحيات كل العراقيين على طريق تطلعهم للحرية والخلاص من الدكتاتورية، تستحق صحافة حرة، محمية بقوانين واضحة تؤيد عملها. قوانين لا تساهم في إخفاء الحقائق تحت أي حجج سلطوية. قوانين تستوعب حاجات البلد لمحاربة الفساد وإنهاء المظالم وترسيخ المؤسسات”.

ونوه نوح، أن الحديث عن ملفات سرقة القرن والعقود الوزارية وشبكة التنصت، التي ظهرت خلال الشهور الماضية، وما ينقله ويكتبه الصحافيون اليوم قد يصبح ممنوعاً من التداول في حال مرر البرلمان قانون “حق الحصول على المعلومة” بنسخته الحالية التي تتضمن مواد “خطيرة” تمنع الحصول على المعلومات المهمة وتخالف الدستور.

ونشر 18 ملاحظة قانونية على مسودة القانون، أعدها المشاركون في الحملة، وترتكز في غالبيتها على ضبابية التعريفات المتعلقة بأشكال المعلومات والوثائق السرية، إلى جانب إعطاء الموظفين سلطات تقديرية في حجب بعض المعلومات المالية التي تتعلق بالصفقات، الأمر الذي يؤثر بدوره على تناول عقود الوزارات حيث تكمن “كوارث الفساد”.

وكان مجلس الوزراء العراقي في 4 أكتوبر 2023، أقر مشروع قانون حق الحصول على المعلومة وأحاله إلى مجلس النواب لتشريعه، فيما قام البرلمان بالقراءة الأولى للمشروع في 14 فبراير 2024، وقام بالقراءة الثانية في 3 أغسطس الماضي.

يذكر أنه في الوقت الذي تعمل فيه العديد من المنظمات والنقابات والمؤسسات الصحفية على إنضاج قانون حق الحصول على المعلومة، تراوح الكتل السياسية داخل البرلمان منذ أكثر من دورة انتخابية، من دون أي محاولة للتصويت عليه.

5