ضغوط حقوقية على الجزائر وبوليساريو لإحصاء سكان مخيمات تندوف

الجزائر - بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، وجّهت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان دعوة عاجلة إلى السلطات الجزائرية، مطالبة إياها بتمكين سكان مخيمات تندوف من كافة حقوقهم التي تضمنها المواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقية جنيف لسنة 1951، مع التأكيد على ضرورة رفع الحصار المفروض عليهم من قبل السلطات الجزائرية وبوليساريو والسماح بإجراء إحصاء رسمي تحت إشراف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وشددت المنظمة على أن إجراء الإحصاء يُعد خطوة أساسية لضمان الحق في التنقل والحصول على بطاقة “لاجئ”، ما من شأنه تعزيز الحماية القانونية لسكان هذه المخيمات، وتكريس وضعيتهم وفقًا للمعايير الدولية. كما دعت المفوضية السامية إلى تحمل كامل مسؤولياتها في هذا الصدد، لا سيما أن قرارات مجلس الأمن الأممي قد نصت في مناسبات متعددة على ضرورة إجراء هذا الإحصاء.
وعبرت عن قلق بالغ حيال ما وصفته بالوضعية المزرية التي يعيشها اللاجئون وطالبو اللجوء في عدد من دول الجوار، من بينها الجزائر وتونس وليبيا، حيث يتعرضون لانتهاكات جسيمة تشمل المطاردات الأمنية، والطرد الجماعي نحو مناطق صحراوية قاحلة، إلى جانب المعاملات المهينة والعنصرية، بما في ذلك ضد النساء والأطفال والفئات المستضعفة التي تحتاج إلى حماية دولية، وهو ما يشكل، بحسب البيان، خرقًا صارخًا للاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان التي سبق لتلك الدول أن صادقت عليها.
وسجلت أن المغرب، نظرًا لموقعه الجغرافي، بات يشكل ملاذًا لعدد متزايد من اللاجئين، خصوصًا القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما تطلب اعتماد سياسات متقدمة في مجال الهجرة واللجوء، بدءًا من مصادقة المملكة على عدد من الاتفاقيات الدولية، مرورًا بتكريس حقوق اللاجئين في دستور 2011، وانتهاءً بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، التي دخلت عامها الحادي عشر.
كما أشادت المنظمة بالشراكة التي تجمعها مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ سنة 2007، والتي مكنتها من تقديم الدعم القانوني لطالبي اللجوء ومتابعة أوضاعهم الإنسانية، بما راكم تجربة معتبرة في مجال حماية اللاجئين والنهوض بحقوقهم داخل المغرب.
وفي السياق ذاته، جددت المنظمة التزامها المبدئي بالدفاع عن حقوق اللاجئين، داعية المنتظم الدولي إلى تقاسم المسؤولية في ما يخص الحماية والمساعدة، والعمل على مواجهة التحديات الجديدة المرتبطة بالنزوح القسري بسبب الكوارث البيئية والتغيرات المناخية، وهي قضايا لم تجد بعد ما يكفي من المعالجة في التشريعات الوطنية والدولية.
وأوصت بالإسراع في إخراج القانون رقم 66.17 المتعلق باللجوء وشروط منحه، إلى جانب تحيين القانون رقم 72.17 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب، بما يضمن التمكين الكامل للاجئين والمهاجرين من حقوقهم، وفق مقتضيات الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
ودعت إلى تفعيل صارم للآليات القانونية في مواجهة خطاب الكراهية والتمييز والعنصرية، لا سيما تلك التي تستهدف النساء اللاجئات والأطفال المصاحبين لطالبي اللجوء، مع التأكيد على ضرورة دعم المجتمع المدني وتعزيز البرامج التعليمية التي تسهم في ترسيخ ثقافة التعايش وقبول الآخر.
وفي ختام بيانها، شددت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان على أهمية تسهيل وتسريع إجراءات تسوية الوضع القانوني للاجئين داخل المغرب، ومنحهم بطائق الإقامة لتيسير إدماجهم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، مؤكدة في الوقت ذاته التزامها بمواصلة جهودها في هذا المجال، عبر تقديم الدعم والإرشاد القانوني اللازم بالتعاون مع كافة الشركاء.
لكن خلف هذه المطالب الحقوقية التي تتجدد عامًا بعد عام، يقف واقع سياسي وإنساني معقد في مخيمات تندوف، حيث ترفض الجزائر وجبهة البوليساريو بشكل ممنهج السماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإجراء إحصاء رسمي لسكان المخيمات. ورغم أن هذا الرفض يشكل إخلالًا مباشرًا بالتزامات الجزائر الدولية كدولة مضيفة، إلا أنه يخفي خلفه حسابات سياسية تتجاوز الاعتبارات الإنسانية.
وتفيد تقارير دولية ومراقبون بأن الجزائر والبوليساريو يعمدان إلى تضخيم أعداد اللاجئين داخل المخيمات، التي تُقدّر رسميًا بنحو 100 ألف، في حين تشير تقديرات مستقلة إلى أن العدد الحقيقي لا يتجاوز 30 ألفًا. ويُعتقد أن الهدف من هذا التضخيم هو زيادة حجم المساعدات الإنسانية الدولية، والتي لا تصل كلها بالضرورة إلى مستحقيها.
كما تخشى الجزائر من أن يكشف أي إحصاء شفاف عن كون جزء من السكان لا ينحدرون أصلًا من الأقاليم الصحراوية المغربية، بل تم استقدامهم من مناطق أخرى بهدف تعزيز رواية البوليساريو، فيما تُستخدم هذه المخيمات كورقة ضغط دائمة في نزاع الصحراء، وأي إحصاء محايد قد يُفقد هذه الورقة قيمتها السياسية أمام المنتظم الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، يفرض الواقع داخل المخيمات قيودًا صارمة على حرية التنقل، وهو ما يتعارض مع حقوق اللاجئين كما نصت عليها اتفاقية جنيف، ويثير شكوكا حول تحويل المخيمات إلى فضاء مغلق تتحكم فيه عناصر البوليساريو بتفويض ضمني من الجزائر، في تعارض مع مقتضيات القانون الإنساني الدولي، الذي يُحمّل الدولة المضيفة مسؤولية الحماية القانونية والإنسانية للاجئين فوق ترابها.
ويُنظر إلى رفض الجزائر إجراء هذا الإحصاء، رغم دعوات مجلس الأمن المتكررة، على أنه محاولة للتهرب من المساءلة الدولية وتجنب كشف الانتهاكات التي تُرتكب داخل هذه المخيمات، والتي لا تخفى على تقارير منظمات دولية عدة.
وهكذا، تظل مخيمات تندوف، بعد مرور قرابة خمسة عقود على نشأتها، عنوانًا لتعقيد إنساني وسياسي متشابك، لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي المحتقن، فيما يظل اللاجئون داخلها رهائن لواقع يتجاوز مجرد غياب الإحصاء، إلى غياب أبسط شروط الكرامة الإنسانية وحرية الاختيار.