ضغوط الغرياني وحلفائه تنذر بانهيار مشروع المصالحة الليبية

طرابلس - بدأت نذر تأجيل المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية الذي كان مقررا عقده في مدينة سرت في الثامن والعشرين من أبريل القادم، تلوح في فضاء المشهد الليبي، بعد تشكل ملامح أزمة جديدة بين الفرقاء بسبب تدخل الأطراف المناهضة للمشروع والراغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه. وأعلن ممثلو القيادة العامة للجيش الوطني الليبي انسحابهم من المشاركة في ملف المصالحة الوطنية، ردا على سحب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قرار ضم قتلى وجرحى قوات الجيش إلى “هيئة الشهداء”.
وبحسب بيان للجيش، فإن المجلس الرئاسي أقصى نفسه بنفسه وحكم بعدم أهليته لتولي ملف المصالحة الوطنية، بعد خضوعة للتهديدات. ودعا البيان الاتحاد الأفريقي إلى اختيار شريك أفضل لقيادة هذه المهمة بعيدا عن التسييس والمماطلة، وأشار إلى أن قوات الجيش قدمت أغلى ما تملك لدحر الإرهاب وتحرير مدن بنغازي ودرنة والجنوب منه وإرجاعها للدولة، لافتا إلى أن من أبسط الحقوق هو رعاية ذوي الشهداء وتمكينهم من حقوقهم.
وأعلن 11 عضوا باللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة الوطنية تعليق مشاركتهم بسبب تصرفات النائب بالمجلس الرئاسي عبدالله اللافي، وقالوا في بيان إنهم قرروا تعليق مشاركتهم إلى حين إعادة النظر في إدارة ملف المصالحة، مؤكدين أن الشعب الليبي يأمل في بدء عملية مصالحة وطنية عبر حوار وطني حقيقي دون إقصاء أو تهميش. وأوضح البيان أن رفض عبدالله اللافي ضم شهداء وجرحى ومفقودي القوات المسلحة العربية الليبية إلى الهيئة العامة المختصة إجهاض لجهود اللجنة التحضيرية، ودليل على عدم الجدية والالتزام بأبجديات المصالحة.
واعتبر الأعضاء في خطاب توجهوا به إلى رئيس اللجنة رفيعة المستوى في الاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا ساسو نغيسو، أن تعنت اللافي يُعد نسفا لجهود الاتحاد الأفريقي في تحقيق المصالحة الوطنية، وعرقلة واضحة لعمل اللجنة التحضيرية، وأكدوا أن التسويف والمماطلة وإطالة العمل على ملف المصالحة وتأخير إنجازه بحجج واهية لأكثر من مرة، يجعل من اجتماع المؤتمر الجامع في أبريل المقبل أمرا بعيد الاحتمال، مطالبا اللجنة رفيعة المستوى بإعادة النظر في تولي عبدالله اللافي الإشراف على ملف المصالحة، وتكليف محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، أو موسى الكوني عضو المجلس الرئاسي، أو تفعيل المفوضية العليا للمصالحة الوطنية.
◙ المجلس الرئاسي أقصى نفسه بنفسه وحكم بعدم أهليته لتولي ملف المصالحة الوطنية، بعد خضوعة للتهديدات
وكان المنفي سحب قراره بضم قتلى وجرحى قوات الجيش الليبي إلى الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء والمفقودين والمبتورين في حكومة الوحدة الوطنية، بعد تعرضه لموجة احتجاجات داخل طرابلس وصلت إلى حدّ اقتحام مقرّه، ومعارضته من طرف نائبه علي اللافي.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي انسحاب وفد قيادة الجيش من اللجنة التحضيرية إلى قطع الطريق أمام عقد الاجتماع الشامل بمدينة سرت الخاضعة لنفوذ قوات الجنرال المشير خليفة حفتر، وإلى دخول دوامة البحث عن مكان آخر لعقد مؤتمر في نطاق لا يتجاوز حدود إقليم طرابلس. ويرجحون أن تكون هناك خطة لعرقلة المؤتمر الذي تم تحديد موعده ومكانه خلال اجتماع اللجنة التحضيرية في مدينة سبها، وأن هناك أطرافا في مواقع القرار بما في ذلك المجلس الرئاسي غير متحمسة للاجتماع ولا لدور الاتحاد الأفريقي في إدارة عملية المصالحة.
وقالت أوساط ليبية مطلعة إن تيار الإسلام السياسي الموالي لرئيس دار الإفتاء التابعة لحكومة الوحدة الوطنية الصادق الغرياني، هو من يدفع نحو إفشال مشروع المصالحة الوطنية، ويقوم بتحريك حلفائه من أمراء الحرب وقادة الميليشيات وبعض الفبرايريين المتشددين، وفلول الجماعات الإرهابية الفارين من شرق البلاد إلى مدن الساحل الغربي، للضغط من أجل عرقلة جهود مؤتمر سرت.
والأسبوع الماضي، أكد محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا أن المصالحة الوطنية في بلاده لن تكون حقيقية ومؤثرة إذا لم تشارك فيها جميع الأطراف المعنية، وأكد خلال لقائه مع جان كلود جاكوسو وزير خارجية الكونغو (برازفيل)، أن المصالحة كمشروع مجتمعي طويل الأمد تعني إنجاز توافق شامل بين مختلف مكونات المجتمع حول خطة وطنية لتسوية تاريخية متكاملة. وكان الفريق السياسي للمرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي، أعلن في منتصف ديسمبر الماضي، انسحابه من المشاركة في مشروع المصالحة الوطنية الذي يقوده المجلس الرئاسي، احتجاجا على استمرار سجن رموز النظام السابق.
واتهم الفريق المجلس الرئاسي بعدم الجديّة تجاه عملية المصالحة، من خلال عدم معالجة ملف إطلاق سراح رموز النظام السابق المعتقلين منذ 2011 دون توجيه تهم إليهم، معتبرا أن “من العبث الاستمرار في هذا المشروع، وأن روح الانتقام لا تزال سائدة مع استمرار معاملة بعض الليبيين على أنهم عبيد”، مشدّدا على أن العدالة ينبغي ألا تكون لطرف على حساب طرف آخر.
وجاء هذا الموقف بعد أن أكدت وزيرة العدل بحكومة الوحدة الوطنية حليمة عبدالرحمن أنها عملت على إطلاق سراح الكثير من المحتجزين لدعم المصالحة الوطنية وبناء الدولة، لكن هناك من لا يريد إنجاح المصالحة الوطنية، بينما أكد أحمد عبدالحكيم حمزة، رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أن هناك 8 سجون على الأقل لا تخضع لوزارة العدل.
تيار الإسلام السياسي هو من يقوم بتحريك حلفائه من أمراء الحرب وقادة الميليشيات وفلول الجماعات الإرهابية للضغط من أجل عرقلة جهود مؤتمر سرت
ولا يزال عدد من رموز النظام السابق يقبعون خلف القضبان، رغم تبرئتهم أو انتهاء مدة عقوبتهم، وأن هناك أطرافا سياسية لا تزال تراهن على استعمالهم كأوراق مساومة خلال المرحلة القادمة. ورغم أن المجلس الرئاسي الليبي أعلن فتح ملف سجناء النظام السابق لتجاوز الخلاف السياسي القائم مع فريق سيف الإسلام القذافي، إلا أن لا شيء من ذلك حصل على أرض الواقع.
واتهم المرشح الرئاسي عبدالرحيم البركي وكيل وزارة التعليم في حكومة عبدالله الثني، عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي بإفشال عمل اللجنة التحضيرية للمصالحة الوطنية، وأوضح في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي إكس أن “اللافي هو السبب الرئيسي في فشل عمل اللجنة التحضيرية للمصالحة الوطنية، وهو من أقصى نفسه بسبب التزامه بتعليمات المفتي الغرياني الذي يرفض أي مشروع فيه سيادة ليبيا، ووحدتها، ولم شملها”، داعيا الاتحاد الأفريقي إلى أن يعيد النظر في إدارة الرئاسي لملف المصالحة.
وأيدت آمال بوقعيقيص، عضو ملتقى الحوار السياسي، قرار سحب وفد القيادة العامة للجيش من اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة، وبينت على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أنه كما هو معلوم فإن مسار المصالحة الوطنية انبثق عن الاتفاق السياسي الذي تم بـجنيف، وأبرزت أن المصالحة الوطنية شأن وطني داخلي لا داعي لإدخال أطراف خارجية فيه مثل الاتحاد الأفريقي، مشيرة إلى أن تدخل المبعوث الأممي عبدالله باتيلي في ملف المصالحة يكفي، داعية كل الوفود الوطنية المشاركة في مسار المصالحة “المختل” إلى أن تنسحب منه إلى حين إجراء إعادة نظر بالكامل في اتفاق جنيف.
وكان باتيلي أعلن الأسبوع الماضي أنه ناقش مع عبدالله اللافي عضو المجلس الرئاسي، مؤتمر المصالحة المقرر عقده في الثامن والعشرين من أبريل المقبل في مدينة سرت، وطالب بضرورة الاستعداد الجيد لمؤتمر المصالحة الوطنية لضمان نجاحه. وقال المجلس الرئاسي في بيان له إن مناقشات اللافي وباتيلي تمحورت حول تطورات الأزمة السياسية في ليبيا، حيث بحثا حالة الانسداد السياسي الراهنة، وما جرى إنجازه في ملف المصالحة الوطنية، وجهود انعقاد المؤتمر الوطني الجامع، بمشاركة جميع الأطراف في العملية السياسية.