ضغط التكاليف يخفت زخم الاستثمار العالمي في الهيدروجين الأخضر

لندن - أدت ضغوط التكاليف الباهظة بكثير من المستثمرين إلى صرف النظر مؤقتا عن إطلاق مشاريع الهيدروجين الأخضر في أنحاء العالم وسط عدم تحقق التوقعات بهدوء الأسعار التي تؤثر على نمو القطاع.
ورغم اقتناع الحكومات وشركات الطاقة الكبرى بالهيدروجين كوقود تمت الإشارة إليه باعتباره عنصرا حاسما للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية وكوسيلة لتخليص مجموعة صناعات من التلوث، لكن هذا المسار يواجه صعوبات.
وأجبرت التكلفة غير الاقتصادية للإنتاج العديد من المطورين على إلغاء خططهم، مما ترك القطاع الناشئ يكافح لجذب مليارات الدولارات التي يحتاجها لخفض انبعاثات الكربون بشكل ملموس.
ويرى جينيومير فليس محلل الهيدروجين المستقل أنه مع بروز تقييم واقعي فيما يتعلق بالتكاليف التي تتطلبها مشاريع القطاع، في ظل المبالغة في الوعود، إلا أن الصناعة لم تف بما وعدت.
ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى فليس المستشار أول في شركة كايا بارتنرز قوله “من الطبيعي أن يكون هناك نوع من التراجع وتهدئة بعض الوعود المبالغ فيها”.
وتم الترويج للهيدروجين الأخضر، الذي يُنتج باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر متجددة لفصل جزيئات الماء، كحل محتمل لخفض الانبعاثات من كل ما يعتمد حالياً على الفحم أو الغاز الطبيعي، مثل إنتاج الصلب والشحن وحتى التدفئة المنزلية.
وقال إريك تون كبير التقنيين في لجنة الاستثمار لدى شركة بريكثرو إنيرجي فينتشرز هذا الشهر في بودكاست “زيرو” على منصة بلومبيرغ إن “الهيدروجين هو سكين الجيش السويسري في الطاقة”، في إشارة إلى تعدد استخداماته وفعاليته. وأضاف إذا “كان لديك ما يكفي من الهيدروجين وكان رخيصا بما يكفي، فيمكنك فعل أي شيء.”
وكذلك، يمكن إنتاج أنواع منخفضة الكربون من الهيدروجين عبر استخدام معدات لالتقاط الانبعاثات، أو ربما عن طريق استخراجه مباشرة من الأرض.
لكن كلفة التطوير ظلت أكثر مما توقعه الكثيرون. وقد رفع المحللون في بلومبيرغ أن.إي.أف تقديراتهم لتكاليف مشاريع الهيدروجين الأخضر في كل من الولايات المتحدة والولايات المتحدة بنسبة 55 في المئة هذا العام، مقارنة بتوقعات عام 2022.
ويُعزى ذلك إلى أن عمليات التصميم والهندسة اتضح أنها أكثر تعقيداً مما كان يُعتقد في البداية، ففي أوروبا، مثلا، أدى ارتفاع أسعار الطاقة أيضاً إلى ارتفاع تكاليف المدخلات.
ونتيجة لذلك، فإن كلفة الهيدروجين المنتج باستخدام الطاقة النظيفة أعلى بأربع مرات من كلفة الهيدروجين المصنع من الغاز الطبيعي، وفق بلومبيرغ أن.إي.أف.
واستنادا على ذلك، فإنه ليس من المستغرب أن غالبية المشاريع لا تجد زبونا واحدا يتقدم لشراء الوقود، إذ دون مشترين راغبين في هذا المورد النظيف بيئيا، لا يمكن الإنتاج.
وعندما ألغى مادس نيبر الرئيس التنفيذي لشركة أورستيد أي.أس في وقت سابق هذا العام خططا لإنشاء مصنع سويدي بقيمة 175 مليون دولار لإنتاج وقود الشحن من الهيدروجين، كانت تبد عليه علامات الإحباط بالفعل.
وعلق على ذلك بالقول “يتباطأ تقدم التطوير التجاري للسوق المستقبلية لأنواع الوقود الكهربائي السائل (المشتقة من الهيدروجين) بأكثر من المتوقع”. وأضاف “لم نتمكن من إبرام عقود مستقبلية طويلة الأجل بأسعار مستدامة.”
وتشمل المشاريع الأخرى التي جرى التخلي عنها مصنعاً لتصدير الهيدروجين والأمونيا في تسمانيا وأكثر من 10 مشاريع في مرحلة مبكرة خططت لها شركة النفط البريطانية العملاقة بي.بي.
وقبل عام، أثار ضجيج الصناعة موجة من التوظيف الجديدة، وقد شهد روس تومسون، المستشار الإداري في شركة التوظيف آلبي ريسورسيز في غلاسكو، طلباً كبيراً على الأدوار التنفيذية والهندسية.
وقال في مقابلة مع بلومبيرغ إن شركته “تسعى إلى شغل أكثر من 30 وظيفة مرتبطة بالهيدروجين في وقت واحد. الآن، انخفض العدد إلى ما يقل عن 12موظف فقط.”
وأضاف “كان هناك دافع كبير للتوظيف، ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية كان ثمة انخفاض، وأؤمن بشدة بأن الهيدروجين سيزدهر، ولكن ليس في السنوات القليلة المقبلة.”
ومن المؤكد أن تحسين التخطيط والإسراع في الدعم الحكومي كانا سيساعدان كثيرا، وفي حين تحدثت الحكومات على نطاق واسع عن إمكانات الهيدروجين، فإن الخلاف حول تفاصيل الدعم أدى إلى إبطاء التقدم.
وفي الاتحاد الأوروبي، استغرق الأمر سنوات حتى يتمكن البيروقراطيون من تحديد المشاريع التي يمكن أن تتأهل كمنتجة للهيدروجين الأخضر، كما مرت الولايات المتحدة بعملية مماثلة، رغم قانونها للحد من التضخم الذي يتيح مساعدة سخية.
وثمة مؤشرات على نمو متواضع في القطاع، إذ من المتوقع أن يتضاعف إنتاج الهيدروجين النظيف هذا العام مقارنة بعام 2023، لكن هذا لا يكفي سوى لتلبية حوالي واحد في المئة فقط من الطلب.
ويتم إنتاج معظم الهيدروجين حالياً من الغاز الطبيعي أو الفحم، مما يؤدي إلى توليد انبعاثات الكربون في هذه العملية. وقال سامي العيساوي، المحلل المعني بالهيدروجين في بلومبيرغ أن.إي.أف “لقد رأينا ما لا ينجح حتى الآن، مما يتيح لنا التركيز على ما ينجح.” وأضاف “لقد انتهى الضجيج. الآن يمكننا القول إن العمل الحقيقي بدأ.”