ضعف الحنكة السياسية يعطل تواصل الحكومة المصرية مع الشارع

غياب الرقابة على أداء المسؤولين يراكم المشكلات ويرفع نبرة الغضب.
الأربعاء 2021/08/25
احتجاجات ضد نتائج البكالوريا في مصر

يقود افتقاد الكثير من المسؤولين في مصر للطريقة المثالية في التعامل مع الملفات الجماهيرية في ظل تصاعد منسوب الغضب بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، إلى فجوة غير مسبوقة في علاقة الحكومة بالشارع، وهذه عملية لن تتم مداواتها بسهولة، وقد تستثمرها تيارات مناوئة للمزيد من التوترات في وقت تعوّل فيه الحكومة على استمرار صبر الناس إلى ما لا نهاية للصمود في وجه الأزمات.

 القاهرة - أظهر تعامل مسؤولين حكوميين مع قضايا جماهيرية أن بعضهم يفتقد للحسّ السياسي خاصة في ما يرتبط بالمشكلات التي تمس صميم حياة الناس، مثل التعليم والنقل والصحة والتموين، وتزداد المعضلة عندما يتعامل المسؤول مع الأزمة بعناد ويضع أجهزة الأمن في المواجهة لتحجيم الغضب أو ترويض المحتجين.

واستمر تجمهر طلاب الثانوية العامة (البكالوريا) وأولياء أمورهم أمام مبنى وزارة التربية والتعليم بوسط القاهرة الاثنين، وذلك لليوم الخامس على التوالي وسط حضور أمني مكثف خشية محاولة المتظاهرين اقتحام مبنى الوزارة أو ارتكاب أعمال شغب، في ظل رعونة بعض المسؤولين عن قطاع التعليم وتجاهلهم غضب المتجمهرين.

وتظل وقائع التظاهر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي فردية بالنظر إلى القوانين التي تعاقب المتجمهرين بصرامة، لكن هذه المرة تحلى طلاب البكالوريا بشجاعة استثنائية غير مكترثين بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع وإمكانية تحرك أجهزة الأمن لفض التجمعات بالقوة وتطبيق النصوص القاسية لقانون التظاهر عليهم.

ويشكك الطلاب في نزاهة نتيجة امتحانات الثانوية العامة والتصحيح الإلكتروني الذي اعتمدته الحكومة للمرة الأولى في تاريخ الشهادات العامة وسط مطالبات بإعادة النظر مرة أخرى في أوراق الإجابات، لأن النتيجة تبدو كارثية من حيث ارتفاع أعداد الراسبين ومن لم يحالفهم النجاح خلال امتحانات الدور الأول.

عمرو هاشم ربيع: لا توجد مساءلة عند إخفاق مسؤولين في التعامل مع الشارع

وتعاملت وزارة التربية والتعليم مع الموقف برعونة واضحة، فلم يخرج مسؤول واحد لتهدئة غضب المتجمهرين أو التحدث إليهم بخطاب سياسي عقلاني يقنعهم بدراسة المشكلة، بل جرى وضع الأمن في صدارة المشهد، وهي نفس العقلية القديمة التي ترتبت عليها توترات سياسية بالتعامل مع المشكلات من منظور أمني.

وقال عماد عيسى، وهو أب لطالبة رسبت في الامتحانات رغم تفوقها الدراسي، إنه مستمر في الاحتجاج أمام وزارة التربية والتعليم طالما أنه يجري التعامل مع الأزمة بحلول أمنية فقط وافتقاد المسؤولين للتقدير السياسي وتقديم حلول تطمئن الغاضبين بأن شكواهم منطقية، أوعلى الأقل يتم دراستها وحفظ حقوق المتظلمين.

وأضاف الأب لـ”العرب” أن الكثير من المتجمهرين أمام وزارة التعليم من مؤيدي الرئيس السيسي في إعادة بناء الدولة وتطوير التعليم، لكن صار على الحكومة أن تفهم إمكانية تقبل الناس لهفواتها الاقتصادية والاجتماعية، وعندما تقترب من الخط الأحمر، وهم الأبناء، فالشارع لن يصمت وسوف يتحرك مدفوعا بغضب عارم.

ورغم قرب تجمهر الطلاب والأهالي من وزارات ومقار هيئات حيوية، غير أن الحكومة لم تحرك ساكنا ولم يخرج أحد المسؤولين لتهدئة المحتجين، خاصة وأن وزارة التعليم ملاصقة جغرافيا لوزارات: الإنتاج الحربي والإسكان والتعليم العالي والتموين، وقريبة من مقرات: مجلسي النواب والشيوخ ومجلس الوزراء.

وتخشى دوائر سياسية أن يستمر تصدير الأمن في معالجة الأزمات الجماهيرية، وتتسلل عناصر تخريبية تابعة للإخوان للنفخ في النار بشكل قد يستفز قوات الشرطة التي يمكنها أن تتدخل ويحدث صدام، ويتحول الأمر إلى مشكلة تؤثر سلبا على صورة الحكومة بعد فترة طويلة من غياب مشاهد التجمهر وقطع الطرق والاحتكاك بالأمن.

ويرى مراقبون أن غياب التصورات الخلاقة صار سمة عند الكثير من المسؤولين، لاسيما في الملفات الخدمية التي تتشابك مع الشريحة الأكبر من الناس، والمعضلة أن الحكومة لا تعبأ بتبعات ذلك على صورتها أمام الشارع وتبدو مهتمة بالبحث عن الإصلاح في ملفات بعيدة نسبيا عن صميم اهتمام القاعدة السكانية الأكبر.

كما أن الحلول التي يطرحها بعض المسؤولين لمعالجة أزمات محورية تبدو مثيرة للسخرية ولا تصل إلى معالجات جذرية لمشكلات متكررة طالما أحدثت فجوة بين الحكومة والشارع، وتسببت للأولى في توترات متلاحقة، وصارت الحلول أقرب إلى المسكنات، وهو الأسلوب الذي يتحفظ عليه الرئيس السيسي نفسه.

وقررت وزارة النقل الأحد، ترك العربة الأخيرة في كل القطارات فارغة من الركاب في جميع الرحلات بداعي الحفاظ على حياة الناس عند وقوع حوادث تصادم بين القطارات على شريط السكة الحديدية، وهو ما أثار موجة من السخرية من الحلول التي تفكر فيها وزارة خدمية بحجم النقل في التصدي لأزمة الحوادث المتكررة للقطارات.

لن نصمت
لن نصمت

وما يلفت الانتباه أن مسؤولي السكة الحديدية سوقوا لهذا القرار باعتباره إنجازا يحسب لوزارة النقل وأنها تحاول جاهدة التقليل من آثار تصادم القطارات دون وضع حلول جذرية للمشكلة وهي منع وقوع الحادث، ما يعكس عقم التفكير لدى قادة بعض الجهات الحكومية الحيوية وغياب الحنكة السياسية عندهم حتى في مخاطبة الشارع.

وظهرت الحكومة أمام الرأي العام كأنها عاجزة عن وقف نزيف الدماء في مرفق السكة الحديد الذي يتسبب في وقوع العشرات من القتلى والمصابين سنويا، ولجأت إلى الحل الأكثر سهولة بتفريغ العربة الأخيرة من الركاب لخفض عدد ضحايا حوادث تصادم القطارات مع أن المسؤولين عن المرفق كان يمكنهم تطبيق القرار بشكل مستتر لتجربته بعيدا عن إعلانه لحفظ ماء الوجه.

ورأى عمرو هاشم ربيع نائب مدير مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة، أن مشكلة المسؤولين أكبر من عدم امتلاكهم للحس السياسي في معالجة القضايا الجماهيرية، وترتبط بغياب المساءلة عند الإخفاق في التعامل مع الشارع بطريقة ترضي طموحات الناس، ويكون هناك نوع من العناد والمكابرة وسوء استغلال السلطة ويضعون الأمن في المواجهة.

وأوضح لـ”العرب” أن الرقابة على أداء المسؤول في مصر شبه منعدمة حتى تراكمت المشكلات وارتفعت نبرة الغضب ما جعل الحكومة عاجزة عن امتصاص تذمر شريحة من الناس سريعا، ولو وجدت المحاسبة الفورية لأي مسؤول مقصر في مهام وظيفته لما تعاملت مؤسسات حيوية مع متطلبات الجمهور بهذا النوع من الرعونة.

ويخلص المتابعون إلى أن التعويل على صمت الشارع سيولد احتجاجات ويقلل التفاف الرأي العام خلف الحكومة، لأن من تحملوا الصعاب لتعبر الدولة أزماتها الأمنية والاقتصادية لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام بقاء مسؤولين يعبثون بحياة الناس ويعالجون مشكلاتهم بسذاجة ما يشكل جرس إنذار ومعضلة حقيقية لصانع القرار في مصر.

الحلول التي يطرحها بعض المسؤولين تبدو مثيرة للسخرية ولا تصل إلى معالجات جذرية لمشكلات متكررة طالما أحدثت فجوة بين الحكومة والشارع
الحلول التي يطرحها بعض المسؤولين تبدو مثيرة للسخرية ولا تصل إلى معالجات جذرية لمشكلات متكررة طالما أحدثت فجوة بين الحكومة والشارع

اقرأ أيضا: مصر الأخرى في الساحل الشمالي تحرج الحكومة أمام البسطاء

12