ضعف التواصل مع الأهل يوقع مراهقين أردنيين في إدمان المخدرات

إدمان أخطر أنواع المخدرات يبدأ مع التجربة الأولى، ومختصون يؤكدون أن دور الأسرة محوري في الحماية من الإدمان.
الخميس 2018/12/27
مراكز العلاج بداية لحل مشكلة الإدمان

يشكل الشباب والمراهقون في الأردن الفئة الأكثر استهلاكا للمواد المخدرة وإدمانا عليها، وتقول إحصائيات رسمية إن عدد قضايا المخدرات قفزت من 13 ألفا في العام الماضي إلى 18 ألفا خلال العام الحالي، ما يؤكد أن دائرة انتشارها في اتساع مستمر. وبالرغم من محاولات الجهات الرسمية للحد من الظاهرة إلا أن مختصين يؤكدون أن حماية الأهل لأبنائهم من خلال التواصل معهم تظل السبيل الأمثل لإنقاذهم من هذه الآفة الخطيرة على حياتهم.

عمّان - انزلق الشاب يزن عبدالله إلى متاهة الإدمان في لحظة فضول قادته إلى محاولة الانتحار مرتين، يقول يزن “دعاني أحد أصدقائي إلى تدخين سيجارة من الحشيش، ولم أعرف أنها سوف تجعلني مدمنا أعاني هلوسات دفعتني إلى محاولة الانتحار لأتخلص من معاناتي”.

يضيف يزن أنه بعد فترة من تدخين الحشيش، بدأ يفقد الشعور الذي أحس به أول مرة، فأراد تجربة نوع أقوى، ودله أصدقاؤه على “الجوكر” أو الحشيش الصناعي، الذي بدأ بتعاطيه لتنقلب حياته رأسا على عقب.

ويصف الشاب الثلاثيني، من مدينة الزرقاء، تجربته مع المخدرات التي استمرت أكثر من ستة أشهر، بالقاسية، موضحا “عشت أياما صعبة كرهت فيها نفسي، وأصبحت علاقتي مع عائلتي سيئة للغاية، كنت أفضل البقاء وحدي، وبدأت تداهمني الهلوسات التي جعلتني في نزاع مع نفسي بين البقاء أو مغادرة الحياة”.

وتشير دراسة أميركية نشرت نتائجها في أبريل الماضي، إلى أن شرب الكحول، وتعاطي المخدرات، والتدخين، يرفع من معدلات الأفكار والسلوكيات المرتبطة بالانتحار لدى الشباب.

وتوصلت الدراسة إلى أن تعاطي المخدرات وشرب الكحول والتدخين أدّى إلى إصابة أكثر من ربع المراهقين الأميركيين الذين أجريت عليهم الدراسة بالاكتئاب، وما يقرب من 20 بالمئة راودتهم أفكار انتحارية خطيرة، فيما حاول 8 بالمئة منهم الانتحار بالفعل.

والد يزن كانت لديه شكوك حول تعاطي ابنه للمخدرات بسبب تغير سلوكه، ولكن بعد محاولة يزن الانتحار تأكد أنه متعاط للجوكر، وحاول علاجه من إدمانه، ولكن لم يكن الأمر سهلا، خصوصا بعد أن أصبح الجوكر حاجة ملحة بالنسبة إلى الابن ويصعب عليه التخلي عنه.

يقول الأب لوكالة الأنباء الأردنية “عندما حاول ابني الانتحار مرة ثانية، خفت من فقدانه، وخفت على والدته، وعزمت على علاجه نهائيا، فلجأت إلى طبيب نفسي نصحني بأن أشغل وقت يزن ولا أدعه فريسة للهلوسة. ولم تكن رحلة العلاج سهلة رغم رغبة ابني في ترك المخدرات، فكان يمرّ بحالات اكتئاب شديدة وأحيانا يفقد القدرة على التحمل، ويبدأ بالصراخ والشجار..”.

وتعدّ مادة الجوكر من المخدرات الاصطناعية التي راجت في الأسواق العالمية عام 2000، وانتشرت سريعا إلى أن وصلت إلى الدول العربية منذ أعوام، ويطلق عليها أسماء أخرى مثل السبايس والدريم والبنزاين، ولها مضاعفات شديدة تصل حدّ الهلوسة والموت.

ولا تعتبر مادة الجوكر من المواد الممنوعة قانونيا في العديد من البلدان، رغم تأثيراتها القوية جدا، الأمر الذي ساهم في انتشارها بسرعة بين الشباب.

وأدرج الأردن، الجوكر رسميا على قائمة المخدرات عام 2013، ليصبح ثاني دولة عربية بعد الإمارات العربية المتحدة تصنف هذه المادة كمخدرات.

وبحسب الصحافية باسمة طنطور فإن الحصول على مادة الجوكر ليس سهلا حتى في بؤر بيع المواد المخدرة وتناولها، وقد أكد بعض سكان إحدى المناطق التي تسوق فيها هذه المواد أن من يبيعونها يمتازون بالحذر الشديد ولا يفلح معهم سوى من يتحول إلى متعاط لها.

هناك ضعف في التواصل لدى بعض الأسر الأردنية مع أبنائها، حيث يخرج الأبناء مع أصدقائهم دون مراقبة الأهل

يقول نزار وهو شاب سبق له أن اشترى الجوكر “لا أعرف تاجرا محددا إلا أن الأجهزة المختصة تلقي القبض على أغلب المروجين، وقد انتقلت إلى نوع آخر بسبب الرقابة الشديدة على هذه المادة، ومنذ فترة قصيرة بدأتُ رحلة العلاج”.

وتبذل إدارة مكافحة المخدرات جهودا مستمرة للقبض على مروجي المخدرات والقضاء على الآفة، حيث تعاملت حتى شهر أكتوبر الماضي مع أكثر من 15 ألف قضية مخدرات مقارنة بـنحو 14 ألف قضية عام 2017.

وتوزعت القضايا بين الترويج والتعاطي وشكلت الفئة العمرية بين 18 و27 عاما نسبة 48 بالمئة من القضايا التي تعاملت معها إدارة المخدرات.

وأظهرت دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في العام 2016، حول انتشار المخدرات في المجتمع الأردني، أن أسعارها رخيصة بشكل ملحوظ، وذلك من أسباب انتشارها، مشيرة إلى أنّ نسبة انتشار المخدرات تناهز 21 بالمئة بحسب عينة المسح  الذي اعتمدته الدراسة.

وأوضحت أن مادة الجوكر تعدّ الأكثر انتشارا من بين الأنواع الأخرى من المخدرات بين المتعاطين، والأكثر ربحية للمروجين، مع أنها الأكثر فتكا بالجسد والعقل وفق ما بينته نتائج البحوث. وبينت الدراسة أن الإدمان على الجوكر يمكن أن يتمكّن من مستهلكها منذ المرة الأولى فيصبح معتادا على تعاطيها، كما أنه قد يؤدي إلى الموت المفاجئ.

وأوضح أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان، هاشم الفاخوري، أن للجوكر تأثيرا مشابها لتأثير الحشيش، بسبب المركبات الصناعية التي تشبه القنب الطبيعي، مبينا أن الأبحاث أثبتت أن للجوكر تأثيرات غير موجودة في غيره من المواد المخدرة منها فقدان التركيز والتغير المفاجئ في وظائف الدماغ، والانفصال عن الواقع والهذيان والهلوسة، والذهان، والإعياء، والسكتة الدماغية المؤدية إلى الموت، وتسمم الكبد، والتشنجات، والفشل الكلوي، ونوبات الفزع، وإحداث خلل في القدرات العقلية والجسدية والانفعالية.

وتقول أخصائية علم الاجتماع ميساء الرواشدة “إن الأسباب التي تدفع الشخص إلى التعاطي، عادة ما تكون من باب التجربة والفضول والرغبة في قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء، وفي حالات أخرى قد يبدأ التعاطي بسبب تعرض الشخص لضغوط نفسية كالفشل في علاقة حب أو ضغط الدراسة أو الفقر والظروف الاجتماعية الصعبة”.

وتضيف أن المدمن يعيش عادة حالة من العزلة، ويكون خائفا من أن يُكتشف أمره في محيطه، فيفضل قضاء معظم وقته مع أشخاص متعاطين مثله، لأنه ببساطة يشعر بأنه مقبول منهم، كما أن المدمن يكون مشتت التركيز وغير قادر على التفاعل مع الآخرين ما يدفعه إلى العزلة.

وتعتقد الرواشدة أن المخدرات تنتشر عادة في الفئات الغنية أو الفقيرة، ويكون انتشارها أقل في الفئة المتوسطة، كما تنتشر بشكل أكبر لدى فئة الشباب ممّن عمرهم بين الـ16 والثلاثين سنة.

وتشير المختصة في علم الاجتماع إلى أنه تقع على عاتق الأهل متابعة أولادهم والتواصل معهم بشتى الطرق والتحاور معهم لحمايتهم من الوقوع في مخاطر الإدمان، مشيرة إلى أن الأهل يجب أن يعوا بأن دورهم لا يقتصر على الرعاية وتلبية الاحتياجات ولكنه يتعدى إلى التربية بمفهومها الشامل الذي يعني تلبية الحاجات النفسية وتقويم السلوك.

وتلاحظ الرواشدة أن هناك ضعفا في التواصل لدى بعض الأسر الأردنية مع أبنائها، حيث يقضي الأبناء معظم أوقاتهم في غرفهم وعلى هواتفهم، وقد يخرجون مع أصدقائهم دون مراقبة الأهل، مؤكدة أن وجود خصوصية للأبناء أمر مطلوب ولكن في حدود المعقول، حيث تجب على الأهل متابعة أبنائهم والتعرف على أصدقائهم ولكن دون ضغط عليهم.

21