ضريبة الكربون الأوروبية تلاحق الصادرات المصرية

تسعى السلطات المصرية إلى إيجاد حلول مستمرة تتفادى من خلالها ضريبة الكربون الحدودية التي يعتزم الاتحاد الأوروبي تفعيلها بشكل رسمي بداية من عام 2026، ما يمثل ضغطا كبيرا على الحكومة لتصنيع منتجات تتواكب مع الاقتصاد الأخضر.
القاهرة - وضعت مصر جزءا كبيرا من رهاناتها على دعم صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي بالعمل على جذب التمويلات الميسرة والتنموية، لتعظيم نسبة المدخلات الخضراء في صناعة المنتجات، باعتبارها أحد الشروط الأساسية التي وضعتها دول الاتحاد للاستيراد.
وتخطط الحكومة بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني لوضع خطة إنقاذ للصناعات المحلية، لكن الوقت والتكاليف قد لا يسعفانها للتكيف مع المعايير الجديدة للاتحاد الأوروبي، ما يعتبره محللون تهديدا كبيرا لصادرات البلاد.
ويعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للقاهرة، حيث استحوذت بلدانه على 31.1 في المئة من الصادرات المصرية في العام المالي الماضي، وفق بيانات البنك المركزي.
وشكلت الصادرات التي تعتمد أساسا على الوقود الأحفوري النسبة الأكبر، وعلى رأسها الألومنيوم بنسبة 79 في المئة من إجمالي صادرات هذا المنتج، وفق بيانات البنك الدولي.
وتضاف إلى ذلك نحو 36.7 في المئة من صادرات الحديد والصلب، إلى جانب 30.6 في المئة من صادرات الأسمدة ونحو 4.1 في المئة من صادرات الإسمنت.
وقالت مصادر حكومية لـ”العرب” إن السلطات تعمل على خطة لمساعدة الصناعة المصرية لأجل التكيف مع المعايير الجديدة للاتحاد الأوروبي والسعي للالتزام بآلية ضبط الحدود الكربونية رغم صعوبتها في التطبيق لحماية القدرة التنافسية للصادرات.
وأضافت المصادر أن الخطة التي تتم بالتنسيق بين أعضاء من الحكومة وعدد من رؤساء جمعيات المستثمرين ورجال الأعمال يجري حاليا إعدادها.
وأوضحوا أنها تركز في مجملها على جذب المزيد من التمويلات الميسرة من شركات التنمية وبشكل خاص الاتحاد الأوروبي، تمهيدا لعرضها على رئيس الحكومة مصطفى مدبولي.
ومن المرجح أن يكون التأثير الاقتصادي المترتب على القواعد الأوروبية الجديدة المتعلقة بالمناخ والمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ملموسا بشكل أكبر في الأسواق الناشئة بالمقارنة مع أوروبا، ولا توجد أسواق على استعداد للتعامل مع الإجراءات الجديدة.
ويمكن لبعض الإصلاحات الأكثر أهمية والمتعلقة بالمناخ الصادرة عن الاتحاد أن تتسبب في استبعاد العديد من شركات الدول النامية تماما من أسواق التصدير الرئيسية، ما لم تبدأ الشركات في التعامل معها سريعا.
وأكد نائب رئيس مجلس الأعمال المصري – الصيني مصطفى إبراهيم أن المعايير الأوروبية تضم آلية تعديل حدود الكربون، والتي من المقرر أن تنفذ مطلع 2026.
وتوقع أن يكون لها أثر كبير على الصادرات المحلية، خاصة الصناعات التي تتسم باستهلاك الكثير من الطاقة، مثل الصلب والألومنيوم والإسمنت والأسمدة.
وضريبة الكربون الحدودية، هي رسوم انبعاثات تفرض على السلع الموردة إلى أوروبا، وصممت لوضع سعر عادل على الانبعاثات الناجمة عن إنتاج السلع كثيفة الكربون التي تشتريها دول الاتحاد، وتهدف إلى تشجيع الإنتاج الصناعي النظيف في الدول الأخرى، بحسب المفوضية الأوروبية.
ويهدف الاتحاد من خلال هذه الضريبة إلى إثناء الشركات عن التوجه إلى الدول التي تضم لوائح مناخية أقل طموحا وتأثيرا هربا من النفقات والضرائب الإضافية.
وقال إبراهيم لـ”العرب” إنه “بدءا من العام الجاري تلتزم آلية حدود الكربون المستوردين توثيق البصمة الكربونية للسلع التي يستوردونها والإبلاغ عنها، ومن يخالف يتعرض لعقوبات تتمثل في دفع رسوم على الاستيراد”.
وأشار إلى أن مواكبة الشركات المصرية لشروط الاتحاد ليس يسيرا، لأنه يستوجب تكاليف مرتفعة، فضلا عن استخدام الطاقة الخضراء وهي باهظة للغاية، ويصعب أن تطبقها لحاجة ذلك إلى العملة الصعبة.
ومن المتوقع أن يتغير كل ذلك بحلول 2026، لأنه سيفرض على المستوردين أيضا دفع ضريبة على الانبعاثات الناتجة عن السلع التي يستوردونها، وستعوض ضريبة الكربون الحدودية الاختلاف بين سعر الكربون المحلي، إن وجد، والسعر في دول الاتحاد الأوروبي.
وحسب البيانات الأوروبية الرسمية عن كلفة الكربون ستدفع الشركات في الاتحاد نحو 85 دولارا لكل طن من ثاني أكسيد الكربون الذي ينتجونه.
ومن المزمع أن تعمل هذه الآلية على إحداث تغيير جذري في الطريقة التي تؤمّن بها الشركات السلع والموارد، حيث ستعمل على تغيير تكاليف الإنتاج من خلال فرض عقوبة بينية على السلع عالية الكربون.
وقال رئيس جمعية مستثمري الألف مصنع بالقاهرة الجديدة هشام كمال إنه “يتعين على الشركات المصرية اتخاذ تدابير سريعة للحفاظ على مكانتها في السوق العالمية وكذلك صادرات المنتجات المحلية وإن كان الأمر صعبا ويتطلب دعما حكوميا كبيرا”.
وأوضح لـ”العرب” أنه يجب على المؤسسات المصرية تطوير أنظمة للكشف عن المعلومات المتعلقة بالبصمة الكربونية لمنتجاتها، وتوثيق كمية الانبعاثات المرتبطة بإنتاجها وتوزيعها واستهلاكها، وتتبع ضرائب الكربون المدفوعة مقابل المواد الخام الخاصة بها.
وتابع “هناك مقترحات عالمية بشأن الضريبة التي يجري احتسابها على أساس الفارق بين سعر الكربون المحلي وسعره في الاتحاد الأوروبي، حيث تدرس بعض الدول حول العالم فرض ضريبة خاصة بها على السلع عالية الكربون، لتجنب الضريبة الأوروبية”.
ومن البلدان التي بدأت تتحرك للخروج من الأزمة الهند التي تعتزم تحصيل الضريبة محليا بنفسها بدلا من الاتحاد الأوروبي، حتى تتمكن من استخدامها في تحولها إلى الطاقة الخضراء.
ووفقا لتقارير أوروبية، يمكن إضافة سلع متعددة تشملها الضريبة الجديدة وليس الاقتصار على السلع كثيفة استخدام الطاقة فقط، مثل المواد الكيميائية والبوليمرات ومنتجات الزيوت المعدنية ولب الورق والورق وغيرها، لكنه يستغرق وقتا طويلا وربما يكون ذلك بحلول 2030.
وتشمل الضريبة بنودا متعددة، حيث تطبق على 10 في المئة من واردات الاتحاد القادمة من الصين والبرازيل، و25 في المئة من وارداتها من الهند.
وقد تخسر موزمبيق بمفردها نحو 1.6 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي، إذ أن أكثر من نصف صادرات الألومنيوم الخاصة بها توجه إلى الدول الأوروبية.
ومن المؤكد أنه لن تقدم آلية حدود الكربون أي استثناءات للدول منخفضة ومتوسطة الدخل، مثل مصر، أو حتى إلى أقل دول العالم نموا، مثل أفغانستان واليمن وتشاد.