ضريبة الدخل خطوة عمانية جريئة لتقوية الملاءة المالية

يمثل فرض ضريبة على الدخل في سلطنة عمان تحولًا كبيرًا في السياسة المالية، وخطوة إستراتيجية في طريق بناء اقتصاد أكثر توازنًا واستدامة. وإذا ما نُفّذت بفاعلية وعدالة، فإنها قد تسهم في تحقيق أهداف رؤية 2040 وتعزيز مكانة البلد في الخارطة الإقليمية والدولية.
مسقط - اتخذت سلطنة عمان خطوة جريئة هي الأولى من نوعها في منطقة الخليج العربي مع الإعلان عن عزمها تطبيق ضريبة على الدخل، في إطار جهودها المتواصلة لتحقيق الاستدامة المالية وتنويع مصادر الدخل.
وتأتي المبادرة في سياق الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة العُمانية ضمن رؤية عُمان 2040، والهادفة إلى تقليص الاعتماد على الإيرادات النفطية وتعزيز الكفاءة المالية.
وتعكس تحركات سلطنة نحو فرض ضريبة على الدخل أن منطقة الخليج باتت تختبر وقع هذا الإجراء الجديد على مواطنيها الذين لم يعتادوا على فرض ضرائب طيلة عقود من سخاء النفط، لكن المعادلة الاقتصادية تغيرت بفعل التقلبات العالمية.
وأصدر السلطان هيثم بن طارق مرسوما الأحد يجعل من السلطنة أول دولة في الخليج تفرض ضريبة على دخل الأفراد في وقت تعمل فيه الدولة المنتجة المحدودة للنفط على تنويع مصادر إيراداتها.
وبموجب المرسوم ستفرض عُمان، التي لا تزال تعتمد إلى حد كبير على إيرادات النفط، ضريبة بواقع 5 في المئة على الأشخاص الطبيعيين الذين يزيد دخلهم عن 42 ألف ريال (أكثر من 109 آلاف دولار) سنويا بداية من 2028، وذلك وفق ضوابط حددها القانون.
وقال جهاز الضرائب العماني في بيان إن “القانون يحتوي على خصومات وإعفاءات تراعي البعد الاجتماعي كالتعليم والصحة والإرث والزكاة والتبرعات والمسكن الأساسي وغيرها.”
ويتضمن القانون الجديد 76 مادة موزعة على 16 فصلًا، تُحدد بوضوح نطاق تطبيق الضريبة وأسس احتسابها والإعفاءات والشروط الخاصة بها، وذلك ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق توازن بين متطلبات المالية العامة والعدالة الاجتماعية.
ومن أبرز التعديلات إلغاء البند الأول من المادة 18 بالمرسوم رقم 28 الصادر في عام 2009، وذلك بهدف إزالة التعارض في تفسير خضوع الأشخاص الطبيعيين غير المقيمين للضريبة، بما يعزز الاتساق التشريعي في النظام الضريبي.
وأطلقت عمان، وهي من بين أقل الاقتصادات الخليجية حجما، برنامجا ماليا متوسط الأجل في 2020 لخفض الدين العام وتنويع مصادر الإيرادات وتحفيز النمو الاقتصادي، مما أدى إلى تعزيز المالية العامة للسلطنة.
وتشير الحكومة إلى أن فرض ضريبة على الدخل يأتي في إطار خطة أوسع لإعادة هيكلة المالية العامة، خاصة في ظل التحديات التي فرضتها تقلبات أسعار النفط وجائحة كورونا في السنوات الأخيرة.
ورغم تحسن أسعار النفط مؤخرًا، فإن عُمان، كغيرها من دول الخليج، باتت تدرك أهمية بناء اقتصاد أكثر مرونة واستقرارًا لا يعتمد على مورد واحد.
وبحسب مقاربة القيادة السياسية، فإن هذه الضريبة ستُفرض في مرحلة أولى على الدخول المرتفعة فقط، بحيث لا تمسّ شريحة واسعة من المواطنين ذوي الدخل المحدود أو المتوسط.
وهذا ما تحرص عليه الحكومة لتفادي التأثيرات الاجتماعية السلبية ولضمان العدالة الضريبية، حتى لا يحصل اضطراب في تطبيقها وجني الإيرادات الممكنة لرفد خزينة الدولة.
وأوضح جهاز الضرائب أن نحو 99 في المئة من المواطنين لن يخضعوا لهذه الضريبة، وهو ما يعكس التوجّه نحو حماية ذوي الدخل المتوسط والمحدود.
وكانت مسودة القانون المقترح لضريبة الدخل تنصّ على فرض ضريبة على الدخل بنسبة بين 5 و9 في المئة، بما يشمل جميع العاملين في البلاد.
5
في المئة نسبة الضريبة على الأفراد الذين يزيد دخلهم عن 109 آلاف دولار بحلول 2028
وستفرض السلطات الضريبة بطريقة تدريجية ومدروسة، مع توفير آليات شفافة للتحصيل والرقابة، بما يضمن الفعالية ويعزز ثقة المواطنين والمستثمرين في النظام المالي.
وأكدت وزارة الاقتصاد أن تطبيق قانون ضريبة الدخل على الأفراد، يُعد خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار المالي واستكمال منظومة الاستدامة المالية، وبما يضمن استدامة تمويل التنمية في أوجهها المختلفة.
ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى وزير الاقتصاد سعيد بن محمد الصقري قوله إن “الضريبة تعد رافدًا جديدًا لتنويع مصادر الإيرادات العامة وتجنب المخاطر المرتبطة بالاعتماد على النفط، واستمرارية مستويات الإنفاق الاجتماعي والخدمي.”
وتتراوح إيرادات النفط والغاز في سلطنة عُمان بين 68 و85 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة تبعًا لأسعار الطاقة العالمية.
وأكد الصقري أن هذا الإجراء سيسهم في الحفاظ على ما حققته السلطنة من نتائج وتقدم ملموس نحو الاستقرار المالي والاقتصادي خلال الفترة الماضية من تنفيذ الرؤية ومرحلتها التنفيذية الأولى، الخطة الخمسية العاشرة التي تنتهي هذا العام.
وقال إن “ضريبة الدخل على الأفراد رافد يحافظ على قوة المركز المالي للدولة وجودة التصنيف الائتماني، وتسهم في تعزيز الإنفاق ودعم القدرة الشرائية للشرائح المنتفعة من إيراداتها، ما ينعكس بشكل إيجابي مباشر على الاقتصاد.”
ومنذ عقود لم تكن ضرائب الدخل مستساغة على المستوى السياسي والثقافي في الخليج، غير أن المواقف الشعبية تشهد تحولات مع تجربة الحكومات لمثل هذه الإصلاحات.
وفي ضوء ذلك، قد تصبح تجربة عمان في إدخال ضريبة دخل جديدة بمثابة اختبار لما هو ممكن في دول الخليج الأخرى أكثر ثراء، رغم أن ثمة دلائل تشير على تجنبها هذه الخطوة والاكتفاء بضريبة القيمة المضافة.
ويرى خبراء أن الخطوة قد تكون مفتاحًا لتحسين تصنيف السلطنة الائتماني على المدى المتوسط، خاصة إذا ما تم توجيه الإيرادات المتحصلة منها نحو تقليص العجز في الميزانية وتمويل مشاريع تنموية حيوية.
كما أنها قد تفتح الباب لتطوير النظام الضريبي بشكل عام، ليشمل إصلاحات أوسع في مجالات الضرائب على الشركات والخدمات.
ونقلت وكالة بلومبيرغ عن مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري قولها إنه “رغم أن نطاق الضريبة محدود، إلا أنها تمثل تطوراً مالياً مهماً في المنطقة.”
وأضافت أن “سلطنة عُمان تسعى إلى المضي قدماً في إصلاحاتها المالية مع الحفاظ على تنافسيتها، خصوصاً في ظل توجه الأفراد ذوي الثروات العالية إلى الانتقال للمنطقة.”
ومع ذلك، فإن تطبيق ضريبة على الدخل في بيئة اقتصادية لم تألف هذا النوع من الضرائب قد يواجه بعض التحديات، لاسيما على صعيد القبول المجتمعي.
وغياب الضريبة على الدخل في الخليج يعد ميزة كونه من أبرز عوامل الجذب للعمالة الأجنبية في دول مثل السعودية والإمارات وقطر، ما يجعل من قرار عُمان خطوة تحظى بمتابعة دقيقة من بقية حكومات المنطقة.
ولا تزال الثقافة الضريبية في مراحلها الأولى في المنطقة، ما يتطلب جهودًا توعوية كبيرة لشرح أهمية هذه الإجراءات في دعم الاقتصاد الوطني وتمويل الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
ويعتقد البعض أنه من المهم أن تحرص مسقط على الشفافية في إدارة الموارد الجديدة الناتجة عن الضرائب، وأن يتم توجيهها نحو مشاريع يشعر المواطن بأثرها الإيجابي المباشر.