ضرورات الإصلاح في المغرب تفرض مراجعة دعم شركات الدولة

تفرض ضرورات الإصلاح المالي في المغرب على الحكومة الدخول في طريق مراجعة دعم الشركات الحكومية، والذي سيكون التقليص في المخصصات الموجهة إليها أمرا مهما لجعلها تعتمد على نفسها من المداخيل التي تحققها رغم الضغوط القائمة.
الرباط - حثت بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت الرباط مؤخرا، الحكومة المغربية على زيادة الجهود لرفع الإيرادات الضريبية وترشيد الإنفاق مع تقليص الدعم للشركات الحكومية لتمويل الإصلاحات الهيكلية.
ومن المقرر أن يجتمع مجلس صندوق في مارس المقبل للمصادقة على صرف الشريحة الأخيرة من قرض بقيمة 437 مليون دولار، بعدما حصلت الرباط على دفعتين خلال العام الماضي.
وأشادت البعثة في ختام مشاورات المادة الرابعة مع المغرب بالإصلاحات الأخيرة في النظام الضريبي، حيث ساهمت في توسيع القاعدة الضريبية مع خفض العبء على المواطنين، ما جعل الإيرادات لعام 2024 أكبر من المتوقع.
وسجل عجز ميزانية العام الماضي 60.9 مليار درهم (6 مليارات دولار)، ما يمثل 3.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بدعم من ارتفاع الإيرادات الضريبية 14.3 في المئة والتي تمثل حصة الأسد من إجمالي إيرادات الدولة.
وكانت الحكومة قد توقعت في البداية عجزا بمقدار أربعة في المئة، لكن من الواضع أن تحصيل بعض الإيرادات الإضافية من موارد ركزت عليها الدولة كان له الأثر في نهاية 2024.
وقال روبرتو كارداريللي، رئيس بعثة الصندوق، في بيان صحافي الاثنين، إن “الاستمرار في تمويل الإصلاحات الهيكلية يتطلب بذل المزيد من الجهود لتوسيع القاعدة الضريبية وترشيد الإنفاق.”
ويتضمن ذلك، وفق مسؤول صندوق النقد، خفض التحويلات إلى الشركات المملوكة للدولة كجزء من الإصلاح الجاري للقطاع.
ولدى المغرب أكثر من 271 مؤسسة وشركة حكومية، أبرزها شركة الفوسفات (أو.سي.بي) وفقا لأرقام وزارة الاقتصاد والمالية لعام 2024.
وصرفت الدولة لهذه المؤسسات والشركات ميزانية تناهز 65.6 مليار درهم (6.5 مليار دولار) في عام 2023. في حين لم تتجاوز الأرباح المحولة من طرفها للميزانية 13.9 مليار درهم (1.34 مليار دولار).
ووضعت الحكومة آمالها في ميزانية 2025 للابتعاد عن الظروف المالية الضاغطة رغم حسن تسييرها للإكراهات، والتي تتزامن مع أزمة اقتصادية عالمية، وتأثيرات الاحتباس الحراري على قطاع الزراعة.
ومن المتوقع أن يبلغ العجز 63.5 مليار درهم (6.4 مليار دولار)، بانخفاض طفيف قدره 0.36 في المئة مقارنة بما هو متوقع للعام الماضي.
وتُعول الحكومة على أرباح المؤسسات والشركات الحكومية بقيمة تتجاوز 1.65 مليار دولار، موزعة على شركة الفوسفات بقيمة 750 مليون دولار، والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية بنحو 600 مليون دولار.
وأوصت المؤسسة المالية الدولية باستخدام الإيرادات الأعلى من المتوقع المتحصل عليها في إطار الإصلاح الضريبي لتسريع وتيرة خفض الدين إلى مستويات أقرب إلى ما قبل الجائحة.
وقفزت الديون الخارجية للمغرب خلال السنوات الثلاثة عشرة الماضية بنسبة 153 في المئة، لتصل إلى 69.2 مليار دولار.
271
مؤسسة وشركة أو أكثر، مملوكة للدولة، وفقا لأرقام وزارة الاقتصاد والمالية لعام 2024
وتمثل هذه الديون نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وشهدت ارتفاعاً سنوياً بنحو 6.6 في المئة خلال العام الماضي، وفقاً لمعطيات صادرة عن البنك الدولي.
وتظهر المعطيات أن الديون طويلة الأجل تمثل حصة الأسد من ديون البلاد بنحو 70 في المئة أغلبها في ذمة الحكومة وشركاتها، فيما تناهز الديون قصيرة الأجل 10 مليارات دولار، و3.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
وبلغ دين الخزينة العامة بنهاية 2023 أكثر 100 مليار دولار، ما يعادل 69.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما كان في حدود 60 في المئة قبل عام 2019.
ويسابق المغرب الزمن لتطبيق إجراءات قبل نهاية فبراير الجاري، لضمان الاستفادة من الجزء الثالث والأخير من التمويل بقيمة 437 مليون دولار من قرض صندوق النقد بقيمة إجمالية تبلغ 1.3 مليار دولار، ضمن الاتفاق الموقع عام 2023.
وتشير توقعات الصندوق إلى أن المغرب حقق نموا اقتصاديا بنسبة 3.2 في المئة خلال العام الماضي، وأن يتسارع هذا النمو إلى 3.9 في المئة خلال العام الجاري.
وسيكون ذلك مرتبطا بانتعاش الإنتاج الزراعي بعد موجات الجفاف الأخيرة واستمرار القطاع غير الزراعي في التوسع بوتيرة قوية وسط طلب محلي قوي.
وتتوقع الحكومة في ميزانية العام الحالي بلوغ النمو 4.6 في المئة. ومن المحتمل أن يصل النمو خلال الربع الحالي من 2025 بواقع 3.5 في المئة من ثلاثة في المئة كانت متوقعة في الربع الأخير من العام الماضي.
المغرب يدافع منذ سنوات عن سياساته النقدية المتبعة بشأن استكمال برنامج تعويم العملة بوجه الضغوط المستمرة لصندوق النقد
وكانت مندوبية التخطيط قد رجحت في بيانات أصدرتها الشهر الماضي أن يتسارع نمو الناتج المحلي في المغرب بداية هذا العام بدعم من الأنشطة غير الزراعية.
وقالت المندوبية إن “هذا السيناريو يأخذ بعين الاعتبار فرضية عودة الأمطار نحو مستويات قريبة من المعدلات الموسمية خلال فصل الشتاء، وفي حال استمرار الجفاف من المحتمل فقدان ما لا يقل عن 0.8 نقطة من النمو.”
وسيظل الطلب المحلي المحرك الرئيسي للنشاط، حيث ستحافظ نفقات الاستهلاك على ديناميتها، بينما سيشهد الاستثمار الخام بعض الانكماش في نموه.
وتوافقت آراء البعثة مع موقف بنك المغرب المركزي بخصوص السياسة النقدية، حيث قال كارداريللي إن “توقعات استقرار التضخم حول اثنين في المئة مع عدم وجود مؤشرات تذكر على ضغوط الطلب يجعل موقف السياسة النقدية الحالي المحايد على نطاق واسع مناسبا.”
لكنه رئيس بعثة الصندوق حث المركزي المغربي على الاستعداد لتبني إطار يستهدف التضخم، في إشارة إلى مطلبه الملح والمتكرر للمضي قدماً في تحرير سعر صرف الدرهم.
ويدافع المغرب منذ سنوات عن سياساته النقدية المتبعة بشأن استكمال برنامج تعويم العملة بوجه الضغوط المستمرة لصندوق النقد والتي بررها بوجود موانع اقتصادية تحول دون المضي قدما في هذا المسار.
وبخصوص سوق التشغيل، أوصت المؤسسة الدولية المانحة بنهج جديد لسياسات سوق العمل بالتركيز على العمالة النازحة من القطاع الزراعي بسبب تسلسل الجفاف.
ويأتي ذلك في وقت بلغت البطالة بالسوق المحلية العام الماضي 13.3 في المئة، وهي أعلى نسبة منذ ربع قرن في ظل فقدان القطاع الزراعي لآلاف فرص العمل.