ضرب علاقة السيسي بالمصريات ينقلب هجمة عكسية على معارضيه

القاهرة - أظهر التصعيد النسائي في مصر ضد أصوات مناوئة للرئيس عبدالفتاح السيسي أرادت تأليب المرأة عليه واستقطابها قلة حيلة المعارضة وتعويلها على تأجيج غضب الشارع ضد النظام المصري بعدما أخفقت في استثمار موجة الغلاء وتصاعد حدة الأزمات الاقتصادية لإثارة الطبقة الفقيرة المتضررة منها.
وأصبحت المرأة رقما مهما في المعادلة السياسية في مصر وتوصف أحيانا بأنها “حزب السيسي” الصامت بحكم المكتسبات العديدة التي حصلت عليها منذ وصوله إلى الحكم، وصار هناك ما يشبه التناغم بين الطرفين، ولا يفرق السيسي في أحاديثه بين حقوق المرأة الأميّة والمتعلمة، والزوجة والمعيلة، وينتقد القيود المجتمعية عليها.
وعكس غضب مصريات ضد تطاول الفنان والمعارض الهارب في الخارج عمرو واكد عليهن أخيرا لاستمرار دعمهن للسيسي أن “الحزب النسائي” يمثل ركيزة سياسية للنظام المصري، بعدما نجح الرئيس في استقطابه لدعم تصورات الحكومة ومساندتها ضد محاولات النيل منها من أطراف داخلية أو خارجية.
ونشر عمرو واكد تغريدة على حسابه على تويتر أساءت لمصريات يؤيدن السيسي كتب فيها “يقال إن المرأة السيساوية هي أنثى لميت (مئة) راجل، أما المرأة غير السيساوية هي سيدة بميت راجل، أنتِ مين فيهم؟”، وهي العبارة التي حملت تشكيكا في أخلاقيات النساء المؤيدات للرئيس المصري وعلاقاتهن المشبوهة.
وأمام موجة الغضب الواسعة ضد الإساءة للمرأة المصرية، اضطر عمرو واكد إلى حذف التغريدة وكتابة اعتذار عن مضمونها قبل أن يواصل هجومه على الداعمين للرئيس السيسي، واصفا هذا السلوك بـ”الدناءة”، في محاولة لتفكيك القواعد التي تعوّل عليها السلطة لتكريس الأمن والاستقرار، على رأسها الشريحة الكبيرة من النساء.
ونجح الرئيس المصري في تكوين قاعدة شعبية له من السيدات، حيث تبنى خطابا مختلفا حيالهن، ولم يترك مناسبة أو فاعلية دون إظهار تقديره للعنصر النسائي، وأن المرأة بالنسبة إلى مصر إحدى أهم أدوات استقرارها، ولذلك فإن علاقة كثيرات به أقرب إلى المصير المشترك، خاصة أنه يتعامل معهن كسواعد أساسية لحكمه.
وباتت صلابة العلاقة بين السيسي والسيدات في مصر مستفزة لتيارات اعتادت استهداف النظام وقواعده الشعبية، مثل النساء والأقباط والبسطاء، وهم الذين تستهدفهم الحكومة بمظلة حماية سياسية واقتصادية واجتماعية لمواجهة التحديات المتلاحقة، ومن الطبيعي أن تظهر محاولات لضرب القوى المساندة للنظام.
ويرى السيسي أنه لا حاجة إلى وجود أحزاب سياسية لها أرضية في الشارع تكون بمثابة ظهير لنظامه، ويكتفي بالأحزاب الشعبية التي تمثلها المرأة والأقباط ومحدودي الدخل، لأن هذه الفئات يصعب اختراقها بسهولة أو استمالتها لتكون بؤرا لتوترات سياسية أو أمنية، ولذلك يتمسك بخصوصية العلاقة معها، وصارت أشبه بسبيكة متينة لنظامه.
وكرّس السيسي متانة العلاقة مع المرأة المصرية في الفترة الماضية من خلال جملة من القرارات تستهدف تحسين وضعها في المجتمع، وتمسك بوصولها إلى منصة القضاء رغم تذمر الكثير من الرموز القضائية، وكلف الحكومة بإنهاء ظاهرة الغارمات في السجون، وهن من يقترضن من التجار ولا يستطعن سداد ديونهن، على أن يتحمل صندوق تحيا مصر الذي تشرف عليه الرئاسة الديون والإفراج عنهن.

جهاد عودة: تشويه المرأة يعكس انفصال خصوم النظام عن المجتمع
وهناك مئات الآلاف من الأسر المسؤولة عنها المرأة المعيلة تعيش على الدعم النقدي الذي تقدمه لها الحكومة شهريا، حتى المطلقات تصرف لهن إعانات عاجلة إلى حين الفصل في قضاياهن بالمحاكم، كي لا تتحولن إلى متسولات للنفقة الزوجية بعد الطلاق، ونجح بذلك في تشكيل “حزب نسائي” من فئات نسوية عديدة في المجتمع.
وقال جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بحلوان جنوب القاهرة إن محاولات بعض الأطراف المناوئة لنظام السيسي ضرب علاقته بالنساء تعكس إخفاق التيارات التي لها خصومة معه في اختراق المجتمع بالطرق التقليدية، مثل التحريض على العنف واستغلال الغلاء لتأجيج الغضب في الشارع، ومن ثم تحولت دفة استهداف السلطة باختراق الكتلة الصلبة المكونة من السيدات، وهو ما دفع الفنان والمعارض عمرو واكد إلى استهدافهن أخيرا.
وأوضح لـ”العرب” أن تشويه المرأة المصرية بدعوى دعمها للنظام يعكس انفصال خصوم النظام عن المجتمع الذي تمثل النساء فيه “خطا أحمر” يُحظر على أي طرف الاقتراب منه، ويبرهن على أن بعض الأصوات التي تتناغم مع الإخوان في معارضة السلطة بمصر تفتقر تماما إلى أنياب يمكن من خلالها تفكيك المجتمع إلى طوائف وزيادة حدة المعارضة السياسية للسيسي.
ويتبنى عمرو واكد وبعض العناصر المدنية الهاربة خارج مصر أدبيات قريبة من خطاب الإخوان بشأن العداء للنظام، ويصفون جميعا ما حدث في ثورة 30 يونيو 2013 وإسقاط نظام الرئيس الإخواني محمد مرسي على إثرها بأنه “انقلاب”، ولذلك يتم وضع واكد من جانب الإخوان في خانة الداعم لمخططاتهم للثأر من السلطة وضرب القواعد الشعبية المؤيدة للرئيس السيسي.
وأشار جهاد عودة إلى أن المناوئين للنظام المصري في الخارج ممن يتبنون خطاب الإخوان لا يُدركون أنهم عندما يستهدفون ما يمكن اعتباره “حزب النساء” في مصر، يثبتون للمرأة أنها أحسنت التصرف عندما كافأت السيسي بالدعم السياسي لمجرد أنه خلّص البلاد من حكم الجماعة التي اعتادت وأنصارها تشويه صورة السيدات.
ويؤكد الدعم الذي أظهره أنصار الإخوان ومنابرهم الإعلامية لعمرو واكد على خلفية تشويهه لصورة المرأة الداعمة للسيسي مدى ازدواجية المعايير والخلل الذي يضر بالمعارضة التي تتناعم مع الإخوان والتي اعتادت توظيف السيدات في دعمهن سياسيا.
وأثبتت واقعة استهداف النساء أن رهان السيسي على النساء للتصدي لاستهداف النظام يعبر عن صعوبة استقطابهن لضرب الاستقرار الداخلي طالما أصبحن أقرب إلى حزب شعبي يدعمه، فلم يكن أمامه بديلا في ظل العلاقة المتوترة مع الشباب لارتفاع سقف طموحاتهم، في حين أن المرأة لا يشغلها سوى أمن واستقرار أسرتها.