ضبط حدود الذكاء الاصطناعي رهين تطويع القواعد التنظيمية

قلق الخبراء يتركز حول التطور السريع للذكاء الاصطناعي فيما تتمحور أبحاث العلماء على الأخلاقيات المحيطة بهذه التكنولوجيا.
الاثنين 2023/12/11
مخاوف من الهجمة التقنية المتقدمة التي يواجهها العالم

مونتريال (كندا) - تتزايد قناعة خبراء التكنولوجيا أن ضبط حدود الذكاء الاصطناعي وجعل استثماراته أكثر توسعا مستقبلا سيكون رهينا بتطويع القواعد التنظيمية لجعلها أكثر مرونة في ظل الهجمة التقنية المتقدمة التي يواجهها العالم.

ومع استعادة سام ألتمان أخيرا موقعه على رأس شركة أوبن أي. آي، يزداد قلق الخبراء من التطور السريع للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك مدينة مونتريال الكندية حيث تتمحور أبحاث العلماء على الأخلاقيات المحيطة بهذه التكنولوجيا.

وأصبح الذكاء التوليدي كلمة رنانة هذا العام بعدما استحوذت تطبيقات مثل تشات جي.بي.تي، على خيال الجمهور، ما أثار اندفاعا بين شركات وادي السيليكون مثل غوغل وحتى الشركات الصينية كعلي بابا لإطلاق منتجات مماثلة تعتقد أنها ستغير طبيعة العمل.

وبدأ الملايين من المستخدمين في اختبار مثل هذه الأدوات والتي يقول المؤيدون إنها يمكن أن تقوم بالتشخيصات الطبية وكتابة سيناريوهات وإنشاء ملخصات قانونية وتصحيح الأخطاء البرمجية.

ويرى الكثير من الخبراء في هذه التكنولوجيا منعطفا ثوريا شبيها بما حصل عند ظهور الإنترنت، إذ يتيح الذكاء الاصطناعي التوليدي إنتاج النصوص والصور والأصوات بناء على طلب بسيط باللغة اليومية.

يوشوا بينجيو: يجب اعتماد قواعد تكون نفسها لدى مختلف الشركات
يوشوا بينجيو: يجب اعتماد قواعد تكون نفسها لدى مختلف الشركات

ويعتقد الأستاذ الجامعي المتحدر من مونتريال يوشوا بينجيو، الذي يُعدّ أحد "الآباء المؤسسين" للذكاء الاصطناعي، أنّ التكنولوجيا، وبهذه الوتيرة، ستصل سريعا إلى مستوى الذكاء البشري، أو حتى تتفوّق عليه.

ويقول الفائز عام 2018 بجائزة تورينغ التي تعادل جائزة نوبل للمتخصصين في الكمبيوتر لفرانس برس “سيكون الأمر كما لو أننا ننشئ نوعا جديداً من الكائنات على الأرض” قادرة على “اتخاذ قرارات مضرّة وخطرة على البشر".

وتجلّى الجدل الدائر في شأن التطور الجامح للذكاء الاصطناعي في حادثة إقالة ألتمان من رئاسة أوبن أي.آي ثم إعادته إلى منصبه، بعد اتهامه بأنه لا يولي الاهتمام الأكبر لمسألة السلامة.

ويحذّر البروفيسور بينجيو منذ فترة طويلة من هذه الشركات التي “لن تتباطأ، ولن تتخذ الاحتياطات اللازمة على حساب العامّة ربما”. ومن الضروري اعتماد “قواعد ينبغي أن تكون نفسها لدى مختلف الشركات”.

وفي مطلع نوفمبر الماضي، اختير بينجيو من المجتمع الدولي لكتابة أول تقرير عن “حالة العلم”، وهو تقويم علمي للأبحاث الحالية والمخاطر والإمكانيات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

وداخل مختبره البحثي الواقع في أحد الأحياء العصرية في مونتريال، يجمع بينجيو منذ تسعينات القرن العشرين “عددا كبيرا من الباحثين في الذكاء الاصطناعي”.

وعلى بعد مسافة قصيرة من المبنى المشيّد بالطوب الأحمر، أنشأت شركات أميركية كبرى مثل مايكروسوفت وميتا وآي.بي.أم وغوغل أجزاء من أقسامها المعنية بالأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي.

ويقول هوغو لاروشيل، المدير العلمي لديب مايند الذي يشكّل الفرع المعني بالذكاء الاصطناعي لدى غوغل، “كما الحال في أوروبا، ثمة في كيبيك استثمارات كثيرة بالبحوث الأساسية، وفي الوقت نفسه ثمة مرونة لدى لشركات مما يجعلنا أقرب إلى الولايات المتحدة”.

وتوصل صناع السياسات والمشرعون في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق الجمعة الماضي بشأن أول مجموعة شاملة من القواعد في العالم تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في أدوات مثل تشات جي.بي.تي وفي المراقبة البيومترية.

وسيقوم الساسة الأوروبيون بمناقشة التفاصيل في الأسابيع المقبلة التي يمكن أن تغير التشريع النهائي، والذي من المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في أوائل العام المقبل ويتم تطبيقه في عام 2026.

وحتى ذلك الحين، يتم تشجيع الشركات على التوقيع على ميثاق الذكاء الاصطناعي الطوعي لتنفيذ الالتزامات الرئيسية للقواعد. ويمثل هذا السعي تحديا طموحا في السوق العالمية، بعدما سمحت الولايات المتحدة والصين للتقدم التكنولوجي بالانطلاق بلا حدود.

♦ الجدل الدائر بشأن التطور الجامح للذكاء الاصطناعي يتجلّى في حادثة إقالة ألتمان من رئاسة أوبن أي.آي ثم إعادته إلى منصبه

وكان عدد من الباحثين الكنديين قد بدأوا بالتفكير في مستقبل هذه التكنولوجيا منذ سنوات قليلة، ففي العام 2018، كانت المدينة مهد إعلان مونتريال، أحد المواثيق العالمية الأولى التي تنظّم استخدام الذكاء الاصطناعي.

ويقول غيّوم ماكو، نائب رئيس مرصد أوبفيا المستقل للأبحاث، “من أهم ما يميّز كيبيك هو إحداثها في وقت مبكر رغبة لدى المجتمع العلمي في العمل على كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في المجتمع بصورة أفضل”.

ويعوّل المرصد الرائد من نوعه والذي تم إنشاؤه في أعقاب إعلان مونتريال، على تعدد التخصصات لدى باحثيه لتقديم توصيات بشأن السياسات الحكومية ورفع مستوى الوعي لدى العامّة.

وتشير تقديرات شركة الاستشارات الأميركية ماكينزي إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يضيف نحو 7.3 تريليون دولار من القيمة إلى الاقتصاد العالمي كل عام. ويعتقد خبراء ماكينزي أنه يمكن أتمتة نصف أنشطة العمل اليومي بين عامي 2030 و2060.

ومع ذلك، فإن هذا يعني أن الشركات تواجه أيضا تحديات كبيرة، مثل التكرار وإعادة التفكير في نماذج أعمالها، إذا كانت تريد تحقيق إمكانات الذكاء الاصطناعي بالكامل.

غراف

10