ضباب الحرب يلف التغطية الإعلامية في حرب إسرائيل وحماس

تقرير بي.بي.سي عن أنفاق حماس في غزة يثير جدلا إلكترونيا واسعا.
الخميس 2023/10/19
هل تربك بي.بي.سي الجمهور

يتهم الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي شبكة بي.بي.سي البريطانية بالتسبب في قصف المستشفى الأهلي العربي المعمداني بغزة بعد نشرها تقريراً قبل أيام تزعم فيه قيام حركة حماس ببناء العديد من الأنفاق أسفل المستشفيات والمدارس ودور العبادة.

لندن - اتهم عدد كبير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بالتسبب في قصف المستشفى الأهلي العربي المعمداني في غزة ما أدى إلى مقتل المئات بسبب تقرير نشر قبل أيام يتحدث عن الأنفاق.

ورغم أن ما ورد في التقرير “معروف” فقد أكد كثيرون أنه أسهم في وقوع هذه المجزرة. وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع تقرير “هل تبني حماس الأنفاق أسفل المستشفيات والمدارس؟” الذي نشر قبل أيام على وقوع المجزرة.

وكانت ليز دوسيه، كبيرة المراسلين الدوليين لمحطة بي بي سي في جنوب إسرائيل، قد نشرت ردا على سؤال من قارئ مجهول، يسأل: "من فضلك، هل يمكنك توضيح مكان وجود أنفاق حماس، وما إذا كانوا يقومون ببنائها تحت المستشفيات والمدارس"؟

وردت صحفية بي.بي.سي "تعتبر أنفاق غزة بمثابة متاهة مترامية الأطراف إلى درجة أن الجيش الإسرائيلي يطلق عليها اسم “مترو غزة". وأشارت إلى أن “الأنفاق جزء حيوي من عمليات حماس؛ إذ تُستخدم لنقل البضائع والأشخاص، وتخزين الأسلحة والذخائر، وإيواء مراكز القيادة والسيطرة. ومن المعروف أنها معززة بشكل كبير بالخرسانة وموصولة بالكهرباء. إنها عميقة جدًا، حيث يصل عمقها إلى 100 قدم بحيث يصعب تحديد موقعها على وجه اليقين".

كما أضافت كبيرة المراسلين الدوليين “لكن مثل هذه الشبكة الواسعة تحت الأرض، على قطعة صغيرة من الأرض، من المرجح أن تتدفق تحت أحياء مكتظة بالمنازل والمستشفيات والمدارس”. وتابعت “كانت هناك تقارير تفيد بأن بعض الممرات لها مداخل تقع في الطوابق السفلية من المنازل والمساجد والمدارس والمباني العامة الأخرى للسماح للمسلحين بالتخفّي".

وانتشر التقرير على نطاق واسع على موقع إكس. وحاز أكثر من 30 مشاهدة في ساعات قليلة. وفيما برزت أصوات قليلة منتقدة "نظرية المؤامرة" التي تستند إليها الأغلبية في تفسيرها للأحداث، اعتبر الكثيرون أن التقرير كان أحد أسباب قصف المستشفى، ونشر المغردون صورا لمبنى بي بي سي وهو ملطخ بالدماء، وكتب مستخدم “بسبب مشاركتك حدث هذا.. 800 شخص رحلوا في ثوان”. ووصف معلقون صحافيي بي بي سي بـ”مجرمي الحرب”، وكتب مستخدم “أنتم أسوأ مؤسسة إعلامية في التاريخ”. وتوالت الاتهامات ضد المحطة البريطانية. وغرد ناشط:

 

وكتب آخر:

وقالت ناشطة:

واعتبر معلقون أن بي بي سي كانت موضوعية و”أصبحت أداة رخيصة”. وقالت ناشطة في هذا السياق:

وشهدت وسائل الإعلام العالمية الثلاثاء تضاربا في الأخبار. وظهرت سلسلة من الادعاءات عالية المخاطر وسط الحرب المشتعلة بين إسرائيل وحماس، مما يمثل أحد التحديات الشائكة حتى الآن لغرف الأخبار التي تحاول فهم الفوضى وتوفير الوضوح للعالم الذي يراقب الصراع المميت.

وفي أعقاب الانفجار الدامي في المستشفى مباشرة ألقت بعض المؤسسات الإخبارية الكبرى باللوم على إسرائيل في المذبحة. وذكرت في تقاريرها الأولى أن إسرائيل هي المسؤولة.

ولكن بعد فترة وجيزة من صدور التقارير ظهرت صورة أكثر تعقيدا. ونفى الجيش الإسرائيلي بشكل قاطع أنه قصف المستشفى. وبدلاً من ذلك ألقى الجيش الإسرائيلي اللوم مباشرة على جماعة الجهاد الإسلامي في غزة، والتي قال إنها أصابت المستشفى بصاروخ طائش.

وسرعان ما تحركت المؤسسات الإخبارية العالمية لتكشف مضمون بيان الجيش الإسرائيلي، ما عكس فوضى وغموضا في التغطية. ودفع هذا التحول الجيش الإسرائيلي إلى توبيخ الصحافة العالمية. وقال الجيش على وسائل التواصل الاجتماعي “سارعت وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم إلى نشر عناوين حماس، دون التحقق من الحقائق".

وفي ظهور له على قناة بي بي سي وبخ متحدث باسم الجيش الإسرائيلي الشبكة بسبب تغطيتها للانفجار، قائلا إن الشبكة "تأخذ معلومات حماس وتعرضها على أنها الحقيقة".

ولكن حتى في أعقاب الإنكار الإسرائيلي الشديد، لا تزال المؤسسات الإخبارية غير قادرة على الإفصاح بشكل قاطع عما حدث، مما يضعها في موقف صعب ويترك الجماهير في حيرة من أمرها، خاصة بعد دخول البيت الأبيض على الخط ليؤكد أن مصدر الصاروخ ليس إسرائيل.

◙ المؤسسات الإخبارية العالمية مطالبة بأن تبقى في حالة يقظة تامة، وخاصة خلال لحظات بث الأخبار العاجلة

وتزرع الحرب الفوضى في كل مكان، بما في ذلك بين الصحافيين المكلفين بتغطية كوارثها. وفي خضم المعركة، خلال الاندفاع لإيصال المعلومات بسرعة إلى الجمهور أثناء المواقف سريعة التطور، يمكن ارتكاب الأخطاء. وتعتبر سي أن أن في هذا السياق أن “المسودة الأولى للتاريخ ليست مثالية دائمًا. ضباب الحرب حقيقي".

ورغم ذلك لا يوجد مجال كبير للخطأ. فالتقارير المتعلقة بقضايا خطيرة ذات صلة بوفيات المدنيين لها وزن هائل، وغالباً ما تؤدي إلى عواقب فورية. في هذه الحالة، وبعد وقت قصير من التقارير التي زعمت أن إسرائيل قصفت مستشفى غزة، ألغى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اجتماعه مع الرئيس جو بايدن. واشتعلت الاحتجاجات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وتطالَب المؤسسات الإخبارية بأن تبقى في حالة يقظة تامة، وخاصة خلال لحظات الأخبار العاجلة عندما تكون المخاطر أعلى. ويقول معلقون إن الفشل في القيام بذلك ينطوي على خطر إرباك الجمهور وتضليله بشكل فعال، مع تراجع الفصائل المتحاربة بشكل أعمق في زواياها، وتوجيه أصابع الاتهام إلى بعضها البعض مع وجود المدنيين عالقين في المنتصف.

وحذروا من التقارير الإعلامية المضللة الصادرة عن المحطات العالمية. وتروج سي أن أن قبل ايام لخبر مفاده قيام حركة حماس بذبح 40 طفلا إسرائيليا وهو ما ثبت لاحقا أنه مجرد ادعاءات كاذبة واعتذرت عنه المحطة، لكنه تسبب في هجوم على الفلسطينيين.

وكتب الصحافي البريطاني جوناثان كوك مقالا في هذا السياق قال فيه إن “السياسة التحريرية لهيئة الإذاعة البريطانية في تغطية حرب إسرائيل وفلسطين ظلت بشكل دائم وعلى مدار عقود تختار الوقوف بجانب المضطهِد، وفي أغلب الأحيان، حتى لو لم يكن ذلك من خلال تبني الحياد الذي تدعي الهيئة أنه الأساس المتين لعملها الصحفي".

وأضاف “بدلا من ذلك اختارت هيئة الإذاعة لغة ومصطلحات هدفها تضليل المشاهد، وما يزيد سوء الممارسة الصحفية قيامها بحذف أجزاء حيوية من السياق عندما تؤدي المعلومات الإضافية إلى تقديم إسرائيل في صورة سيئة".

ولا تعجب تغطية بي بي سي أيا من الفريقين، إذ يتهمها العرب بأنها منحازة، وهو نفس الاتهام الذي توجهه لها إسرائيل. وتجد ب بي سي نفسها في خضم أزمة أخرى بعد رفضها إطلاق وصف "حركة إرهابية" على حماس متعللة بـ"الحياد" رغم انتقادات السياسيين البريطانيين وآخرهم رئيس الحكومة ريشي سوناك.

5