صيدنايا وسجون غزة.. وجهان لعملة واحدة

خرج معتقلو سجن صيدنايا الذي اشتهر بعمليات التعذيب والوحشية خلال سنوات حكم النظام السوري المنهار، من السراديب إلى النور، ووصلوا إلى بيوتهم والبكاء يسبق العناق. وبعد أن ناموا مع كوابيس شتائم حراس المعتقل، استيقظوا على حرية ما زالت عصيّة على التصديق. أغلبهم لا يعرف تهمته، ولماذا تم اعتقاله، لكن شهادة الجميع أثبتت تعرضهم لممارسات وحشية لا يستطيع تحملها بشر. وفي ظل فرحتنا بالإفراج عن أهل سوريا، ظهرت علينا مجموعة من مقاطع الفيديو لتعذيب السجناء الفلسطينيين داخل سجون حماس بنفس الوحشية التي كان يمارسها نظام الأسد قبل سقوطه.
ففي الوقت الذي يتعرض فيه شعبنا الفلسطيني لمحرقة بشعة في قطاع غزّة، تأكل الأخضر واليابس وتقتل كل شيء ينبض بالحياة، تجد حركة حماس المبررات اللازمة لتمارس هوايتها المفضلة في تكميم الأفواه والقمع والتنكيل وتكسير الأطراف، مع كل من يعارضها أو ينتقدها.
وإذا بحثنا في الجانبين، نجد أن هناك أوجه تشابه مذهلة بين نظام الأسد في سوريا وحركة حماس في قطاع غزة، فرغم أن حماس تدّعي الاهتمام بالسكان، إلا أن الواقع يشير إلى خلاف ذلك.
◄ تاريخيا، تمتلك حماس سجلا من العنف السياسي بحق الخصوم السياسيين في غزة، واستهدفتهم بعمليات القتل والتشويه والاعتقال على يد رجال مسلحين مقنعين
حماس تتصرف بطريقة تؤكد أنها حركة منفصلة عن الواقع، تعيش في كوكب آخر، وكأن ما يحدث من مجازر يومية لا يعنيها، فمن لم يقم الاحتلال بتكسير أطرافه والتسبب له بالألم والمعاناة، تقوم هي بذلك بكل بساطة. والتهم مسبقة الصنع التي تملك حماس ووسائل إعلامها الكثير منها، جاهزة لتبرير هذه الوحشية غير المبررة.
وظهر في أحد مقاطع الفيديو، قيام أفراد من حركة حماس بتعذيب أحد السكان بطريقة وحشية، وجاء هذا الموقف بسبب اعتراض السكان والنشطاء على مواقف حماس، بعد أن نظموا احتجاجات مناهضة للحركة، اعتراضا على رفضهم لهجوم السابع من أكتوبر 2023 ، الذي نتج عنه خراب طال قطاع غزة، وتسبب بمقتل حوالي 45 ألف فلسطيني وإصابة حوالي 70 ألفا آخرين، هذا بخلاف المفقودين بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع، إلى جانب المجاعة التي ضربت القطاع، فضلا عن تشريد الأهالي في مناطق الإيواء وعلى الحدود وفي الصحراء بعد أن هدمت إسرائيل بيوتهم وتركتهم بلا مأوى ولا مشرب ولا مأكل.
أيضا، اختطفت الحركة في وقت سابق خمسة أشخاص بعد اتهامهم لها بالتسبب في الحرب على غزة وإعادة احتلالها من جديد بعد تشريد شعبها، وما يؤكد ذلك نية الحركة في إبرام صفقة مع سلطات الاحتلال من أجل العودة إلى رأس السلطة في غزة، دون النظر إلى إنهاء مأساة الأهالي وكذلك وقف الحرب على القطاع نهائيا.
وفي ظل، تزايد الأصوات المعارضة لحركة حماس في الأشهر الأخيرة، وتزايد غضب سكان غزة من الخسائر الفادحة التي لحقت بالقطاع منذ بداية الحرب، إلا أنها لم ترحم الضعفاء الذين عبّروا عن رأيهم تجاه الحرب، وتسببها في استفزاز الاحتلال ضد أهالي غزة ليرتكب أفظع إبادة جماعية في القطاع، سجلها التاريخ.
◄ هناك أوجه تشابه مذهلة بين نظام الأسد في سوريا وحركة حماس في قطاع غزة، فرغم أن حماس تدّعي الاهتمام بالسكان، إلا أن الواقع يشير إلى خلاف ذلك
وما استوقفني حقا، هو ما ردده أحد الفلسطينيين في مقطع فيديو، إذ أكد أن عناصر حماس حاولوا أن يكسروا أصابعه، حتى لا يتمكن مرة أخرى من كتابة انتقادات لهم أو لما قامت به الحركة في السابع من أكتوبر.
ولم تغفل حماس العالم الإلكتروني، فضبطت أحد المعارضين لها، والذي كتب متهما الحركة بتقسيم الشعب الفلسطيني وسحق حلمهم في إقامة دولة، واعتقلته أكثر من مرة، بعد أن قال إن حماس تحظى بدعم كبير بين أولئك الذين هم خارج حدود غزة، والذين يجلسون تحت مكيفات الهواء في منازلهم المريحة، والذين لم يفقدوا طفلاً، أو منزلاً، أو عائلة أو مستقبلاً، أو ساقاً.
وتاريخيا، تمتلك حماس سجلا من العنف السياسي بحق الخصوم السياسيين في غزة، واستهدفتهم بعمليات القتل والتشويه والاعتقال على يد رجال مسلحين مقنعين، كما نفذت عمليات إعدام دون محاكمة وتعذيب وإساءات أخرى، هذا إلى جانب الاحتجاز التعسفي والاعتقالات المنزلية دون أيّ معايير قانونية، وهذا ما نفذه نظام بشار الأسد بالضبط، فتشابه النظامان واختلف المعذبون.
ويبقى التفسير الوحيد لممارسة حماس التعذيب والتنكيل وتكسير الأطراف لمن يتجرأ على انتقادها هو شعورها بالنقص ومحاولة يائسة وبائسة منها للظهور بمظهر المتحكم بكل شيء في قطاع غزّة وكأن مغامرتها الأخيرة لم تؤثر فيها شيئا، وستظل تتصرف وتصر على أن حكم حماس قائم رغم أنف الشّعب الفلسطيني الكسير.