صيانة نورد ستريم تضع أسواق الغاز الأوروبية في مأزق

التوقف المطول عن تسليم الغاز من المحطة الروسية من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا.
الثلاثاء 2022/07/12
توقف الإمدادات اختبار تحمل شديد القسوة

برلين- دخلت ألمانيا ومعها أوروبا فترة من انعدام اليقين الاثنين بشأن مستقبل وارداتهما من الغاز الروسي بعد تراجعها بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة وفي ظل احتمال توقفها تمامًا في وقت قريب.

وبدأت شركة غازبروم الروسية العملاقة صباحا أعمالا لصيانة خطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 اللذين ينقلان كمية كبيرة من غازها الذي ما زالت تسلمه إلى ألمانيا وعدة دول أخرى في أوروبا الغربية.

وأكدت وزارة الاقتصاد الألمانية لوكالة الصحافة الفرنسية أن “نورد ستريم متوقف وهذا يعني أن الغاز لم يعد يُضخ عبره”. وهذا التوقف لمدة عشرة أيام للأنبوبين، والذي تم الإعلان عنه منذ فترة طويلة، هو من الناحية النظرية مجرد إجراء شكلي تقني.

◙ أسعار الغاز في أوروبا ما زالت الآن أقل كثيرا من مستوياتها القياسية التي سجلتها في مارس الماضي

لكن في سياق الحرب في أوكرانيا والمواجهة بين موسكو والغرب حول الطاقة، لا يمكن لأحد أن يراهن على ما ستكون عليه عواقبه في المستقبل.

وحذر رئيس الهيئة الفدرالية الألمانية لشبكات الغاز والكهرباء كلاوس مولر عبر قناة زد.دي.أف التلفزيونية المحلية من “العديد من السيناريوهات التي يمكن أن نغرق فيها في حالة طوارئ”.

وتساءلت صحيفة بيلد اليومية الأكثر قراءة في ألمانيا الأحد “بوتين سيغلق صنبور الغاز، لكن هل سيعيد فتحه يومًا ما؟”.

وقال نائب المستشار الألماني روبرت هابيك في نهاية الأسبوع للإذاعة العامة “نحن نواجه وضعا غير مسبوق، كل شيء ممكن”. وأضاف “من الممكن أن يتدفق الغاز مرة أخرى حتى بكميات أكبر من ذي قبل. ومن المحتمل ألا يصل أي شيء وعلينا أن نستعد للأسوأ كالعادة”.

وعلى أساس وجود مشكلة فنية، خفضت موسكو من قبل شحنات الغاز عبر نورد ستريم بنسبة 60 في المئة في الأسابيع الأخيرة، وهو قرار نددت به برلين ووصفته بأنه “سياسي”.

وفي أماكن أخرى من أوروبا، فعلت غازبروم الشيء نفسه، فخفضت الإمدادات عن بعض البلدان وقطعتها تمامًا عن أخرى.

فقد قالت شركة إيني الإيطالية إن “غازبروم أبلغتها أنها ستزودها، لعشرة أيام، بنحو 21 مليون متر مكعّب يوميا تقريبا من الغاز”، بينما بلغ المعدل على مدى الأيام الأخيرة الماضية حوالى 32 مليون متر مكعب يوميا.

أما شركة أو.أم.في النمساوية فأكدت أن غازبروم أبلغتها بخفض إمدادات الغاز. وقالت في رسالة بالبريد الإلكتروني إن “هذا يعني اليوم خفضا بنسبة 70 في المئة تقريبًا من الكمية التي تصل إلى مركز بومغارتن للغاز الطبيعي بالقرب من الحدود السلوفاكية”.

روبرت هابيك: نواجه وضعا غير مسبوق في الإمدادات وكل شيء ممكن

ولذلك عملت ألمانيا جديا لإقناع كندا السبت الماضي بإعادة التوربينة المخصصة لخط نورد ستريم 1 وكانت تخضع للصيانة لديها، على الرغم من احتجاجات أوكرانيا.

لكن، برلين لم ترغب في إعطاء موسكو حجة إضافية لوقف شحناتها من الغاز. ورحب المستشار الألماني أولاف شولتس من خلال المتحدث باسمه الأحد الماضي بقرار الكنديين.

وتجادل برلين أيضًا بأنه، ولأسباب فنية، سيكون من الصعب على شركة غازبروم إيقاف عمليات التسليم عبر نورد ستريم إذ أن الغاز المستغَل في حقل سيبيريا “يتعرض لضغوط” ولا يمكن تخزينه إلى الأبد. وقال هابيك “الأمر ليس مثل صنبور الماء”.

ومنذ بداية الحرب، أغلقت ألمانيا خط أنابيب نورد ستريم 2 الروسي للغاز الذي كان من المقرر أن يبدأ تشغيله وتبذل جهودًا لتقليل اعتمادها على روسيا التي ما زالت تشتري منها 35 في المئة من وارداتها من الغاز مقابل 55 في المئة قبل الحرب. وما زالت الأسر الألمانية تعتمد بأكثر من 50 في المئة على الغاز للتدفئة.

ولن يؤدي الإغلاق الدائم لخط نورد ستريم 1 إلى معاقبة أكبر اقتصاد في أوروبا فقط، فبعض الغاز الذي يصل إلى ألمانيا يُنقل بعدها إلى مختلف أنحاء أوروبا.
وفي فرنسا، دعا وزير الاقتصاد برونو لو مير الأحد الماضي إلى “الاستعداد للمعركة” للتعامل مع احتمال الخفض الكلي للإمدادات، الذي قال إنه “الاحتمال الأكثر ترجيحًا”.

ومن ثم، فإن التوقف المطول عن تسليم الغاز من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا بالفعل، مع ارتفاع الأسعار والخوف من شتاء قاسٍ.

في ألمانيا، تدرس السلطات بالفعل خطط التقنين وتدعو إلى الاقتصاد في الطاقة. وقال مولر “يجب أن نفعل كل شيء للاقتصاد في الغاز منذ الآن، عبر تحسين التدفئة ومناقشة الأمر داخل العائلات، وإعداد القطاعات الاقتصادية. لسنا عاجزين”.

ويأتي ذلك فيما تدرس شركة بي.أي.أس.أف الكيميائية العملاقة وضع بعض الموظفين في حالة بطالة جزئية إذا طالت فترة وقف الإمدادات.

ومنذ الخميس الماضي، اعتمد مجلس النواب خطة رمزية للاقتصاد في استهلاك الطاقة عبر تجنب وضع التدفئة فوق 20 درجة في الشتاء ووقف تسخين المياه في المكاتب الفردية.

وما زالت أسعار الغاز في أوروبا الآن أقل كثيرا من مستوياتها القياسية التي سجلتها في مارس الماضي. ومع ذلك تشير التطورات إلى أن اضطراب الإمدادات كان أسوأ مما توقعته الأسواق في أعقاب بدء الحرب في فبراير الماضي.

◙ موسكو خفضت من قبل شحنات الغاز عبر نورد ستريم بنسبة 60 في المئة في الأسابيع الأخيرة

وفي حين راهنت سوق الغاز على أزمة قصيرة الأجل تستمر لعدة شهور، في ذلك الوقت، فإن الأمر يشير الآن إلى أزمة حادة خلال الشتاء المقبل، وتستمر خلال العام المقبل وحتى عام 2024. وخلال الأيام القليلة الماضية ارتفعت أسعار الغاز الأوروبي ككل.

وقال المحلل الاقتصادي خافيير بلاس في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ إن “التحول في تسعير الغاز هو أبرز تطور في سوق الغاز خلال الشهر الماضي، لكنه لم يجذب الاهتمام الكافي في العواصم الأوروبية”.

وفي الأسبوع الماضي ارتفع سعر العقود الآجلة للغاز الهولندي وهو القياسي للسوق الأوروبية إلى 175 يورو لكل ميغاواط ساعة ليصل إلى ضعف السعر قبل شهر تقريبا.

وجاء ذلك بعد تراجع كميات الغاز التي تضخها روسيا إلى أوروبا عبر خط نورد ستريم 1 بدعوى وجود مشكلات فنية. في المقابل ظلت أسعار العقود الفورية للغاز أقل بنسبة 30 في المئة عن أعلى مستوياتها خلال الأيام الأولى للحرب وكانت 227 يورو لكل ميغاواط ساعة.

11