صياغة عقد جديد في العراق ضرورة تعوزها الإرادة السياسية

بغداد – تقول أوساط سياسية عراقية إن مطالبة رئيس الجمهورية برهم صالح بصياغة عقد سياسي واجتماعي جديد في البلاد ضرورة فرضتها الظروف الداخلية والتحولات الإقليمية والدولية، لكن القوى الحالية غير متحمسة لأي تغيير جوهري في ظل حسابات تتعلق بها.
وأوضحت الأوساط أن القوى السياسية بمختلف توجهاتها الفكرية وولاءاتها منشغلة حاليا في صراع مواقع داخل المنظومة القائمة، حيث ترتبط مصالحها بها، وبالتالي فإن تبنيها لعقد جديد ليس مطروحا على أجندتها.
وجدد الرئيس العراقي الأحد دعوته إلى صياغة “عقد (نموذج) سياسي واجتماعي جديد” في البلاد، استجابة لمتطلبات الظروف الداخلية والتطورات الخارجية.
وأكد صالح خلال لقائه برؤساء جامعات عراقية في قصر السلام ببغداد على “ضرورة الشروع في تلبية الاستحقاقات الوطنية والدستورية وعدم تعطيلها”. وأضاف أن “مهام مجلس النواب الجديد والحكومة التي ستنبثق عنه ستكون جسيمة ومأمول منها الكثير”.
وشدد على أن “الحاجة المُلحة إلى الحكم الرشيد تقتضي عقدا سياسيا واجتماعيا جديدا”، مشيرا إلى أن هذا العقد “ليس مطلبا ترفيا، بل ضرورة حتمية تفرضها الظروف السياسية والاقتصادية الداخلية والتطورات الإقليمية والدولية المُتسارعة”.
وأوضح الرئيس العراقي أن “صياغة هذا العقد تكون بمشاركة الرأي العام الوطني بفعالياته السياسية والأكاديمية والاجتماعية”.
وسبق أن دعا صالح في مناسبات عديدة إلى صياغة عقد سياسي واجتماعي جديد يُرسخ الحكم الرشيد في العراق، واعتبر أن المنظومة الحالية لا تفي بمتطلبات العراقيين، ولا جدال في حاجتها إلى إصلاح حقيقي وجذري.
وينطلق الرئيس العراقي في دعوته إلى عقد جديد من مصلحة وطنية تتعالى عن الحسابات والمصالح الشخصية والسياسية الضيقة، وترنو إلى تغيير يحقق طموحات العراقيين الذين ضاقوا ذرعا بالمنظومة القائمة وسبق وأن انتفضوا عليها في العام 2019 قبل أن يتمكن ساسة البلاد وزعاماتها من احتوائها.
وتأخذ دعوة الرئيس العراقي مشروعيتها أيضا من الواقع المأزوم حاليا، حيث يعيش العراق منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي أزمة سياسية خانقة لا أفق حتى الآن لتسويتها قريبا.
ولم يتمكن البرلمان العراقي في يناير الماضي من انتخاب رئيس للبلاد في ظل الخلافات المستمرة بين الفرقاء السياسيين. ووفق الدستور العراقي، فإن انتخاب رئيس الجمهورية ممر إلزامي لتشكيل الحكومة، باعتباره من يكلف الكتلة البرلمانية الأكبر عددا بتأليف الحكومة.
الحل قد يكون في عودة الشارع للضغط باتجاه تغيير يكفل تركيز أسس حكم تعالج السلبيات في النظام القائم وتلبي الطموحات الشعبية الراغبة في تحسين أداء الحكومة
وتقول الأوساط السياسية إن الأزمة الحالية هي نتاج خلل بنيوي في المنظومة التي حكمت العراق منذ الغزو الأميركي في العام 2003.
وتلفت إلى أن هذا الخلل كان يجري تجاوزه أو إخفاؤه بإبرام توافقات بين الأقطاب السياسية، لكن الوضع تغير في العراق، وهناك اليوم قوة فائزة في الانتخابات تطمح لأن تكون لها اليد الطولى في قيادة دفة العملية السياسية.
ويصر التيار الصدري الذي تصدّر الانتخابات التشريعية بثلاثة وسبعين مقعدا على القطع مع سياسة المحاصصة السابقة وأن يشكل حكومة أغلبية وطنية “لا شرقية ولا غربية”، في إشارة إلى إيران والولايات المتحدة.
في المقابل يتمسك الإطار التنسيقي الذي يمثل المظلة السياسية للأحزاب والميليشيات الموالية لإيران بحكومة المحاصصة. وتحاول القوى السياسية المختلفة استغلال ثغرات في الدستور في عمليات المساومة الجارية، الأمر الذي قد ينتهي بالبلاد إلى شلل سياسي طويل.
وتقول الأوساط إن الحل قد يكون في عودة الشارع للضغط باتجاه تغيير يكفل تركيز أسس حكم تعالج السلبيات في النظام القائم وتلبي الطموحات الشعبية الراغبة في تحسين أداء الحكومة وباقي مؤسسات الدولة بما يضمن تحقيق النمو، وهو ما يدعو إليه الرئيس برهم صالح.