صيادو "القروش"

دارت في الآونة الأخيرة نقاشات محمومة عن ظهور أسماك القرش في السواحل التونسية، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي قصصا عجيبة وغريبة، وعددا لا حصر له من الفيديوهات، يدّعون فيها ظهور هذا النوع من الأسماك المفترسة على شاطئ الحمامات (الشمال الشرقي لتونس)، حتى أن البعض منها تمت مشاركته الآلاف من المرات على مواقع التواصل.
عموماً، لم يسبق أن ظهرت أسماك القرش في شواطئ تونس، لكن تمكّن صيادون تونسيون بالفعل من اصطياد أصناف مختلفة منها في عدة مناسبات، خصوصاً في خليج قابس (جنوب شرق تونس) الذي يعتبر أكثر البيئات البحرية احتضاناً لأنواع مختلفة من أسماك القرش.
غير أن البعض استغل فاجعة مقتل السائح الروسي في أحد شواطئ الغردقة بمصر بعد أن هاجمته أنثى قرش، ليجعلها نقطة الانطلاق إلى قصص أكثر طرافة ورعبا، وهكذا دواليك نشأت قصص وروايات ملفقة على هامش حادثة السائح الروسي، وتم تداول صور وفيديوهات “كابوسية” لسبّاحين وراكبي أمواج يواجهون أسماكا مفترسة تحاول ابتلاعهم.
ليست هذه كل القصص، بل إن البعض الآخر اتخذ من تلك المشاهد والروايات والأخبار الملفقة، سبيلا لخداع الناس، فنشر مقاطع فيديو لبعض شواطئ ولاية ألاباما الأميركية، تظهر أعدادا من أسماك القرش، وهي تسبح في المياه الضحلة، وتهاجم السباحين، وأصبحت تلك الفيديوهات تنسب إلى الشواطئ التونسية، بعد أن تم تداولها على نطاق واسع، ولعل الهدف من ورائها ليس فقط إثارة الرعب في نفوس التونسيين، بل وإصابة السياحة في مقتل.
في المقابل، تعمّد آخرون توظيف مخاوف الناس من القرش كنقطة انطلاق، لينتقلوا منها وبطريقة ذكية إلى غاية أخرى في نفوسهم، وبالتالي أصبحت قصص القرش المتداولة مصدرا لجني الأرباح، والوسيلة التي وجد فيها كل شخص فرصته الذهبية. والأهم من ذلك، هو كيفية توظيفها بطرق تتصل بالموضوع، وهنا يكمن الدهاء، فقد كيّف الكثيرون منتوجاتهم مع القصص المتداولة بين الناس، بدلاً من تضييع الوقت في إنشاء قصص خاصة بهم، وبالتالي يجعلون الجمهور يقوم بالتسويق لها بنفسه، وعلى نطاق واسع.
وإذا حزمتم أمركم على تجربة هذا النوع من المنتوجات، فستجدون أنواعا وأشكالا لا تعد ولا تحصى؛ بدءا من الكريمات المحصنة من الهجمات، مرورا بالعطور ذات الروائح النفاذة الطاردة للقرش، وصولا إلى الصدريات الواقية من العضات، وجميع هذه المنتوجات وصفة مضمونة، لبعث المزيد من الرعشة في أوصال الخائفين من القرش، والعاجزين عن مواجهة اعتمادهم المفرط على معلومات وسائل التواصل الاجتماعي.
في الوقت الذي يستفيد منه الأذكياء من المعلومات المتوفرة على شبكة الإنترنت، فإن بعض “السذج” يقعون في براثن الخداع، حين يصدقون كل ما يقوله أصحاب المصالح المختلفة، لجعل القصص الوهمية تبدو أكثر صواباً من الحقيقة.
ذكرني هذا الأمر بإستراتيجية التسويق اللحظي، إنها أشبه بمرآة ترصد ببراعة مشاعر الناس، وتعيد تدويرها اجتماعياً وثقافياً. تركز هذه الحيل التسويقية بالأساس على الأحداث الآنية والمفاجئة، المتصلة بمعلومات وبيانات مستخدمي الإنترنت، وتعج بها الفضاءات الإلكترونية.
يسهل نشر الكذب والخوف بشكل متعمد، عندما لا يفهم الكثير من الناس حقيقة مّا أو فكرة معينة، وثانياً، وإذا رغب أصحاب المصالح والتيارات السياسية في خلق مجتمعات يسودها القلق والارتياب إزاء مواضيع معينة، وإذا تمكنوا فعلاً من أن يجعلوا كذبة ما تبدو على أنها حقيقة، فلن يكون هناك داع لبقية أساليب الإقناع الأخرى.
لكن لحسن الحظ فالبشر ليسوا مخلوقات غبية وساذجة بالفطرة، ولعله من الأنسب ألا نجعل أنفسنا دائما فريسة للأكاذيب، أما بالنسبة إلى موضوع القرش، فإن الاهتمام العالمي بهذا النوع من الأسماك قد وفّر مصادر عديدة ذات معلومات قيمة قد تبدد بعض الخرافات المتداولة على مواقع التواصل عن أسماك القرش.