صيادو الأسماك بموريتانيا يصارعون من أجل البقاء

المضاربات والبنية التحتية المتهالكة تقوّضان تجارة الثروة البحرية.
الأربعاء 2019/11/20
ثروة بحاجة إلى تقنين

تصاعد تذمّر صيادي الأسماك بموريتانيا على خلفية استفحال ظاهرة المضاربة والاحتكار وتهالك البنية التحتية المتهالكة، وهو ما جعلهم في صراع من أجل البقاء للحفاظ على موردهم الوحيد ببلد يعاني من هشاشة في مستويات النمو الاقتصادي رغم وفرة مواره الطبيعية.

نواذيبو (موريتانيا) - تكشف أحدث المؤشرات عن تدهور قطاع الصيد البحري بموريتانيا نظرا لاصطدام صغار الصيادين بتحديات تعيق حصولهم على عوائد من موردهم الوحيد.

وتتجلى مظاهر تلك الصعوبات في سيطرة المضاربين والمحتكرين وخاصة مصانع التبريد على تجارة الأسماك، إلى جانب تهالك البنية التحتية للقطاع.

ويعاني الصيادون في ولاية نواذيبو المطلة على المحيط الأطلسي وثاني أكبر المدن الاقتصادية بالبلاد من مشاكل لا حصر لها في طريق تحقيق أرباح تعيل أسرهم.

ويؤكد عبدالرحمن ولد لمرابط، وهو أحد الصيادين في المنطقة، خلال حديث مع وكالة الأنباء الرسمية أن افتتاح موسم صيد الأسماك هذا العام يختلف عن سابقيه لأنه يأتي في وقت تعاني فيه نواذيبو من نقص الكهرباء المخصصة للمصانع.

أيد ولد بمب: التسويق المباشرعلى الشواطئ سبب المضاربة في الأسعار
أيد ولد بمب: التسويق المباشرعلى الشواطئ سبب المضاربة في الأسعار

ويقول زميله صيدو محمد إن هناك مشكلة أخرى إلى جانب مشكلة الكهرباء تتعلق بتصنيف المنتجات السمكية والذي يتم في بعض الأحيان من طرف الأجانب.

وتزدهر تجارة الأسماك بنواذيبو مما يثير شهية المحتكرين للاستثمار في قطاع هش باستغلال غياب التراتيب القانونية اللازمة لتنظيمه وحماية حقوق العاملين فيه حيث لا تتواجد رقابة صارمة على النشاط مع غياب تكافؤ الفرص.

ولمواجهة تلك المشاكل، التي عمقت معاناة الصيادين، تطالب الاتحادية الوطنية للصيد، وهي النقابة الممثلة للقطاع، بإنشاء مصانع عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص لكسر احتكار هيمنة المصانع على التبريد.

ونسبت وكالة الأنباء الرسمية إلى عضو النقابة أيده ولد قوله إن ”هناك البعض من المشاكل التي يواجهها القطاع تتطلب تدخلا من طرف الحكومة من أجل النهوض به”.

وأوضح أن من بين تلك التحديات تهالك البنى التحتية الخاصة بهذا القطاع الذي يشهد إقبالا كبيرا للعاملين به.

وأضاف أن “مشكلة التسويق المباشر على الشاطئ وما يترتب على ذلك من مضاربات تساهم بشكل كبير في تدهور أسعار المنتجات السمكية، وهو ما يحتّم وجود مراقبين من السلطات المعنية لمنع ذلك”.

وتهدف هذه المطالب النقابية إلى الحفاظ على المنتوج السمكي من عمليات المضاربات التي يقوم بها البعض ويتضرر منها البحّار البسيط بالدرجة الأولى.

ودفع بطء الحكومة في اتخاذ حلول للمشكلات المتراكمة بالنقابة إلى المطالبة بتدخل عاجل يحمي مصالح الطبقة الهشة من الصيادين كونه مورد رزقهم الوحيد وإنقاذ القطاع من التدهور، الذي قد يكبّد تراجعه خسائر كبيرة للاقتصاد المحلي.

ورغم ترسانة القوانين التي اتخذتها الحكومة منذ العام 2012 لتوفير مناخ أعمال مستقر لتنمية هذا القطاع الاستراتيجي فهو يصطدم بالاختراقات الناجمة أساسا عن الأنشطة غير قانونية لبعض المحتكرين.

ويعرقل الانقطاع المتكرّر للكهرباء عمليات استغلال الثروة السمكية للصيادين وهو ما يستغله أصحاب مصانع التبريد في ظل عدم توفير الدولة للشحنة الكهربائية اللازمة للقيام بعملية الصيد.

ويشكل قطاع الصيد البحري أحد أهم شرايين الحياة لأغلب الموريتانيين بحيث لا تكاد توجد أسرة في ولاية نواذيبو إلا وتستفيد من هذا القطاع بصفة مباشرة عبر مزاولة أحد أبنائها العمل وبلغ حجم إنتاجه العام الماضي إلى 183 طنا.

وتسعى الدولة، التي تشهد في السنوات الأخيرة تراجعا في معدلات النمو وظروفا طبيعية قاسية تتمثل في الجفاف أثرت سلبا على الأراضي الصالحة للرعي إلى دعم قطاع الصيد البحري بكل الطرق لتحقيق عوائد إضافية لخزينة الدولة.

وتتسلح السلطات باستراتيجية بحرية تمتد إلى العام 2025 تشمل تقديم حوافز أكبر للصيادين المحليين وتعزيز البنى التحتية والحفاظ على الثروة السمكية وتعزيز اندماج القطاع في الاقتصاد.

ولكن هذه الحوافز والإجراءات تظل بعيدة عن اهتمامات القطاع وأهمها عدم إيجاد آليات ناجعة لمراقبة النشاط والمحافظة على حقوق المواطنين جميعا دون مضاربة واحتكار أصحاب الأعمال.

ويعتبر القطاع أحد أكبر مصدر لتوفير فرص العمل في البلاد، التي تعد من بين أضعف اقتصادات منطقة المغرب العربي، فضلا عن كونه موردا أساسيا للعملات الصعبة.

وبحسب البيانات الرسمية يوفر القطاع أكثر من 60 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة من خلال الأنشطة المرتبطة به.

كما يوفر القطاع أكثر من 54 بالمئة من إجمالي الوظائف المتاحة حاليا بالبلاد، فيما تبلغ القوى العاملة الأجنبية المستخدمة في الصيد حوالي 14 بالمئة.

واعتمدت موريتانيا في العقود الثلاثة الأخيرة ست استراتيجيات لتسيير الثروة السمكية وتربية الأحياء المائية، لكن لم تحقق الأهداف المرجوة حتى الآن على ما يبدو.

وتعدّ الفرص المتاحة للتمويل العربي كثيرة ومشجعة خاصة في ظل مناخ الأعمال الإيجابي حاليا الذي تدعمه إرادة سياسية تتماشى مع خطط تنشيط السوق العربية من خلال قانون استثمار جاذب.

وترتبط موريتانيا باتفاقيات في مجال الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي تجني بموجبها سنويا 109 ملايين يورو، وتشهد هذه الاتفاقيات مراجعات دورية وسط مساع موريتانية لإيجاد بديل أكثر مردودية.

11