"صورة ذاتية" تؤرشف للثورة السورية بكاميرا ساخرة

نعم، نحن في حاجة بعد كل هذا الوقت من التنكيل والدمار والخراب، إلى صور الثورة في لحظاتها الأولى، حين كانت حلما جميلا حلم به الصغار والكبار من أبناء سوريا، نحن في حاجة إلى استكمال المشوار نحو العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، وهو ما حاول طرحه عروة كوسة في فيلمه "صورة ذاتية".
الثلاثاء 2015/07/21
لكل قمع ثورة ولكل ثورة صورة ذاتية

حاول فيلم “صورة ذاتية” لمخرجه عروة كوستا أن يعيد المشاهد إلى الوراء بضع خطوات أو أكثر. مقدرا ضرورة أن نؤرشف لهذه الانتفاضة الإنسانية بصيغة فنية تحمل روحا إبداعية من وحي روح الشارع السوري، موضحا أن لكل قمع ثورة ولكل ثورة صورة.

كما أن لكل قوة فعل رد فعل غير مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه يعملان في نفس الخط، صورة ذاتية للثورة من أول علبة دهان إلى آخر غالون سارين.

ألقى الفيلم بدقائقه القليلة جدا وهو من إنتاج “بدايات”، الضوء على المراحل التي عاشتها الثورة السورية. بدءا من مرحلة الكتابة على الحيطان والمظاهرات السلمية حتى الأقصى، مرورا بضرب المتظاهرين واعتقالهم وسقوط أعداد كبيرة منهم شهداء، ثم الدخول في متاهات النزوح واللجوء، حيث العيش يغدو بصورة مستحيلة ولا إنسانية، وصولا إلى مرحلة الموت بالكيمياوي.

اعتمد كوستا في فيلمه، على الكادر الثابت واللقطة الثابتة، فلم تنتقل الكاميرا من مكانها أبدا، متمركزة خلف نافذة تطل على الحقيقة كاملة، وكأنها عين المصور وعين المخرج وبالتالي هي عين المتلقي.

ومنه تحولت هذه النافذة إلى الفسحة الوحيدة التي نرى من خلالها الصورة الذاتية للثورة، ضمن صيغة إخراجية تقترب إلى حدّ ما من المسرح، لتشكل النافذة ما يشبه الستارة التي تخفي وراءها الخشبة، وعلى هذه الأخيرة تتوالى الأحداث والشخصيات، أمّا الفضاء الخارجي، فلنا حرية تخيّل وتصوّر ما يحدث فيه.

وعلى الرغم من ثقل حجم المأساة على أرواحنا وتموضعها القاتل في حدقاتنا، وهنا تتغلغل الثيمة المطروحة في هذا العمل، إلاّ أن المخرج حاول أن يقدمها عبر أسلوب ساخر يطالع الحقيقة بنموذج فني يختلف تماما عن نشرات الأخبار والصفحات الفيسبوكية.

فقد وجدنا أنفسنا أمام عمل يقرّب الوقائع ويختزلها في بضع لقطات تخيلية لا أكثر. لكنه لا يسخر من المأساة أو منا نحن المارين عليها، إنما يسخر من الوضع بأكمله متخذا من المرارة دافعا لسخرية وطرافة تفضي إلى ما يسمى بالكوميديا السوداء.

كذلك فهذه الصورة الذاتية للثورة، لم تأت على صيغة عمل وثائقي، إنما جاءت ضمن فيلم روائي يقرأ الواقع ويوثّقه بعين المخرج ومن خلال رؤيته الفنية، وهنا تكمن مفارقة إبداعية لا بدّ من التركيز عليها.

من جهة أخرى، ففي الصورة حساسية لونية و”شكلية” عالية، وبهذا تصلح كل لقطة لأن تكون عملا غرافيكيا منفصلا بفكرته وموضوعه. ولربما كان الجدار بلونه الرمادي، والذي نستطيع أن نعتبره خلفية أو ديكورا للخشبة، هو العامل المشترك بين جميع اللقطات وتراه يشير إلى سوريا اليوم، إلى سوريا المدمرة بعشوائية وقسوة.

16