صوت الأرض

لم يكن الحدث عاديا.. وإنما شكل ظاهرة احتفالية من الطراز الممتاز بما يمثله المحتفى به من أهمية في ذاكرة الفن السعودي والعربي ومن عبقرية فنية وضعته في مرتبة عليّة وفتحت أمامه بوابة الخلود.
إنه ببساطة طلال مداح أو صوت الأرض كما يسمى في المملكة تأكيدا على هويته الإبداعية والإنسانية وعلى علاقته الوطيدة بالأرض كموطن وموقع وعبق وانتماء، وكمنبت للجمال وفيض من العطر والطهر والسلام، وكعنوان لجاذبية الروح ورحابة القلب وسماحة النفس، وقدسية الدور في زمن كان فيه الفنان منبوذا ومرفوضا، ويعاني من التهميش نتيجة النظرة السطحية والسلبية المتوارثة للفن وخاصة للغناء والموسيقى.
نظمت هيئة الترفيه السعودية ليلة صوت الأرض بواحد من أكبر الفضاءات الجماهيرية بالرياض وهو مسرح محمد عبده، حيث اجتمع أكثر من 40 فنانا سعوديا وخليجيا وعربيا من كبرى الأصوات المؤثرة والحناجر الساحرة بحضور عدد من الأمراء الشعراء الذين كانت لهم علاقة وطيدة مع طلال مداح ومن بينهم الأمير بدر بن عبدالمحسن آل سعود صاحب الكلمات المخترقة للآفاق والصور التي تقتحم الأعماق..
وكان لحضور أسرة الفنان الكبير الراحل أثره الخاص ولكلمات ومواقف صاحب المبادرة تركي آل الشيخ فوق الخشبة وفي الكواليس وقعها في النفوس في ظل حالة اندماج جماعي مع ملامح طلال وذبذبات صوته، وهو يعاند جسده النحيل ويتحدى زمان الصمت، ويتصدى المقادير ليرتفع فوق السحاب عابرا الحدود بين الدول العربية وكأنه يغني لليمن والعراق وتونس والمغرب ومصر والكويت والإمارات وعمان ولبنان في نفس الوقت.
كان طلال مداح مؤسسا لمدرسة الغناء السعودي، وكان سباقا من جدة والحجاز لاقتحام حصون الرفض الاجتماعي ومقداما في قراره مع جلد وصبر.
واجه من كانوا يعتبرون الموسيقى رجسا من عمل الشيطان، وينظرون إلى المغني على أنه من خارج العقيدة ومنظومة الأخلاق العامة والعادات والتقاليد والأعراف.
اتهموه بالجنون ولاحقوه بالإشاعات والإساءات متأثرين بفتاوى المتاجرين بالدين ممن كانوا يعتقدون أنهم أوصياء على الفضاء السعودي قبل أن يتغير الوضع منذ سنوات قليلة بثورة في منتهى الهدوء جعلت من أولوياتها أن تعيد الاعتبار للفن والفنانين والطرب والمدربين والشعر والتلاحين في رمزية صوت الأرض الذي عاد إلى الصدارة، وكأنه يولد من جديد بروح الفرادة التي تميز بها طيلة تجربته الثرية والخالدة.