صندوق مصر السيادي يخلط الأوراق في سوق الدواء

مخاوف من احتكار تجارة القطاع بعد شراء حصة في أشهر سلسلة صيدليات.
الأربعاء 2023/05/17
منبع أموال لا ينضب

دخل صندوق مصر السيادي في خطوة استثمارية جديدة بشراء حصة في أكبر سلسلة صيدليات بالبلاد ضمن شراكاته مع القطاع الخاص في مختلف القطاعات، بما يعزز فرص النجاح في المجالات الإستراتيجية وتقديم خدمات متميزة وتحسين جودة الرعاية الصحية.

القاهرة - أكد خبراء أن خطوة شراكة ذراع مصر للاستثمار السيادي مع صيدليات العزبي الشهيرة في البلاد، تمهد لاحتكار سوق الدواء المحلي، ويمكن أن تؤدي إلى غياب المنافسة، وقد تُلحق ضررا بالغا بكيانات فردية عديدة.

واستحوذ صندوق مصر السيادي على حصة قدرها 49 في المئة في السلسلة، ما سيتيح مضاعفة عدد فروعها إلى 500 صيدلية من 250 حاليا، وفق تصريحات رئيس مجلس الإدارة أحمد العزبي الذي أوضح أن مجموعته رفضت العديد من العروض من صناديق سيادية أخرى.

ويبدو أن الصندوق يخطط لذلك منذ سنوات، إذ أعلن في منتصف 2020 عن تدشين صندوق فرعي للاستثمار في الرعاية الصحية، ثم دخل في شراكة مع بي إنفستمنتس القابضة خلال يناير الماضي.

واستهدفت تلك الشراكة المنصة الاستثمارية التي أنشأها الكيان الفرعي للصندوق وتهدف إلى توزيع وتجارة الأدوية في مصر.

حاتم البدوي: خطوة الصندوق السيادي تهدد نشاط 80 ألف صيدلية
حاتم البدوي: خطوة الصندوق السيادي تهدد نشاط 80 ألف صيدلية

واتفق الصندوق السيادي وبي إنفستمنتس في بداية 2023 على ضخ ما يتعدى ملياري جنيه (نحو 65 مليون دولار) في شركات الرعاية الصحية والأدوية المحلية.

وفي مارس الماضي وافق مجلس إدارة بي إنفستمنتس على استثمار ما يصل إلى 500 مليون جنيه (17 مليون دولار) في صندوق مصر الفرعي للخدمات الصحية.

وتهدف الشراكة بين الصندوق وسلسلة العزبي إلى تقديم خدمات لوجستية وإدارية للمؤسسات الصيدلية، وكذلك خدمات توزيع وتجارة الأدوية، عبر تأسيس شركة إي زد إنترناشيونال، وفق بيان صحفي مشترك بين المؤسستين.

وتشمل الخدمات التي يقدمها الكيان الجديد كل شركات الأدوية المحلية بداية من الدعم اللوجستي والإداري لخدمات التجارة والتوزيع، ومن المقرر البدء بفروع صيدليات العزبي الكائنة في مصر، بزيادة عددها وفق الخطة التي تم الاتفاق عليها.

وتخلط خطوة الصندوق السيادي بعض الأوراق في سوق الدواء، كونها تغير إلى حد كبير شكل وطبيعة المنافسة في السوق، وترجح كفة إي زد إنترناشيونال على كل الصيدليات العاملة في البلاد، وتأسيس سلسلة جديدة لكن بشكل أوسع.

وقال حاتم البدوي عضو الشعبة العامة للصيدليات باتحاد الغرف التجارية لـ”العرب” إن “الكيان الجديد يمهد لاحتكار سوق الدواء، ويهدد نحو عمل 80 ألف صيدلية في مصر توفر فرص عمل لنحو مليون شخص ما بين الصيادلة ومساعديهم والعمالة”.

وتصل قيمة تجارة الأدوية والمكملات الغذائية في البلاد إلى 150 مليار جنيه (نصف مليار دولار)، ما يعني أن منصة الاستثمار في مجال تجارة الأدوية الخاصة بالصندوق السيادي فرصة استثمارية جيدة كما أنها ركيزة أساسية في إستراتيجية كيانه الفرعي المتعلق بالأدوية.

وربما يسعى الصندوق السيادي إلى توفير حلول استثمارية أخرى وتعزيز الحوكمة بمشاركة أكبر للقطاع الخاص لإنشاء كيانات مؤسسية تحقق اقتصاديات الحجم وتمنع زيادة الكلفة وتساهم في ضمان استقرار السوق.

وأوضح البدوي أن الخطوة تهدد عدالة المنافسة في السوق، لأن الأدوية الشحيحة لن تتوفر إلا في الصيدليات التابعة للكيان الجديد، فضلا عن المنافسة الكبيرة من جانب الشركة المصرية لتجارة الأدوية المملوكة للدولة التي تستحوذ على النسبة الأكبر من استيراد الأدوية وبيعها.

ويحظر القانون امتلاك الشخص أكثر من صيدليتين، لكن سلاسل القطاع تستغل ثغرة في القانون بأنه يمكن تأسيس شركة إدارة صيدلية.

صناعة مدرة للأرباح
صناعة مدرة للأرباح 

وتتعامل هذه النوعية من الشركات أمام القانون على أنها لا تعد صيدلية، ومن ثم تحصل على الأدوية وتقوم بتوريدها للفروع التي تتعامل معها أو تقوم بتعيين العمالة فيها، وتصب في حقيقة الأمر الأرباح وقرارات شراء الدواء عند مالك السلسلة.

وأثبتت سلاسل الصيدليات المحلية أنها ذات ضرر بالغ على الاقتصاد وسوق الدواء، وكشفت بعض الأحداث والوقائع خلال السنوات الماضية تعثر عدد من السلاسل وإقبالها بشكل كثيف على الاقتراض من البنوك مع عدم القدرة على السداد، وهو ما أفضى إلى إفلاسها.

ومن تلك السلاسل التي تعثرت صيدليات رشدي التي استحوذت عليها شركة 19011 وأفلست وأغلقت فروعها، ولم تسدد ديونها للبنوك.

كما أن صيدليات العزبي التي تعتبر أكبر سلسلة في البلاد تصل مديونياتها إلى نحو 300 مليون جنيه (10 ملايين دولار)، وفق تصريحات سابقة أدلى بها مالكها أحمد العزبي.

حسين الصباغ: القرار يضر بالمنافسة ويتناقض مع التحذير من الاحتكار
حسين الصباغ: القرار يضر بالمنافسة ويتناقض مع التحذير من الاحتكار

وأشار البدوي لـ”العرب” إلى أن أصحاب الصيدليات والشعبة التي تمثلهم في حيرة كبيرة بشأن ضبط سوق الدواء، ولا يجدون جهة حكومية يشتكون إليها لأن دخول الصندوق يؤكد أن الدولة أصبحت لاعبًا رئيسيًا في أهم قطاع للسلع الإستراتيجية.

وتتميز السوق المحلية للدواء بعدد من المحفزات التي تعزز نموها، أبرزها الزيادة السكانية الكبيرة وتوسع الحكومة في استيراد اللقاحات، ما يسمح باستمرار عجلة الإنتاج في كل القطاعات، وتطبيق نظام التأمين الصحي الشامل.

وأكد حسين الصباغ أستاذ الكيمياء الدوائية بكلية الصيدلة لـ”العرب” أن الخطوة كشفت عن التناقض الحكومي الواضح في سوق الدواء.

وقال “بعد أن كانت السلطات توجه تحذيرات دائمة من احتكار أو غياب المنافسة في سوق الدواء أقبلت من خلال الصندوق السيادي على الخطوة التي من شأنها أن تؤدي إلى الاحتكار”.

ورجح ألا تقتصر الشراكة بين الصندوق السيادي وصيدليات العزبي على تجارة الأدوية، بل ستتطرق إلى التعاون معها في تصنيع الأدوية أيضا، حيث تمارس السلسلة نشاطا في مجال تصنيع الأدوية ومستحضرات التجميل.

ولفت الصباغ، عضو مجلس بحوث الدواء التابع لأكاديمية البحث العلمي ومقره القاهرة، إلى أن الكيان الجديد يضر بالأفراد والصيادلة الذين يملكون صيدلية أو اثنتين.

وتوقعت وكالة فيتش سولوشنز استغلال الحكومة المصرية قطاع الدواء لتحسين أداء الاقتصاد، خاصة أن نسب النمو فيه متواضعة، مقارنة بعدد السكان ومعدلات الإنفاق على الرعاية الصحية بالاقتصادات الناشئة.

ولفتت المؤسسة العالمية إلى إمكانية جذب استثمارات في قطاع الدواء، لكن ثمة مجموعة من النقاط تقلل من عوامل المنافسة مع الأسواق الناشئة.

ومن أهم تلك النقاط نظام التسعير الجبري للأدوية، وصعوبة دخول شركات جديدة إلى السوق بسبب ضبابية الاستثمار رغم إقرار قانون جديد في مختلف القطاعات، وانتشار سوق موازية للأدوية المُقلدة بلا رقابة.

ورغم مخاوف العاملين في القطاع من الخطوة، فإن المعمول به في العديد من الدول المتقدمة هو نظام سلسلة الصيدليات، والأمر يتطلب تقنينا في السوق المحلية ووضع بعض الضوابط لعدالة المنافسة، وهي مسؤولية يجب أن توليها النقابات والغرف التجارية اهتماما كبيرا.

11