صندوق النقد يعوّل على استقرار تونس ما بعد الاستفتاء

تونس- أرسل صندوق النقد الدولي إشارات إيجابية عن مسار الحوار مع تونس بشأن الإصلاحات الاقتصادية، في خطوة قال مراقبون إنها تظهر ثقة الصندوق في أن الدستور الجديد سيمر، وأن الإصلاحات قادمة.
وقالت بعثة صندوق النقد الدولي إلى تونس الثلاثاء إن “المناقشات مثمرة بشأن التوصل إلى اتفاق جديد في إطار تسهيل الصندوق الممدد لدعم السياسات والإصلاحات الاقتصادية للسلطات في تونس”.
وأضافت البعثة في بيان نشره الصندوق على موقعه الإلكتروني أنه سيواصل المناقشات على مدار الأسابيع القادمة بهدف التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء.
ويعتقد مراقبون أن الصندوق لديه ثقة في أن حكومة الرئيس قيس سعيد أصبحت قادرة على تنفيذ التعهدات وبدء الإصلاحات وفق أجندة واضحة، على عكس حكومات سابقة كانت تطلق الوعود دون أن تقدر على اتخاذ قرار تنفيذها بسبب تعدد جهات اتخاذ القرار.
◙ استعداد صندوق النقد للتعامل مع تونس يفند ادعاءات المعارضة بأن الرئيس سعيد لا يملك رؤية إصلاحية
ويتيح الدستور الجديد للرئيس سعيد أن يكون صاحب القرار في القضايا الرئيسية، وهو ما سيسهل عليه تنفيذ الإصلاحات والإيفاء بالتعهدات للجهات المالية الدولية. ولا شك في أن توحيد القرار عند جهة واحدة عنصر مشجع لمختلف المانحين الذين يبحثون عن ضمانات قبل دعم الإصلاحات في أي بلد من البلدان.
وكان الصندوق قال في تصريحات سابقة إن “السلطات التونسية وخبراء الصندوق حققوا تقدما جيدا في تحديد المعالم الرئيسية للسياسات والإصلاحات التي يمكن أن يدعمها برنامج مع الصندوق”، مرحبا “بانفتاح الحكومة التونسية والشركاء الاجتماعيين على الحوار البناء بشأن تنفيذ برنامج إصلاحي مراعٍ للاعتبارات الاجتماعية وداعم للنمو”.
وكان مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور زار تونس والتقى الرئيس سعيّد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن.
وأعلنت مجموعة من الوزراء أن الحكومة ستشرع في مراجعة سياسة الدعم لبعض المواد الأساسية.
وأكد قيس سعيّد إثر لقائه المسؤول بالصندوق على “ضرورة إدخال إصلاحات كبرى مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية”، مذكرا بأن “هناك جملة من الحقوق التي يتمتّع بها الإنسان، كالحق في الصحة والحق في التعليم، لا تخضع لمقاييس الربح والخسارة”.
وقبل ذلك قال نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج إن “تونس هامة جدا سواء على المستوى الجيواستراتيجي أو على مستوى المسار الديمقراطي الذي تحقق، وكان لها دائما دور ريادي على غرار دور المرأة أو دورها في التعليم، وكانت منذ سنوات عديدة توجد وسط الاهتمامات الإيجابية لمختلف الأطراف”.
وجاءت التصريحات المتتالية لممثلي الصناديق المالية الدولية لتدعم مسار التغييرات السياسية التي بدأها قيس سعيد قبل عام والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى إعادة هيبة الدولة والقطع مع الفوضى والصراعات السياسية والنقابية والتفرغ لمعالجة القضايا التي تهم الناس، وخاصة إيلاء الملف الاقتصادي العناية التي يستحقها.
وقال محللون سياسيون إن تصريحات المسؤولين الماليّين بدت وكأنها اعتراف بأن مرحلة قيس سعيد أفضل لتونس وأنه سيحوز دعما دوليّا، على عكس المراحل السابقة التي لم تكن تقابل بالرضاء بسبب تهميش الإصلاحات الاقتصادية. ومن شأن هذا الاعتراف أن يمنح الرئيس التونسي دفعا معنويا هاما في مواجهة خصومه، خاصة في ظل الدعم الشعبي الواسع الذي تحظى به إصلاحاته داخليا.
◙ السلطات التونسية تسعى للتوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على حزمة إنقاذ بحوالي 4 مليارات دولار
ويفند استعداد صندوق النقد للتعامل مع تونس بشأن الإصلاحات ادعاءات المعارضة وخصوم الرئيس سعيد الذين اتهموه مراراً بأنه لا يملك رؤية إصلاحية من شأنها أن تعالج الأوضاع المتردية، في محاولة لإرباكه هو والمسار الذي يقوده.
كما صدمت هذه التصريحات -المتعلقة بالتعاون مع تونس لإنجاح الإصلاحات- قادة الاتحاد العام التونسي للشغل ودفعتهم إلى الإدلاء بتصريحات مضادة تهاجم الحكومة، وأظهرت أن المنظمة النقابية تتصرف كحزب سياسي أكثر من كونها شريكا اجتماعيا تقوم علاقته مع الحكومة على التفاوض والخروج بقرارات عبر التوافق وليس عبر معارك لي الذراع.
وعبّر الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي عن رفضه للإصلاحات التي يريدها صندوق النقد الدولي لمنح البلاد قرضا جديدا في غياب ما أسماه “حكومة نابعة من مؤسسات وانتخابات” تملك “شرعية” خوض نقاشات مثل هذه.
وقال المحللون إن موافقة صندوق النقد على العمل مع الحكومة التونسية فاجأت قيادة الاتحاد التي كانت تعتقد أن الصندوق سيرفض الحوار مع الحكومة لعدم مشاركة المنظمة النقابية الكبرى في هذه النقاشات، لكن الصندوق الذي زار ممثلوه تونس أكثر من مرة والتقوا مختلف الأطراف المعنية بالإصلاحات صار يعرف الجهة المعرقلة والجهة التي يمكن التعامل معها وبناء تواصل دائم معها.
ويشير هؤلاء إلى أن معارضة الإصلاحات مطلقا إلى حين “تغيير الحكومة” كما يريد الاتحاد هي هروب من تحمل مسؤولية إخراج البلاد من أزمتها، وتجسيد لثقافة تقديم التنازلات المتبادلة، وأنها تهدف إلى تأجيل نقاط الخلاف إلى وقت ملائم، لافتين إلى أن ما يهم الاتحاد هو تحقيق المكاسب التي تعود بالفائدة على النقابيين والمنتسبين إلى الاتحاد، وهذه الثقافة القطاعية تحد من دوره كشريك اجتماعي وطني.
وتسعى السلطات التونسية للتوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على حزمة إنقاذ بحوالي 4 مليارات دولار تمكنها من استكمال موازنتها لعام 2022.